اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > خطر آخر يهدد العراقيين..المنتحرون ضحايا تقاعس حكومي وفقدان هيبة القانون والحرمان

خطر آخر يهدد العراقيين..المنتحرون ضحايا تقاعس حكومي وفقدان هيبة القانون والحرمان

نشر في: 7 فبراير, 2016: 12:01 ص

لن تكون قصة الامرأة التي القت بنفسها من جسر الجادرية الشهر الماضي الاخيرة .. وهي لم تكن بالتأكيد الاولى ، حيث إرتفعت حالات الانتحار بالعراق ما بعد 2003 بحسب تقارير مفوضية حقوق الانسان ومنظمات المجتمع المدني ، لتشكل حالات الانتحار إدانة اخرى الى مؤسسا

لن تكون قصة الامرأة التي القت بنفسها من جسر الجادرية الشهر الماضي الاخيرة .. وهي لم تكن بالتأكيد الاولى ، حيث إرتفعت حالات الانتحار بالعراق ما بعد 2003 بحسب تقارير مفوضية حقوق الانسان ومنظمات المجتمع المدني ، لتشكل حالات الانتحار إدانة اخرى الى مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والطبقة السياسية التي أحالت الحياة الى جحيم بسبب فقدان الأمن والعدالة والمساواة وعدم تكافؤ الفرص وهيمنة الافكار الظلامية في عصرالانفتاح والمعلوماتية والتطورات الكبيرة التي يشهدها العالم .. نقول مرة اخرى ونكرر قصة اسماء حسين التي انهت حياتها غرقاً بالقاء نفسها من جسر الجادرية تاركة وراءها فتاة لا يتجاوز عمرها الخمسة عشر عاماً ، لن تكون الاخيرة في ضوء كل هذا التراجع في القيم والاهمال الحكومي المتعمد لحاجات المواطنين خاصة الشباب منهم وتقاعس عن اداء واجباتها واصرارها على حماية الفساد والمفسدين ..
حاولنا ان نجمع أكبر قدر من المعلومات عن المنتحرة من حيث الأسماء والظروف التي دفعتها لاتخاذ هذا القرار من خلال اللقاء بأهلها لكننا فشلنا فاستعنا بأهل المنطقة حيث قال يحيى داود كانت هذه المرأة تعيش اوضاعاً صعبة جداً تفاقمت بعد ترك زوجها لها مع فتاة عليها ان تتدبر أمر معيشتها كما ان ظروف اهلها لاتقل صعوبة عنها وكانت تعيش على مساعدات الناس وصدقاتهم  وهي في كل الاحوال ذل مع احترامنا لأهل الخير .. ويبدو لي انها لم تجد غير الانتحار وسيلة لتخليص نفسها مما هي فيه و وضع حد لحياتها بالطريقة المأساوية التي حدثت .. وأضاف لقد غادرت هي الدنيا لكنها تركت ابنتها لمصير مجهول !!

موقف جبان
 ولأن توجيه الاسئلة  بشأن الانتحار فيه محاذير وحساسية ويبدو انه بحاجة الى موافقات فقد إرتـأينا الاستعانة بأحد طلبة كلية التربية علم النفس في جامعة  بغداد والتي وجهت اسئلتنا الى عدد من الاساتذة بشأن حالات الانتحار فأكدوا جميعاً بان الانتحار هو موقف جبان لانه تهرب من مواجهة الموقف. كما أشاروا الى ان الدراسات العلمية ومنها كتاب التحليل النفسي قد تناول موضوع الانتحار بإسهاب الذي يصف قتل النفس بأنه من أغرب حالات السلوك البشري وأصعبه على الفهم والتفسير وسببه الرئيس الاكتئاب وكان قبل ان تلقى عليه الدراسات النفسية والاجتماعية يعد ضرباً من الجنون .. ومن الملاحظ ان نسبة المنتحرين تصاعدت في القرن الماضي ما جعل الاهتمام بهذا الأمر يتصاعد في العالم ومن ضمنها مجتمعاتنا العربية  لذلك فأن دوافعه وغاياته تختلف من مجتمع الى آخر ولكن يمكن إجمالها بكره طاغ للحياة مع تطلع لاشعوري الى حالة أفضل بعد الموت ، أسبابه الاكتئاب والفصام والامراض الجسمية المزمنة والخبيثة والمؤقتة او بسبب العار او الافلاس او الاهانة او محاولة لمعاقبة الاحياء وجعلهم يشعرون بتقصيرهم .. كل هذه الاسباب تتشابك في ما بينها لتصل بالانسان الى الانتحار، الذي هو نتاج عوامل حياتية وأسرية وربما مدرسية او عوامل وظيفية معقدة وصعبة ..

لقمة العيش الكريمة
وتعد رئيسة منظمة أور لثقافة المرأة والطفل منى الهلالي بحديثها لـ(المدى)،إن أبرز أسباب الانتحار هي تردي الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية وما تسببه من حرمان وكبت. مضيفة: ارتباط ذلك بالاعراف والعادات والتقاليد العشائرية وخاصة ما يتعلق بالفتاة التي تعاني من ضغوطات وتهديدات كثيرة. مردفة: ان البطالة  وانعدام فرص العمل والعجز عن الحصول على لقمة عيش كريمة يقف في مقدمة أسباب الاكتئاب واليأس للرجال خاصة الشباب منهم.
وبشأن انتحار النساء بينت الهلالي: بالنسبة للمرأة فان فرص العمل أمامها تكاد تكون معدومة ما يسبب لها العيش في فراغ كبير ينعكس سلباً على وضعها النفسي وشعورها بانها غير نافعة وعالة على اهلها ناهيك عن انخفاض فرص الزواج .. الهلالي خلال اجابتها دعتنا لحضور المؤتمر الخامس لشبكة مكافحة الاتجار بالمرأة في العراق الذي عقد في بغداد تحت شعار (تأمين الملاذ الآمن للنساء في المدن المحررة من داعش ) مشيرة: الى ان الملاذ الآمن مفهوم واسع ويشمل الرجال والنساء حيث ان الأمن لايعني فقط السكن بل توفير فرص متكافئة للعيش الكريم لجميع العراقيين وهو ما نص عليه الدستور صراحة لكن ما حصل غير ذلك مع الأسف ..
 
القوى الظلامية والطائفية
في مؤتمر( تأمين الملاذ الآمن للنساء) كان لقاؤنا الاول بالناشطة هناء ادورد التي لخصت اسباب الانتحار بحديثها لـ(المدى)الى هيمنة القوى الظلامية  التي لعبت دوراً كبيراً في حرمان الشباب ومن كلا الجنسين من حقهم بممارسة أبسط حقوقهم. وعن ارتفاع نسبة الانتحار في الناصرية تقول ادورد: من المعروف ان الناصرية من مدن العراق الغنية بالامكانات الثقافية والعلمية والفنية ، لكنها مع ذلك وكغيرها من المحافظات بقيت محرومة من وسائل الترفيه وفرص العمل والخدمات كما انها من المدن التي تعاني من تفشي التيارات الطائفية ومن الاعراف والتقاليد الاجتماعية القاسية التي لا تنسجم وما حدث من انفتاح وتطور في وسائل التواصل الاجتماعي.

ظلم الشرعية وزوجة الاخ
اما الدكتور ليث اسماعيل الشمري من منظمة معهد العراق للدراسات والبحوث والتخطيط فقال لـ(المدى): نوعز أسباب الانتحار الى تسلط الأب أو ولي الأمر على العائلة ما يولد عند الشاب ضغطاً ثم الانفجار ان صح التعبير. مضيفا: وبما ان امكانية الانفجار معدومة فإما الهروب خارج الأسرة والبيت ليرمي بنفسه في قارعة الطريق وهذا الامر صعب جداً خاصة للفتاة ما يولّد الكبت والاكتئاب وربما الانتحار.
واسترسل الشمري:  أما الثاني فسببه البيئة المحيطة ولكلا الجنسين حيث يعانون من نفس المشاكل سواء ما يتعلق بفرص العمل او غير ذلك فيكون المستقبل امامهم مظلماً وليس ضبابياً. متابعا: كما ان الاعلام العراقي يصور الحالة وكأنها حروب وكوارث من دون إعطاء فسحة امل بالمستقبل.
 وأضاف عضو منظمة معهد العراق للدراسات والبحوث والتخطيط: ان العراق يشهد حالات تراجع وإزداد الأمر تعقيداً بعد انخفاض اسعار النفط والازمة المالية. موضحا : ان الشاب في السنوات السابقة كان يعاني الكثير للحصول على عمل يتناسب ومؤهله العلمي فيضطر الى طي شهادته الجامعية ليعمل كعسكري او شرطي او حارس ليلي. منوهاً: ان حالات غير قليلة تجبر الشاب على الزواج من زوجة أخيه المتوفي او الشهيد ويكون معيلا للاطفال مبكراً وهو عامل ضغط قد يدفعه للانتحار. واختتم الدكتور ليث حديثه بالتأكيد على انعدام وسائل الترفيه كما ان بعض رجال الدين غير المتفقهين يشرعون اموراً تظلم شريحة الشباب من الجنسين.

الاغتصاب والاتجار بالبشر
واستعرضت رئيسة منطمة المرأة في العراق ينار محمد لـ(المدى) نشاطاتهم في مجال مكافحة الاتجار بالبشر الذي سبب الكثير من المآسي خاصة للنساء وقالت ان الوضع الآن هو بصمات لاستعباد المرأة وتهميش الاقليات .. شارحة أوضاع النازحين وما يعيشونه من أوضاع مزرية أدت الى الانتحار الكثير منهم. وطالبت رئيس منظمة المراة في العراق مجلس النواب والحكومة الى منح منظمات المجتمع المدني المجال للعمل وتوفير ملاذات آمنة للنساء خاصة في المناطق التي تم تحريرها من عصابة داعش الارهابية حيث إن عددا منهن تعرضن لشتى حالات الانتهاك من قبل عناصر هذه العصابة المجرمة بما فيها الاغتصاب ما يجعلهن يعشن أوضاعاً قاهرة فهن غير قادرات على العودة الى أهلهن ولايعرفن اين يتوجهن.. كما دعت مجلس النواب والحكومة الى تبني المقترحات المدرجة في مشروع قانون حماية المرأة من عنف الاتجار والاستغلال في العراق.

غياب قاعدة البيانات
حاولنا ان نحصل من وزارة حقوق الانسان على قاعدة بيانات من خلال المتحدث بإسمها كامل أمين هاشم  وعضو اللجنة المركزية لمكافحة الاتجار بالبشر الذي أبدى تعاوناً كبيراً غير انه اعتذر مشيراً الى توفر دراسات مستندة الى احصاءات غير دقيقة بسبب الاوضاع الاجتماعية والدينية في العراق التي تخص المعلومات عن حالات الانتحار وقال هاشم: في كربلاء تم تشخيص (123) حالة انتحار خلال أحد عشر شهراً وحاولنا دراسة هذه الظاهرة الا اننا جوبهنا بضغوطات متعددة وصلت حد القول بأن نشر مثل هذه المعلومات يسيء الى قدسية المحافظة ما إضطرنا الى التوقف. مبيناً: ان هذا الأمر ينطبق على كل مدن العراق حيث العادات والاعراف تحول دون الوصول الى احصاءات دقيقة عن حالات الانتحار ونسبة زيادتها.

انتحار جماعي ومعالجات
رئيس الجمعية النفسية العراقية، قاسم حسين صالح شخّص إن ابرز دوافع الانتحار مرتبطة بالشعور باليأس، فعندما يجد الشاب او الشابة أن الواقع لا يقدم له حلا لمشكلته ويصل إلى مرحلة اليأس والعجز، يلجأ لانهاء حياته. مشيرا: الى حادثة انتحار ست نساء في النجف قبل خمسة أعوام جاءت بسبب وضع اطفالهن الصعب، ولأنهن لم يستطعن اعالتهم فإخترن الانتحار بشكل جماعي.
وأضاف صالح أن العد التنازلي للأمل يصل إلى درجة الصفر عند بعض الشباب، ويكون من السهل قتل النفس بسبب الحروب والقتل اليومي في العراق، لافتا إلى أن الشرطة ورجال الدين لن يستطيعوا أبداً معالجة جذور المشكلة خصوصا في ظل البطالة والفقر. مشيراً: إلى أن بعض العادات والتقاليد في المجتمع "متخلفة"، وهي سبب يضاف إلى العوامل التي تدفع البعض للشعور باليأس من الحياة، موضحا أنه في الوقت الذي تشرع فيه دول متقدمة قوانين للضمان الاجتماعي، يفتقر العراق إلى ذلك بينما يعيش نحو خمسة ملايين تحت خط الفقر، ونرى أن الحكومة والرئاسات الثلاث ومن في المنطقة الخضراء يتقاضون أعلى الرواتب.
وبشأن الحلول الكفيلة للحد من ظاهرة الانتحار بيّن رئيس الجمعية النفسية العراقية ان هناك جملة من الحلول التي يرى أنها قد تسهم في معالجة الظاهرة، منها معالجة قضية الفقر والبطالة، ونشر الثقافة النفسية، عبر جولات يقوم بها أطباء نفسيون في المناطق التي تتزايد فيها حالات الانتحار، وإعادة قيمة الحياة التي تدهورت في العراق منذ نحو ثلاثة عقود.

حكايا وقصص مروعة
تعدد القصص والرويات والحكايات حول الانتحار ومحاولات الانتحار الفاشلة منها ما أشارت اليه المدرّسة  وفاء حسين  ومحاولة انتحار طالبة في السادسة عشرة من عمرها بسبب إجبارها على ترك المدرسة من قبل أهلها. مبينة: انها تناولت كمية كبيرة من الحبوب الطبية، حيث تم معالجة الامر بعد انتباه شقيقتها الصغرى لذلك.
في مستشفى اليرموك بينت احدى العاملات ان هناك حالات عديدة تصل المستشفى بعضها حالات انتحار فاشلة لكن يتم معالجة الأمر على انه اهمال وتقصير. مبينة ان طالبة جامعية اقدمت على الانتحار بتناول كميات كبيرة من حبوب الباراستيمول لكنها توفت بعد وصولها  إلى المستشفى بدقائق. موضحة: إن ذويها رفضوا تشريح الجثة ومعرفة السبب لكن تشخيص الطبيب كشف ذلك.
واسترسلت العاملة الطبية بحديثها: وصلتنا حالة انتحار لفتاة بعمر (17) سنة أحبت شابا تقدم لخطبتها لكن اهلها رفضوا الزواج  واجبروها على الزواج من شخص اخر يكبرها بعشرين عاما بسبب حالته المادية الجيدة. مبينة انها قامت بحرق نفسها من خلال سكب كمية من النفط .  وبشأن حالات الانتحار في اوساط الشباب  بيّن المعاون الطبي فريد كريم هناك العديد من الحالات لكن اكثرها ألماً ما حصل للشاب وسام البالغ من العمر (25) عاماً والمتخرج من الكلية، لكن بسبب الاحباط والظرف الذي يمر به البلد تزوجت حبيبته بعد ان فضلت شخصا اخر عليه وقرر إنهاء حياته حيث انتحر حرقا وهي الطريقة الاصعب حسب المختصين.
وأشار المعاون الطبي الى حالة انتحار اخرى لشخص من مدينة الصدر ترك خلفه ثلاثة اطفال وزوجة بعد ان عجز عن توفير لقمة العيش لهم وتزايد المشاكل مع زوجته بهذا الشأن الأمر الذي أوصله الى الانتحار شنقا.  

في الختام
موضوع الانتحار شائك ومعقد والمعلومات بشأنه غير دقيقة لكنها في مجملها تشير الى ارتفاعها عما كانت عليه بالسابق وهو ما يتطلب معالجات جذرية تبدأ بوضع بيانات علمية دقيقة لحالات الانتحار بين الذكور والاناث واسبابها ووضع الحلول لها وتفادي تكرارها كما نحتاج الى حملة توعية من المؤسسات الاجتماعية والثقافية والدينية  للتثقيف برفض فكرة قتل النفس وتأسيس مراكز للتأهيل النفسي وأماكن ترفيه .. وفي كل الاحوال فان كل ذلك مرتبط بخلق نموذح نظام يحترم الانسان وحقه في الحياة ..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram