بعد الاحتفاء الثر من لدن رفاق الدرب وزملاء المسيرة ، بمنجزات الراحل ( فايق بطي ) . ماذا بوسع المرء ان يضيف جديدا في عزاء الفقيد ، غير ان يعاود قراءة ما يتسنى من آثاره القيّمة المطبوعة . — قاربت العشرين سِفراً — والتي نضد حروفها بأمانة . بأناة ودراية وحِرفية عالية ، كما ينظم صائغ محترف فصوص لؤلؤ وشذر ومرجان في قلادة فريدة التصميم .
………..
فجر ذلك اليوم ، ولد ، في عائلة صحفية معروفة ، وفي بيت كبير يقع في مدخل شارع الزهاوي بالأعظمية .. شهدت بغداد في السنوات الست الأولى من طفولته ، ثلاثة أحداث مهمة لم يفقه شيئا منها ، ولا يذكر إنه تلقى جوابا لتساؤلاته العفوية عنها : موت الملك غازي بحادث سيارة غامض ، انقلاب بكر صدقي ، والحرب العالمية الثانية .
لماذا أهمل الوالد تلقينه بعض المعلومات ليرد على تساؤلات أترابه في روضة الأمير فيصل بالوزيرية حول صاحب الصورة التي حملها معه ذات صباح وهو في طريقه للروضة . حين قال لأترابه : إن أباه نشر الصورة في الجريدة لأنه يحب صاحبها ومعجب به … لو كان أبوه قد حذره بأن حمل تلك الصورة ( جريمة ) حتى لو حملها طفل بريء ، لوفر عليه صفعة قاسية تلقاها من الست ( فهيمة ) المديرة ، وهي تلعن ( هتلر ) صاحب الصورة . ووالد الطفل معا … كانت تلك اول جريمة سياسية يرتكبها وهو على آعتاب الطفولة .
تدخل الوالد ، إثر هذي الحادثة لإنقاذه ، فأدخله مدرسة النجاح النموذجية ، الكائنة في منطقة السنك .
………
مئة يوم من صيف ذلك العام قضاها في مطبعة جريدة البلاد . يذهب بصحبة الوالد كل صباح ، ويعود في الظهيرة محملا بالمجلات والصحف المصرية ، حيث يباشر بتصفحها ورقة ورقة ، متأملا في كل تخطيط وصورة ، ولم يدر بخلده إن هذا التعلق بالصحف والمجلات سوف يزين له التعامل مع الحرف والصورة بدقة واقتدار .
……..في الحفل التأبيني للوالد ، قرأوا نعي ورثاء الابن لأبيه : لقد علمتني كل شيء ، وفاتك ان تعلمني كيف أرثيك ، أأرثيك كأبي ؟ أم ارثيك كأستاذي ؟؟ ام أرثي الصحافة والأدب ؟؟ وانا بين هذا وذاك أرثي ابنك الذي فقدك وهو في منتصف الطريق .
………..
الرحمة لعاشق الصحافة . وقد ذاق علقمها حين تاق لحسوة عسل ،، وغص بعسلها حين داهمه طنين ذكور النحل ، وأدمت وجدانه نباتات الشوك والصبير.
مسارب الوجدان
[post-views]
نشر في: 27 يناير, 2016: 09:01 م