TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > سرّ منتصف الليل

سرّ منتصف الليل

نشر في: 10 فبراير, 2016: 09:01 م

الذين أخذتهم الدهشة، والذين غلبهم الاستغراب، والذين سخروا، والذين تهكّموا، والذين استنكروا، والذين لاموا، تعبيراً عن ردود أفعالهم حيال البيان الذي ألقاه رئيس مجلس الوزراء عند منتصف الليلة قبل الماضية، لهم جميعاً الحق، كل الحق، في ما فعلوا، ولا لوم ولا تثريب.
السيد العبادي أطلّ عبر الشاشة الصغيرة في موعد غير مألوف، والناس الذين شاهدوه، فيما كانوا يهمّون بالرقاد في أسرّتهم، ظنّوا أنه سيبلغ عن نبأ عظيم أو يعلن عن قرار خطير يتصل، مثلاً، بسد الموصل الذي تشغل قضيته بال العراقيين هذه الأيام أو  بعملية تحرير الموصل التي ترنو اليها الأنظار وتهفو القلوب، أو بحلّ سحري للأزمة، بل المحنة، المالية التي تعيشها دولتنا الآن، ينطوي على استعادة عشرات مليارات الدولارات التي استحوذ عليها كبار الفاسدين والمفسدين وهرّبوها الى ما وراء الحدود، وهو ما كان في أساس هذه الازمة أو المحنة.
بعيداً جداً عن هذا كله ذهب السيد العبادي في كلمته القصيرة، فهو دعا مجلس النواب والكتل السياسية الى "تغيير وزاري جوهري"، وهذا هو الشيء الجديد الوحيد الذي تضمنته الكلمة، فيما ليس بالجديد الحديث فيها عن  الثقة والقدرة على تجاوز الأزمة الحالية باجراءات إدارية، وتوزيع الاراضي على المحتاجين، وإحياء الزراعة والصناعة، وصون أملاك الدولة واجتذاب الاستثمارات الخارجية.. هذا كلام يُقال في كل مناسبة.
لم أفهم، وأظن أن أحداً غيري لم يفهم أيضاً، لماذا لم يلقِ السيد العبادي كلمته هذه بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء الأسبوعية بساعتين أو ثلاث، ولا لماذا لم يؤجل إلقاءها الى اليوم التالي، فما من شيء فيها له طابع الاستعجال. وحده السيد العبادي ومن يحيط به يعرفون السرّ الذي قد يُثير هو الآخر، اذا ما هُتِكَ ستره، مشاعر الدهشة والاستغراب والسخرية والتهكم، وسوى ذلك.
المهم ان دعوة السيد العبادي إلى تغيير وزاري جوهري تبدو غريبة للغاية، فقرار كهذا هو قراره، فهو رئيس مجلس الوزراء الذي منحه الدستور وحده، وليس الكتل السياسية، سلطة وصلاحية اختيار أعضاء الحكومة وتكوين تشكيلته الوزارية منهم وعرضها على مجلس النواب للقبول بها أو رفضها. وفرصة التغيير الوزاري كانت مهيأة للسيد العبادي بأحسن ما تكون التهيئة في الصيف الماضي عندما تظاهر الشعب بأعداد غفيرة مطالباً بالاصلاح والتغيير، وعندما تقدّم السيد العبادي بحزمته الاصلاحية التي لم يجد مجلس النواب الخائف من غضبة الشعب مناصاً من تأييدها ودعمها بحزمة موازية، بيد ان تردد السيد العبادي وعدم  قدرته على التقاط اللحظة التاريخية التي توفرت له (تأييد شعبي عام واسناد من المرجعية ودعم اقليمي ودولي واسع النطاق) هو ما جعل مهمة الاصلاح والتغيير متعثرة، بل غير متحققة.
السيد العبادي يعرف، كما نعرف، أن الكتل السياسية الرئيسة التي تستحوذ على أغلبية مقاعد البرلمان لا تريد تغييراً وزارياً جوهرياً أو غير جوهري ولا إصلاحاً  من أي نوع أو بأي مستوى، فلا جدوى من طلب ذلك منها (لا تطلب الحاجات الا من اهلها) .. المجدي أن يتقدم رئيس مجلس الوزراء الى مجلس النواب مباشرة بتشكيلته الحكومية الجديدة التي عليه ان يجعلها مناصفة بين ممثلي الكتل، لاسترضائها، والتكنوقراط الذين ينبغي أن يُختاروا على نحو سليم، من الكوادر المشهود لها بالكفاءة والنزاهة والوطنية .. وقتها سيُلقي العبادي بالكرة في ملعب هذه الكتل وسيجعلها في مواجهة الشعب، إن رفضت، كما فعل في آب الماضي عندما تقدّم بحزمته الاصلاحية التي لم يتابع تنفيذها!  

