ما الذي يجعل البورتريهات الشخصية للفنانين بهذه الشعبية والشهرة، وكيف حصلت هذه الأعمال على الكثير من الاستجابات والاقبال الدائم من قبل الناس؟ فهل يرسم الفنان صورته الذاتية، ليقدم لنا تقييماً لحالته النفسية، أم ان هناك أسباباَ أخرى تجعله يقدم هذا النوع من الفن؟ رسم الصور الشخصية من قبل الفنانين تختلف دوافعها بالتأكيد، فأحياناً يحتاج الفنان الى أن يوثق لحظة ما من حياته، أو يريد أن يجرب مواد وتقنيات جديدة، أو يلجأ لذلك لعدم وجود موضوع أو موديل جديد لديه، فيقوم برسم نفسه، أو يعتبر أن عملاً من هذا النوع هو بمثابة دفتر يومياته الذي يضع فيه شيئا من روحه، وأحياناً أخرى يمارس ذلك للدراسة ومعرفة تشريح الوجه ومساقط الضوء، وربما يقوم بذلك لإظهار كل فلسفته الفنية من خلال بورتريت ذاتي يعكس مايفكر به وما يعتريه من دفقات وحلول جمالية ومعالجات لسطح العمل الفني، أو ليمارس حريته الكاملة وهو يقدم نفسه بطريقة جريئة لا يمكن أن يمارسها حين يرسم الآخرين. اذن الدوافع عديدة والتقنيات مختلفة وطرق الفنانين أنفسهم لا يمكن أن تتشابه وهم يقدمون لنا عصارة ابداعهم وتقنياتهم عبر بورتريهات شخصية غاية في التأثير والجمال والروعة.
هكذا يقدم لنا الآن متحف آرنهم في هولندا معرضاً بعنوان (عين المرآة) والذي يستمر لنهاية هذا الشهر، وهو مخصص للفنانين الذي رسموا أنفسهم أو قدموها بطرق مختلفة، حيث نشاهد هنا أكثر من مئة عمل لبورتريهات شخصية، وقد اختلفت وسائط التعبير من فنان لآخر، لتمتلئ قاعات المتحف بأعمال على شكل لوحات وتخطيطات وفوتوغراف وأنستليشن وفن مفاهيمي وفيديو أيضاً. أتجول في المعرض لأشاهد الأعمال وأطّلع على تقنياتها وأتمتع بهذه اللحظات الخاصة التي تحيطني فيها تعبيرات ووجوه فنانين أعرفهم من خلال أعمالهم وما أضافوه من جمال على المناخ الفني بشكل عام. يظهر أمامي بورتريت الفنان ريسك هازكامب وهو يقدم شخصيته هنا على شكل عمل فوتغراف مطبوع على الألمنيوم في مشهد معتم مع حزمة ضوء واضحة على الوجه الذي تزوغ عينيه بنظرة حائرة خارج اللوحة. والى جانبه يعرض عمل الفنان ليفي فان فلو الذي يظهر بوجهه المنحني الى الأسفل وهو مغطى بالشعر الذي تصل خصلاته حتى الصدر وكأن العمل كله مصنوع من الشعر، حيث لا ملامح شخصية ولا هوية واضحة ولا يمكنك أن ترى شخصية الفنان أو ان كان الشكل يعود لرجل أم لامرأة. وفي جانب آخر يظهر عمل الفنان فيرتين الذي استوحاه من عمل الفنان ديفيد الذي رسم فيه نابليون وهو يمتطي حصانه ويشير بيده الى الأمام، وهنا رسم الفنان وجهه بدلاً من وجه نابليون في اشارة لنرجسيته الواضحة، لكنه رسم العمل بشكل عام بطريقة مختلفة عن رسم ديفيد وبأسلوب يقترب من البوب آرت وألوان صريحة تُذكّر بألوان الاعلانات وبخلفية فيها وحدات تتكرر على شكل بالونات وخطوط. وفي قاعة أخرى يظهر عمل الفنان فاوتر فان ريسين وهو يضع قناعاً على وجهه الذي لا تظهر منه سوى العينين مع قبعة رمادية وقميص أحمر فاقع وقد نفذه بتقنيات مختلفة. أما الفنانة نتاشا كنسميل فقد قدمت عملاً فيه تعبيرية عالية حيث لونت وجهها بلون أسود قاتم وكأنه قناع تظهر تحته ابتسامة غريبة، مع ملابس تعود لقرون مضت وهي تتكئ على صليب ضخم يشغل خلفية اللوحة. في زاوية أخرى من المعرض نرى عمل الفنانة كينكه كوي حيث تقدم نفسها عارية وتضع يديها خلف رأسها وتنظر في وجه المشاهد مباشرة، في التقاطة غلب عليها اللون الزهري حيث يشع جسدها مثل شمس باتجاه أطراف اللوحة. أتجول هنا وهناك ليطالعني في النهاية عمل الفنانة ماري بوزيم التي وضعت كرسياً فاتح اللون وسط القاعة وغطت خلفيته بقماش أبيض شفاف مع مرآة دائرية على الجانب، وفي المقدمة وضعت فردتي حذائها بطريقة توحي بالحركة أو إشارة على خروج شخص من الكادر. استمتعت كثيراً بالمعروضات، وكان مهماً جداً أن أرى كيف يقدم كل فنان نفسه وكيف يمسك بخيط الإبداع ويقدمه بطريقة مختلفة وفريدة.
عين المرآة
[post-views]
نشر في: 5 فبراير, 2016: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...