علي حسن الفوازمن ينقذ العالم من حروبه القادمة؟ من يملك السلطات الفاعلة لإنقاذ هذا العالم الضحية من أنياب الأزمات الاقتصادية المالية التي تحولت الى غول كوني والى مصدر لتوليد اشكال معقدة من الحروب الاجتماعية والثقافية والصناعية؟ من سيكون الأكثر ضحية! الإمبراطورية الأميركية،
ام الغرب واليابان، أم الاقتصاديات الناشئة عالميا في الصين وكوريا الجنوبية ودول أوروبا الشرقية، أم هي الدول العمثالثية في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية التي ستزداد فقرا وتصحرا وتضخما؟ هذه التساؤلات قد تبدو الأقرب الى اثارة انتاج الرعب، رعب المستقبل، ورعب السيطرة على ازمات صراعية مازالت مفتوحة على احتمالات كارثية، مثل ازمة الارهاب وتعقد مفاهيمه وطبيعة قواه الغامضة وخلاياه النائمة، وأزمات الطاقة والبيئة والاحتباس الحراري، وازمة التسلّح النووي، وازمات البنوك والعقارات، فضلا عن ازمات الصراعات السياسية والأمنية في الشرق الأوسط وفي أفغانستان وباكستان والقرصنات البحرية وغيرها، خاصة مع تفاقم قابل للتواصل للازمة الاقتصادية المالية العالمية وما يمكن ان تتركه من آثار تدميرية على البيئة الاقتصادية العالمية، وانعكاساتها عبر انتاج ازمات اجتماعية معقدة مثل هشاشة التنميات الاقتصادية واتساع معدلات البطالة والتضخم وارتفاع معدلات المديونية العالمية، ناهيك عن ضعف للخطط الستراتيجية في دعم البرامج العامة في الدول الفقيرة. ارتباك السياسات الاقتصادية في العديد من الدول وضعف قدراتها، خاصة تلك المالكة للميزانيات في مواجهة تداعيات هذه الأزمة، هو ما يشكل الحلقة الاخطر في صناعة هذه الازمة العالمية. ليس لان هذه الأزمة هي انذار باحتمال نهاية العصر الرأسمالي، ومهيمناته التقليدية المهيمنة منذ ثلاثة قرون تقريبا، بل بكل ما تمثله من أنظمة للإنتاج والسيطرة والاسواق وطبيعة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية القهرية التي فرضت بعض اشكالها على السياسات الدولية والإقليمية، تلك التي تحول بعضها الى سياسات وشركات عابرة للقارات، عمدت الى مركزة رأس المال في ايدي قوى معينة اصطنعت لها منظومات عسكرية وتجارية وتنظيمية ونقدية بالغة التعقيد والهيمنة. التبشير ببداية عصر جديد قد يكون هو السمة الاجتماعية التي تعبّر عن التغاير في طبيعة القوى الاقتصادية التي إعادة النظر في مفهوم الرأسمالية بشكل عام، وبطبيعة توصيفاتها التقليدية التي رسخها ادم سمث في العقل الاقتصادي، وعبر هيمنة الشركات المتعددة الجنسيات، اذ ان صعود كيانات صاعدة وبالغة القوة، كالصين، كانت لا تحلم إلا بالالتحاق به، ولم تفعل سوى ذلك وهو يعدّ بحد ذاته توصيفا اخر لقدر المنظومات الاقتصادية العالمية، وخصوصية تحولاتها العميقة الاثر من خلال صعود نموذج(الدولة) الحاضنة للمركزية الاقتصادية، ومن هنا تكمن خطورة الانهيار الاقتصادي العالمي، اذ انه سيكون انهيارا للشركات العالمية الكبرى وإعلان إفلاسها كما حدث مؤخرا للعملاق جنرال موتورز الأميركية، سيكون انهيارا للدول وأنظمتها الاجتماعية والسياسية. لم يكن الانهيار النقدي العالمي وبداية الركود الاقتصادي في القرن الحادي والعشرين وإعلان افلاس الشركات العالمية إفلاسها الاّ بداية لانهيار كوني قد يتجاوز في نتائجه ازمات الركود الاقتصادي التي حدثت في بدايات القرن العشرين، اذ ستتعدى اثاره المجتمع الاقتصادي الأميركي والغربي الى المجتمعات الاقتصادية الاخرى، خاصة تلك البيئات الاستثمارية والمصرفية في دول العالم البعيدة عن المركزيات الاقتصادية خاصة في دول شرق آسيا ودول الخليج العربي، على اعتبار ان هذه الدول هي بيئات استثمارية كبيرة، وبيئات عمالة واسعة، وان انهيار النظام الاستثماري والمصرفي يعني تهديد هذه البيئات الاقتصادية بالمزيد من الأزمات، واتساع البطالات وفقدان فرص العمل التي ستكون ضاغطة بشكل خطير على الدول الفقيرة الأخرى خاصة دول شرق اسيا وبعض الدول العربية الأخرى كسوريا ومصر والأردن ولبنان والمغرب العربي. انهيار البيئة المصرفية وتدهور نظامها التراكمي امتد ليكون مشكلة حقيقية لها انعكاساتها الاشكالية على جوهر العمل المصرفي ونظامه الاقراضي، اذ ان( تعثّرُ المصارف العالمية شكلّ معضلةً بالغة التعقيد لدى الحكومات التي تتبصرُ آليات دعمٍ تنهض بالجهاز المصرفي من جهة، وتحفظ مال دافعي الضرائب من جهةٍ ثانية. فالأخطار التي تتهدّدُ مصارف كبرى، كانت تُظنُّ فولاذيةَ التحصين ومنيعةً على الاختراق، جعلتها شبه مضطربة ومنزوية عن حقول نشاطها، تسعى إداراتها إلى ترميم قواعدها المالية)1 ان السؤال الذي بات ملحا الان، يكمن في البحث عن الكيفيات التي يمكن ان تنقذ الاقتصاديات العالمية من هذه الكارثة، اذ ان بقاءها ينذر ببروز أزمات (مسكوت عنها) ترتبط بصعود قوى خارج نظام الدولة التقليدية، وربما هي الاكثر تطرفا، وغلوا، قوى ذات اتجاهات أصولية معقدة تنحني في جوهر خطابها الثقافي على اشكالات الهويات المحلية خاصة في بيئتنا العربية والإسلامية، تلك التي أعادت انتاج الكثير من الأزمات (أزمات الدولة وتوصيفاتها والنظر الى الحاكمية، والأسباب الشرعية، والجهاد، والمستبدة) وربما تحرض من جهة أخرى على عودة الاتجاهات الراديكالية ذات المزاج
من ينقذ العالم من أزماته الكارثية؟
نشر في: 17 يناير, 2010: 06:42 م