يتدنى منسوب المياه في البصرة، خلال الأيام هذه، من كل عام ، وتكاد تصبحُ الانهر الكبيرة ترعاً صغيرة، بمجرى ضعيف، فالريح الشمالية تدفع بالماء القادم من دجلة والفرات الى البحر، هناك حيث لا يقوى المد على دفعه باتجاه شط العرب والانهار المتفرعة منه . أما وقد تعثرت محاولات انتشال الغوارق من الشط وتوقفت معها عمليات الكري والحفر، فأن الأمر يزيد احوال الماء في المدينة العطشى سوءاً، ويكاد يجهز على قطعة الأمل المعقودة في رقبة رئاسة مجلس ووزارة الموارد المائية، والتي تحدّث القائمون عليها مراراً بشأن السد الموعود.
وهنا يمكننا القول بانه وعلى الرغم من الاستثناءات الخدمية والاقتصادية التي حظيت بها مدينة البصرة إلا أن قضية الماء الصالح للشرب وإيقاف تدفق ألسنة المياه المالحة في شط العرب وأنهار المدينة، ستظل القضية الأولى التي تشغل الحكومة المحلية والمواطنين على حد سواء. ذلك لأنَّ الحياة بكل تفاصيلها متوقفة على لحظة انسياب الماء العذب داخل بيوت البصريين، بعد أن بلغ بهم اليأس الى التوقف عن مطالبهم بشأن دخول الماء العذب الى أنهارهم وما ظل من بساتينهم.
حين نتصفح وثائق التاريخ نجد أن معاناة السكان هنا قديمة جديدة، ولا نقول جديدا حين نذكّر بخطبة للإمام علي بن ابي طالب(ع) التي يصف فيها ماء البصرة بـ "الزعاق"، أي المالح. لكننا وحتى قبل الحرب العراقية الايرانية بأيام، كنا نشرب من أنهارنا، ولم يكن ماء المدينة كما هو عليه اليوم، ولم تكن حدائق بيوتنا فقيرة كما هي عليه اليوم، كذلك كانت البساتين والحقول والمزارع، عامرة، مثمرة. ترى ما الذي حدث، ولماذا تراجعت الحياة إلى هذا الحد؟ سؤال تتحمل إجابته حكومة البصرة المحلية، التي ساهمت بشكل سافر وسيئ في تخريب شبكة الأنهار وصعود ألسنة الماء المالح في شط العراق من خلال توقفها تماما معالجة قضية حساسة، تتعلق بحياة الناس هنا.
من يريد النهوض بواقع الاقتصاد العراقي عليه أن يبدأ بتحسين واقع الزراعة فيه، ومن يريد البدء بذلك عليه أن يبدأ من البصرة، المدينة التي لم تعرف كمدينة نفطية قبل أكثر من 80 سنة، إنما كانت سلة غذاء كاملة، ومن يتصفح وثائق الازمنة تلك، يجد العجب في اكتفائها وتصدير الفائض عن حاجتها من الحنطة والشعير والفاكهة والخضار واللحوم وغير ذلك. ترى أتكون الجهود الحكومية (الفدرالية والمحلية) عاجزة بحق عن العودة بالمدينة الى سابق عهدها؟ ام أن أهلها غير جديرين بأصحاب الضمائر الحية، التي نجدها تسعى وتسعى جاهدة من أجل تحقيق ذلك؟
ما أنفق من أموال البصرة على العشرات من المشاريع غير المهمة مثل المدينة الرياضية وشبكة الجسور المعلقة وغيرها من الأموال التي ذهبت في جيوب الفاسدين واللصوص كان كارثياً، ويكفي القليل منه لحفر أكثر من قناة مبطنة ومغلقة تمتد من بغداد الى البصرة مباشرة، ويكفي لكري شط العرب وتخليصه من الغوارق ويكفي لإنشاء العشرات من محطات التحلية وإقامة السدود، وغيرها من مشاريع الري والبزل. سيكون ذلك سهلا ويسيرا لو أخلص المسؤولون النية وعقدوا العزم في انتشال سكان البصرة من اعقد مشكلة واجهتهم خلال السنوات الثلاثين الماضية.
نذكر بأن البصرة باتت مبزل العراق بأكمله، وما يصلها من الماء هو عبارة عن سموم ونفايات شبه صلبة، شبكات الصرف المتوقفة في المحافظات شمالها تلقى بدجلة والفرات والبصرة أيضاً. ومحطات التحلية والتصفية تسحب من شط العرب وتضخ للبيوت. هذا نداء نوجهه الى رئاسة الوزراء ووزارة الموارد المائية للاستعجال بتنفيذ مشاريع إروائية ومائية ضخمة من أجل إنقاذ حياة قرابة الثلاثة ملايين نسمة.
أين مشاريع الماء في البصرة يا رئاسة الوزراء؟
[post-views]
نشر في: 6 فبراير, 2016: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...