TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > إذا فسد الملح !

إذا فسد الملح !

نشر في: 1 فبراير, 2016: 05:49 م

نحن دولة لا تشبه غيرها من الدول.. إنها تتصدر قائمة الدول الفاشلة والفاسدة والمتخلفة تكنولوجياً، وربما كنا الدولة الوحيدة التي تحيا وتعيش على النفط وحده، فيما مدننا تأتي في صدارة المدن المشبعة بالتلوث والنفايات، وفي مقدم المدن التي تشحّ فيها الخدمات العامة الأساسية كالكهرباء والصرف الصحي والنقل والصحة والتعليم.
وواحدة من مشكلاتنا في دولتنا، أنها تفتقد الى قانون يضمن للمواطنين، بمن فيهم الصحفيون والأكاديميون، حق الحصول على المعلومات، وهو حق متاح لكل المواطنين في الدول الديمقراطية. ولهذا فإننا الآن لا نعرف، مثلاً، عدد منظمات المجتمع المدني العاملة في البلاد، لكنّ العدد في كل الأحوال كبير، فتقديراته تتراوح بين 1000 و3000 آلاف، وهما رقمان كبيران للغاية، فميدان المجتمع المدني احتل حيزاً كبيرا منه الأحزاب الحاكمة لاستخدامه لأغراض الفساد المالي، فيما شغل حيزاً كبيراً آخر النصابون  والحرامية، أما المنظمات الجادّة فحيزها ضيق ومحدود، ومنها "مؤسسة مدارك" المتميزة بتعدد انشطتها، وبالذات في مجال الرصد الخاص بنشاطات مجلس النواب، فهي تُصدر تقارير فصلية وأخرى سنوية بحصيلة رصدها، وتنظّم مؤتمرات دورية لإعلان هذه الحصيلة التي تؤكد في كل مرة أن لدينا برلماناً لا يشبهه اي برلمان آخر في العالم.
آخر تقرير لهذه المنظمة أُطلق يوم الجمعة الماضي، وهو تقرير الفصل التشريعي الأول من السنة الثانية للدورة الانتخابية الثالثة (1/7 – 31/12/ 2015)، وقد تضمن هو الآخر ما يرتقي إلى مستوى الفضائح السياسية من الطراز الاول. هذا التقرير يفضح رئاسة مجلس النواب عن ارتكابها مخالفات صريحة للنظام الداخلي للمجلس ولأحكام للدستور. التقرير يُظهر ان رئاسة المجلس لم تتخذ أي إجراء قانوني بحق 10 نواب تجاوزت غياباتهم الحدّ المسموح به، وأوضح في هذا الصدد استحقاق 25 نائباً التنبيه الخطي نظراً لتغيبهم عن 5 جلسات متتالية أو 10 جلسات غير متتالية. ورصد التقرير مخالفات هيئة رئاسة البرلمان التي لم تنشر غيابات النواب في نشرة المجلس أو أحدى الصحف المحلية، كما لاحظ وجود حالات جرت فيها تعديلات (اقرأ عمليات تزوير) على الغيابات!
ومن المخالفات التي يسجلها التقرير على البرلمان انتقال الأعضاء بين اللجان لأكثر من مرة دون تصويت أعضاء المجلس، وهو ما يخالف المادة (21) من النظام الداخلي للمجلس. ويوضح التقرير خلو لجنة شؤون الأعضاء من وجود رئيس ونائب ومقرر، في حين خلت لجان من وجود الرجال، كما في لجنة المرأة والأسرة والطفولة، مثلما خلت لجنة العشائر من وجود النساء. ومن المخالفات المهمة أيضا خلو جلسات المجلس من التصويت على الحسابات الختامية للمجلس كما نصّت المادة (143) من النظام الداخلي. كما ان المجلس خالف نظامه الداخلي، (المادة 22) التي تلزم بعقد جلسات المجلس يومين في الاسبوع في الأقل، اذ لم تعقد أية جلسة لأربعة أسابيع. ولم تُحص رئاسة المجلس عدد المصوتين لصالح مشاريع القوانين وعدد المخالفين والممتنعين.
وبحسب التقرير فان لجنة شؤون الأعضاء لم تعقد أي اجتماع وهذه حالها خلال السنة التشريعية الأولى أيضاً، بينما عقدت لجان المرأة والطفولة، والعمل والشؤون الاجتماعية، والنفط والغاز، اجتماعاً واحداً فقط خلال هذا الفصل.
قصارى القول، في ضوء تقرير مؤسسة مدارك"، أننا بازاء مؤسسة تشريعية تنتهك أحكام الدستور ونظامها الداخلي علناً، أي ان أعلى سلطة في البلاد هي فاسدة في الواقع (أحد أعضائها اعترف للتو بأن الطبقة السياسية الحاكمة كلها مرتشية)!
 وإذا فسد الملح فبماذا يُملّح؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. محمد سعيد