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 4

  1. د عادل على

    برلمان جديد ودستور جديد وحكومه جديدة هم الحل الاحسن ادا كنا نريد اقتلاع الفساد من جدوره--------ان النظام البعثى افسد فى الارض العراقية الطاهرة لمدة 40 سنه-----احسن تربه لنمو الفساد هى الانتهازيه -شعار البعث كان دائما الدى معى فهو له حق الحياة ولكن فقط

  2. محمد سعيد

    الشجاعه والامانه والصدق لهذا الوطن المنكوب ان يقدم رئيس الوزراء المحترم استقالته, ويقر جهارا انه وحزبه الحاكم وباسناد من كافه المرتزقه و الجوقه الحاكمه بكافه اطيافها وتبعاتها الحزبيه الدينيه الطائفيه والاثنيه وربما ايضا العلمانيه , انها جم

  3. بغداد

    أستاذ عدنان حسين شوف النكتة ماذا وراء فزعة حيدر مورفين وخطابه منتصف الليل السر في خطاب نص الليل كارثة نفس العضة ونفس الطبيب ديلعبون جلكة هذولة ويا الشعب لو حية ودرج لو شنو القصة الافندي حيدورة المورفيني يريد يغير الوزارء هههههههههه برهومي جعفوري يغير

  4. ابو سجاد

    يارجل منذ البداية قلنا ان هذا الرجل ليس رجل مرحلة ولايصلح حتى ان يكون مديرا لادارة مدرسة وما جاء به الى السلطة الا من كانت له مصلحة شخصية امثال المنافق الحعفري ومجموعة من حزب اللادعوة وايران والسفير الامريكي و سنة السلطة وقبول الاحزاب الكردية ويعلم جميع

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

 علي حسين منذ ان ظهرت الديمقراطية التوافقية في بلاد الرافدين ،والمواطنونالعراقيون يبحثون عن مسؤول مختلف يمنحونه ثقتهم، وهم مطمئنون ، رغم أنهم يدركون أنّ معظم السياسيين ومعهم المسؤولين يتعاملون مع المناصب على أنها...
علي حسين

قناطر: ليلُ العشَّار الطويل

طالب عبد العزيز يحلَّ الليلُ باكراً في أزقّة العشَّار، أزقته القصيرة والضيقة، التي تلتفُّ عليه من حدود شبه جزيرة الداكير الى ساحة أم البروم، يحدث ذلك منذ سنوات الحرب مع إيران، يوم كانت القذائفُ...
طالب عبد العزيز

محاسبة نتنياهو وغالانت أمام محكمة الجنايات الدولية اختبار لمصداقية المجتمع الدولي

د. أحمد عبد الرزاق شكارة يوم عظيم انتصاراللعدل عبارة تنم عن وصف واضح مركز ساقه الاستاذ المحامي الفلسطيني راجي صوراني عن طبيعة الدور الايجابي المؤثر للمحكمة الجنائية الدولية متمثلا بإصدار مذكرتي القاء القبض تخص...
د. أحمد عبد الرزاق شكارة

الاندماج في العراق؟

أحمد القاسمي عندما نسمع بمصطلح الاندماج يخطر بأذهاننا دمج الأجانب المقيمين في بلد ما. فاستخدام هذا المصطلح بات شائعا منذ بضعة عقود في الغرب ويُستخدَم غالبا عند الحديث عن جهود الدولة أو مؤسسات المجتمع...
أحمد القاسمي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram