اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مسرح > الطيب الصديقي.. رائداً في تنوع الفرجات المسرحية

الطيب الصديقي.. رائداً في تنوع الفرجات المسرحية

نشر في: 9 فبراير, 2016: 12:01 ص

لم يكن المسرح العربي بمعزل عن طروحات المسرح الشعبي، نظرا لأن أغلب الشعوب العربية وقعت تحت السيطرة الاستعمارية وعانت مرارة الاضطهاد والتهميش في بلدانها من جهة، وذيوع المد اليساري في ستينات القرن الماضي من جهة ثانية. وهكذا بزغ إشعاع المسرح وتنامت الدعو

لم يكن المسرح العربي بمعزل عن طروحات المسرح الشعبي، نظرا لأن أغلب الشعوب العربية وقعت تحت السيطرة الاستعمارية وعانت مرارة الاضطهاد والتهميش في بلدانها من جهة، وذيوع المد اليساري في ستينات القرن الماضي من جهة ثانية. وهكذا بزغ إشعاع المسرح وتنامت الدعوات الى توجيه المسرح الى الجماهير للاستفادة من المظاهر الدرامية في المجتمعات العربية، فكان يوسف ادريس في مسرح السامر الريفي والحكواتي والراوي، وسعدالله ونوس في المسرح التسييسي.

لكن يبقى المسرحي المغربي الطيب الصديقي عرّاب المسرح الشعبي في الوطن العربي برمته، وذلك لاعتبارات عديدة أهمها:
1- عمله مع مبلور فكرة المسرح الشعبي، المخرج الفرنسي جان فيلار.
2- اهتمامه بنقل العرض المسرحي الى أماكن جديدة على المتفرج.
3- عمله مع نقابات الشغل وتشكيل فرقة مسرحية هدفها تقديم عروض مسرحية لفئة العمال.
4- توظيفه للمظاهر الاجتماعية المغربية والعربية مثل: الحلقة، والبساط، والحكواتي، والمقامات.
5- عمله على إعادة روح الاحتفالات الشعبية للمسرح.
6- توظيفه لأعداد بشرية هائلة وغير بشرية في عروضه المسرحية.
لقد استوعب الصديقي تصورات المخرج الفرنسي جان فيلار، والتيارات الحديثة التي كانت باريس الرحم الأولى لها، واستفاد من النصيحة التي وجهها له أستاذه فيلار بعد أن أنهى تكوينه في فرنسا  والتي مفادها: "أن ينسى ما شاهده في فرنسا وأن يتذكر التقنية فقط وأن يتعلم الفن الصحيح من شعبه"( محمود، د فاطمة موسى، قاموس المسرح ، ص 944). إنها الكلمات التي عرف الصديقي كيف يستثمرها بمشروعه المسرحي، وكانت تجربة المسرح العمالي هي بداية هذا الاشتغال المسرحي المهم. وتتجسد أولى خطواته في:
1- تشكيل ربيرتوار مسرحي متكامل معظمه مقتبس عن المسرح العالمي، الذي يعد أهم خطوة رسخت بقوة تجربة الصديقي المسرحية.  ولم يكن اقتباسه اعتباطيا  بل  اختيارا واعيا فرضته مرحلة ما بعد الاستقلال، وتداعيات الاستعمار، وفق ما يتناسب وتوجه نقابات الشغل المغربية التي دعته لتأسيس هذا المشروع.
2- إجراء برنامج المناقشات الحوارية بعد كل أمسية مسرحية، وفق منهج وضع مسبقا لتطوير ذهنية المتفرج، وجعله عنصراً مشاركا في العملية المسرحية. وهو ما من شأنه أن يرسخ الهدف الاسمى لمشروع المسرح الشعبي، والذي يتمثل في نقل المسرح الى الجماهير، بدلا من بقائه مسرحا للنخبة البرجوازية.
3- الاشتغال في الربيرتوار على نصوص عالمية واقتباسها، وتوظيفها وفق متطلبات المرحلة التي يعيشها المجتمع المغربي، حيث ضم مسرحيات "الوارث" التي اقتبسها عن "الوارث العالي" لرينيار، و"المفتش" لريفزور، و"برلمان النساء" لارستوفان، و"يوم وليلة" لتوفيق الحكيم. وقد عرف عن الحكيم تأثره الكبير بالتجربة الفرنسية المتأثرة بالتيارات الحديثة، ومنها تيار العبث في مسرحية "يا طالع الشجرة".
لقد كانت مرحلة المسرح العمالي من أهم المراحل في تجربة الصديقي، لكونها تركت أثرا كبيرا في الساحة المسرحية المغربية. وانطلاقا من هذه المرحلة الهامة  يمكن الوقوف عند ماهية  الاخراج عند الطيب الصديقي ومفهومه للمخرج، لأن الاقتباس فيها لم يكن هدفا لذاته أو لنقل تجربة عالمية وإلباسها ثوبا عربيا أو مغربيا، بل كان الاقتباس واعيا وذا قصدية اشتغالية، وبوعي مثقف يدرك أسرار اللعبة المسرحية. كما لم يكن الاخراج مجرد ترتيب للشخوص والديكور على الخشبة، بل كانت هناك رؤية مدركة لكيفية تطويع العناصر المسرحية لخدمة الرؤى الجمالية داخل جسد العرض، وقد "عُرضت هذه الانتاجات كلها في إخراج رائع يحترم النص الاصلي ويستغل كل امكانيات المسرحية" (حسن المنيعي، أبحاث في المسرح المغربي،  ص 123).