    ماذا يمكن ان يستخلص يا اخي الكاتب من كل ما تقوله .. هل فعلا نعيش في دوله فاسده ام في غابه يراعاها دعاة ديمقراطيه زائفه , فان صح كل هذا الكلام يبقي السؤال عن المخرج من هذه المأساة... هل تظل الجموع تردد كلام القاده المعسول في اصلاح موهوم .. ام يجب ان

  2. د عادل على

    غلفساد بدا فى بغداد فى 8 شباط 1963 عندما تحركت 8 دبابات من معسكر ابى غريب باتجاه وزارة الدفاع---الارشاد والتخطيط والتمويل كانوا بايادى اجنبيه وعدد الجنود المشتركون فى العمليه كان لايتجاوز الالفين-- ------ولكن كل شوارع بغداد الرئيسيه كانت ر تحت سيطرة الم

  3. ييلماز جاويد

    سأل أحدهم البعير رگبتك ليش عوجه ؟ فأجاب البعير شلگيت من جسمي عدل .. لاحگني عالرگبه ؟ يا أستاذ عدنان دلّيني على شي عدل بهذا النظام !!

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

 علي حسين منذ ان ظهرت الديمقراطية التوافقية في بلاد الرافدين ،والمواطنونالعراقيون يبحثون عن مسؤول مختلف يمنحونه ثقتهم، وهم مطمئنون ، رغم أنهم يدركون أنّ معظم السياسيين ومعهم المسؤولين يتعاملون مع المناصب على أنها...
علي حسين

قناطر: ليلُ العشَّار الطويل

طالب عبد العزيز يحلَّ الليلُ باكراً في أزقّة العشَّار، أزقته القصيرة والضيقة، التي تلتفُّ عليه من حدود شبه جزيرة الداكير الى ساحة أم البروم، يحدث ذلك منذ سنوات الحرب مع إيران، يوم كانت القذائفُ...
طالب عبد العزيز

محاسبة نتنياهو وغالانت أمام محكمة الجنايات الدولية اختبار لمصداقية المجتمع الدولي

د. أحمد عبد الرزاق شكارة يوم عظيم انتصاراللعدل عبارة تنم عن وصف واضح مركز ساقه الاستاذ المحامي الفلسطيني راجي صوراني عن طبيعة الدور الايجابي المؤثر للمحكمة الجنائية الدولية متمثلا بإصدار مذكرتي القاء القبض تخص...
د. أحمد عبد الرزاق شكارة

الاندماج في العراق؟

أحمد القاسمي عندما نسمع بمصطلح الاندماج يخطر بأذهاننا دمج الأجانب المقيمين في بلد ما. فاستخدام هذا المصطلح بات شائعا منذ بضعة عقود في الغرب ويُستخدَم غالبا عند الحديث عن جهود الدولة أو مؤسسات المجتمع...
أحمد القاسمي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram