الجزء الثاني
هكذا مضى العبقري ديفيد بووي بعيداً وترك لنا تنوعاً قائماً على مهارات ومواهب شخصية عديدة اجتمعت في رجل واحد، توفي في بيته بمدينة نيويورك، بيته الذي يقع على مرتفع أَحَبَهُ كثيراً وله فيه ذكريات خاصة. وقد أوصى قبل وفاته بأن لا تدفن جثته أبداً، بل تحرق وتنثر رمادها زوجته عارضة الأزياء (صومالية الأصل) إيمان بمشاركة ابنته ألكسندريا وابنه دنكن، في مكان غير معلوم. وهو يقول بصدد ذلك "لا أريد أن أتحول في نظر الناس الذين يحبونني الى مجرد نصب تذكاري على شكل قبر، بل أريد أن أحيا في قلوبهم الى الأبد" وهذا هو الغياب الذي يمس شغاف الروح، الغياب الذي سيجعله حياً في قلوب ووجدان محبيه. هنا نلمس بوضوح أن بووي لا يركن الى نوع محدد من التعبير سواء في فنه أو حتى مماته، هو الذي يغير ويجدد ويتحول دائماً، حتى اسمه الذي غيَّره في بداياته من ديفيد جونز الى ديفيد بووي يشير بوضوح الى شخصيته المتحولة التي تشبه الحرباء، وقد أخذ هذا الأسم من فاتح أمريكي أسمه جيمس بووي، قُتل في المعركة الشهيرة آلامو التي دارت بين مجموعة من المكسيكان وأخرى من الأمريكان في تكساس التي كانت جزءاً من المكسيك.
أخفى بووي عن الجميع، مرضه المفاجئ واستعد للموت الذي كان يحيطه كل لحظة، وقد أشار الى ذلك بشكل رمزي في الكليب الذي صوره لآخر أغنياته (لازاروس) حيث يعصب عينيه بضمادة ويضع بدلهما زرين من أزرار الملابس، وفي المشهد الأخير يدخل في خزانة ويغلقها على نفسه، هكذا أشارت هذه الأغنية الى موته، وقد عُرضت قبل رحيله بثلاثة أيام فقط. وهكذا يختتم حياته بهذا الكليب، هو الذي يعتبر من أوائل الفنانين الذين صوروا أغنياتهم على شكل فيديو كليب وساهم بابتكار هذا النوع من الفن الذي لا يمكننا أن نتخيل الأغاني والموسيقى الآن بدونه.
رغم أن بووي كان قد مثّل شخصية أندي وارهول في فيلم سينمائي جميل وقد تماهى مع شخصيته بشكل جذاب واستعمل نفس باروكة الشعر التي كان يستعملها وارهول، لكننا يمكن أن نعتبره بيكاسو موسيقى البوب لما قام به من ابتكارات وأضافات جذرية في عالم الموسيقى وكذلك للتنوع الذي غيَّر في نظر الناس شكل واسلوب ومظهر مغني البوب. لهذا حيّاه الناس في كل مكان أثناء حياته وبعد وفاته أيضاً، ومن أطرف اللمحات والتحيات التي أشارت له هي قيام أكبر كنيسة في مدينة أوترخت وسط هولندا بقرع أجراسها على أيقاع موسيقاه في يوم وفاته.
لمع نجمع هذا العبقري في كل بقاع العالم بعد أغنيته الشهيرة( هيروس) مطلع السبعينات، وحتى غلاف هذا الألبوم لم يخلُ من التأثرات الغريبة التي عرف بها، حيث نرى تأثير فن الحفر الألماني وخاصة الفنان أريك هيكل واضحاً على ذلك، وكان قد قضى بعض الوقت في برلين . وقد أطلق على هذه الفترة (سنوات الأسود والأبيض) وكانت ملابس عروضه يغلب عليها هذان اللونان اللذان استوحاهما من فن الكرافيك. وهكذا في كل مرة كانت تظهر تأثيرات غير متوقعه على أعماله هو القارئ الجيد لبريخت وجورج أوريول الذي ظهر تأثيره في أغنية ( دياموند دوكز). وكذلك أغنيته ( بلو جين) التي ظهر فيها بملابس تحمل تأثيرات عربية. بهذه الطريقة، بل بهذه الطرق مجتمعة، مضى في قصة نجاحه التي أبهرت الشباب وأصبحت أغانيه مرآة لحياتهم الجديدة من خلال نجم بحجم وقوة حضور ديفيد بووي، الذي رحل وترك لنا كل هذه الخفة والجمال واللفتات النادرة التي تشبه عطراً يناسب عبيره الرجال والنساء معا.
رجل بمئة وجه
[post-views]
نشر في: 29 يناير, 2016: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...