المسرح العمالي
عرفت تجربة الصديقي مسارات فنية هامة، فبعد تجربته مع المسرح العمالي وإشراك الجمهور في مناقشة العرض، انتقل بمشروعه المسرحي الى منعطف آخر استثمر فيه التراث والتاريخ العربي. والجدير بالذكر أن الفرنسي فوازان  الذي أشرف على تكوين الشباب المغربي مسرحيا قبل الاستقلال، عمل بدوره على الاستفادة من التراث المغربي، وهو ما أكده عبد الواحد عوزري قائلا: "سيحتفظ تاريخ المسرح المغربي باسم فوازان، لأنه كان ممارسا عمليا ، ينتقل مباشرة الى خلق العروض المسرحية. أما تكوين الممثلين فكان يتم عن طريق الممارسة. كما أنه حاول ربط عمله المسرحي بالتراث المغربي من خلال اقتباس موضوعات الثقافة الشعبية للمسرح" (المسرح في المغرب ،ص32.)، محاولة منه لتقريب الشكل المسرحي للمغاربة، وكان الطيب الصديقي أحد الشباب المتدربين داخل تلك الاوراش.
وتحيل هذه الاشارات الى بداية التأثير الفرنسي في تجربة المسرح المغربي بشكل عام، وتجربة الصديقي بشكل خاص، رغم الاعتماد  ـ على مستوى الاشتغال ـ  على استلهام التراث والتاريخ العربي وتوظيفه مسرحيا، إذ لا يكفي لضمان خصوصية مسرحية عربية أو مغاربية اعتماد اللغة العربية أو اللهجة المحلية، أو اللباس العربي. ولا يعد ذلك نقطة ضعف حقيقية لكون الصديقي عرف كيفية الاستفادة من ذلك الأثر وترويضه، ومن ثم الانفلات منه. لقد سعى الصديقي لتكون أدواته المسرحية ذات عمق تاريخي عربي / مغربي، من خلال بحثه المستمر عن أدوات جديدة من أجل توظيفها في عرضه الجمالي، لعله يفك الارتباط الفرنسي بتجربته. ولذلك ذهب بعيدا في ذلك البحث والتنقيب حتى على مستوى المكان، وهو ما نلاحظه في مسرحية (الملوك الثلاث)، عندما قدمها في ملعب لكرة القدم، وواقعة (وادي المخازن) اثناء حكم السعديين، إذ اشتغل على  تطويع المكان،  واعتمد اعدادا بشرية وغير بشرية، وأدوات عرض تتسم بالضخامة لعله يستطيع أن يقترب من جو الواقعة.
وفي مسرحية (المغرب واحد) سعى الى تأكيد تلك الخصوصية في اكتشاف فضاءات جديدة للعرض المسرحي، وهنا قدم عرضه في ميدان لمصارعة الثيران في الدار البيضاء، ولقد كان "هذا الابتكار يعد فرجة ضخمة مكنت الصديقي من تحديد مفهومه للمسرح التاريخي،......)(حسن المنيعي ،ص 136). كما تندرج من أعماله ضمن المسرح التاريخي ومنها: "مقامات بديع الزمان الهمذاني، وسيدي عبدالرحمن المجذوب، وسلطان الطلبة، وغيرها من الاعمال التي نهلت موضوعها من التاريخ والتراث العربي والمغربي. فقد عرف كيف يحول التاريخ من مادة جامدة الى عرض بصري حي ومليء بالجمال والادهاش، علاوة على توظيفه للمظاهر الفرجوية الشعبية في تلك العروض مثل: الحلقة، والبساط، وسيدي الكتفي، وسلطان الطلبة، مستفيدا من التقنيات الغربية، وقد كان "في هذه التجربة لتوظيف الموروث المغربي في المسرح، يطور قالب الرواية القديم، الذي يمزج بين رواية الاحداث وتمثيلها تطويرا فنيا مقنعا، باستخدام التقنيات الغربية مع عناصر التراث وتوظيف حيل مسرحية بسيطة بمهارة كالأقنعة والمهمات المسرحية واستخدام جسم الممثل استخداما اخاذا" ( فاطمة موسى محمود ،ص 945).
ومن هنا، فقد كان الأثر الفرنسي واضح المعالم في تجربة الصديقي، انطلاقا من  تأثره بفوازان، عبر استخدام التراث والموروث المغربي وتطويعه لخدمة العرض المسرحي، بالإضافة ولعه بطروحات المسرح الشعبي ومبلوره جان فيلار، وهي التصورات التي كانت تبحث عن أماكن أخرى أكثر التصاقا بالجماهير، بعيدا عن الاختناق داحل العلبة الايطالية، لبلورة مسرح للجماهير، وهو ما نادى به الصديقي في مشروعه المسرحي من خلال مشروع المسرح الوطني الشعبي، الذي ارتكز على "التعبير عن التيمات الاشتراكية الراديكالية، والتوجه نحو الطبقة العاملة، وجماهير اتحادات العمال......" ( اينز، كريستوفر، المسرح الطليعي،،ص401 ).
وانطلاقا مما سبق، وإنصافا للطيب الصديقي واعترافا بتميز تجربته الفنية وتفردها، وجب الاعتراف باستخدامه الواعي للتاريخ والموروث الشعبي في عروضه المسرحية، فقد أسس جماليات شعبية داخل العرض، وأبان قدرة عالية في توظيف المظاهر الفرجوية، وتطويع الفضاء وخلق فضاءات جديدة، بالإضافة الى جرأته العالية في الاستغناء عن الموسيقى في "اوبريت الحراز"، وتبني الملحون والاغاني الشعبية عوضا عنها.
ويصعب الحديث عن تجربة الصديقي بمعزل عن كل المصادر الفرنسية ـ السالفة الذكر ـ  وتأثيرها عليه ، وهي: ـ فوازان - جان فيلار - المسرح الوطني الشعبي. وهو ما لا ينكره الصديقي شخصيا. فلا يمكن أن نقر بأن تجربة الصديقي هي تجربة مغربية خالصة، ذات خصوصية عربية / مغربية، رغم سعيه الى تأسيس نظرية مسرحية مسكونة بهاجس الخصوصية، وفي هذا الاطار يقر الناقد اللبناني بول شاوول بـ: "تجمد معظم المسرحيين العرب في حلول اخراجية عشرينية- ثلاثينية او براندوللية* الاستلهام، المتمثلة بمحاولة كسر الايهام المسرحي من ناحية، وكسر الحواجز بين المتفرج والخشبة، والشارع، والساحة،....... او العمل ضمن ما يسمى المسرح داخل المسرح، او توغلا في التاثر الانفتاح الجزأي على بعض التجارب الطليعية كتجربة (مسرح الشمس) الذي اسسته منوشكين.... لكن المشكلة ان المخرجين العرب استساغوا هذه النماذج الجاهزة، فاطروها وحبسوا انفسهم في اطرها" ( بول شاوول، ، المسرح العربي الحديث 1976-1989، ص204).
ولا شك أن موقف بول شاوول  يشتمل على الكثير من الحصافة والصواب، لكنه لا يخلو من القسوة، لأنه من المؤكد أن هناك استثناءات ومنها تجربة الصديقي، لسعيه بقصدية عالية وبوعي متقد الى تطويع المناهج الغربية في تجربته المسرحية. فالصديقي لم يقم باستنساخ تجربة فوازان، أو جان فيلار، ونقلها حرفيا الى المغرب والمنطقة العربية، بل سعى لتطبيق تلك الطروحات في مشروعه الخاص، وبالتالي نجد تطور هائل في أدوات الاشتغال وفق رؤيته بوصفه مخرجا وصانع العرض، وهذا ما يميز تجربته المسرحية عن أغلب مجايليه الذي ينطبق عليهم كلام شاوول.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ليفربول يخسر وديا أمام بريستون

مجلس الخدمة ينشر توزيع حملة الشهادات والاوائل المعينين حديثا

البرلمان يشكل لجنة إثر التجاوزات على اقتصاد العراق وأراضيه

بايدن يرفض دعوات الانسحاب من الانتخابات الامريكية : انتظروني الأسبوع المقبل

وفاة محافظ نينوى الأسبق دريد كشمولة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته
مسرح

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته

فاتن حسين ناجي بين المسرح الوطني العراقي ومهرجان الهيئة العربية للمسرح في تونس ومسرح القاهرة التجريبي يجوب معاً مثال غازي مؤلفاً وعماد محمد مخرجاً ليقدموا صورة للحروب وماتضمره من تضادات وكايوسية تخلق أنساق الفوضوية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram