علي محمود الفكيكي*تعاني الصناعة العراقية من كساد منتجاتها وإعراض المستهلكين عنها وتوقف معاملها، وكثيرا" ما يعزو ذلك الى العمل بقرار الحاكم الأمريكي (بريمر)، بتعطيل العمل بقانون التعريفة الكمركية، وتحرير الاستيراد ورفع القيود عنه، وانفتاح السوق العراقية أمام الاستيرادات الخارجية وما اشتمل عليه من تدفق للسلع والمواد،
فصار عدد من المهتمين بأمور الاقتصاد والصناعة ينادون بالعودة الى السياسات التجارية التي سادت في العراق في فترة الخمسينيات – السبعينيات من القرن الماضي، وهي سياسات الحماية الكمية والسعرية، وتقييد الاستيراد وما يتصل بذلك من إجراءات، وضمن ذلك المطالبة بإلغاء قانون (بريمر)، وتفعيل قانون التعريفة الكمركية السابق والتعليمات والقرارات الصادرة بموجبه. إن إلغاء (قانون بريمر) والعودة الى قانون التعريفة الكمركية يعني العودة الى الضرائب الكمركية غير المبررة التي فرضت على سلع هي من ضرورات حياة الناس اليومية ومن هذه السلع ورسومها الكمركية : المكنسة الكهربائية 70% من القيمة، مروحة كهربائية 30%، غسالات ملابس منزلية 80 %، ثلاجات 50%، مكيفات هواء 50 – 80%، مكوى كهربائي 50%، سيارات مرسدس صالون وستيشن 300% من القيمة واصلة الى ساحة الكمرك. ان الحكومات السابقة قد فرضت هذه الضرائب كون رجالها كانوا يرون ان هذه السلع وامثالها ليست من ضرورات الحياة اليومية للناس فيما كانوا هم يرونها لأنفسهم ضرورة لا يستطيعون العيش من دونها، اما الضريبة الكمركية على سيارات مرسدس الصالون والستيشن وهي 300% فانها فرضت في زمن المتاجرة بالشعارات السياسية الوطنية والقومية، فأشيع ان فرض تلك الضريبة جاء ردا" على تعويضات ألمانيا النقدية لإسرائيل عن المحرقة النازية، والحقيقة كان هناك عامل آخر وراء فرض تلك الضريبة، وهو ان مسؤولي ذلك الزمن لم يكن يروق لهم ان يروا غيرهم من الناس يركب ما يماثل مركوبهم فكانوا يريدون ان يتميزوا عن الناس في كل شيء، بما في ذلك المركب البهي. يقول الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام): "خلقتم لزمان وخلق أبناؤكم لزمان غير زمانكم " توضيحا" بان الزمن هو الذي يقود العقل، وليس بالضرورة ان ما كان صحيحا" بالأمس يكون كذلك اليوم. حقا" ان قانون التعريفة الكمركية رقم 77 لسنة 1955 المعدل (وتعديلاته) بات شيئا" من الماضي في كل محتوياته، فالدنيا اليوم تحفل بمتغيرات ومفاهيم غير التي كانت في عقود وسني النصف الثاني من القرن العشرين، والزمن يتغير ليس فقط بسرعة وانما بتسارع والتسارع لغة واصطلاحا" هو غير السرعة. ان الصناعة العراقية والسوق العراقية، ليست وحدها في الانفتاح للعالم اليوم، فمثلا" ليست هناك أسواق كأسواق بلدان شبه جزيرة العرب في الانفتاح على العالم والتجارة الخارجية، بل ان الاستيراد في الإمارات العربية المتحدة (مثلا") محرر من إجازات الاستيراد، بعكس ما نجده في العراق حيث الاستيراد مشروط بالحصول على إجازة الاستيراد وما تتطلبه من شروط وتعقيدات، بل ان عملية الاستيراد في الإمارات العربية لا تمر بأكثر من ثلاثة تواقيع حكومية، مقارنة بنحو اربع وسبعين توقيعاً حكومياً في العراق، فالاستيراد في العراق اكثر تعقيدا" وصعوبة بكثير من غيره من البلدان، وعملية الإخراج الكمركي في الإمارات لا تستغرق اكثر من ساعة مقارنة بيوم او أيام في العراق. يذكر في هذه المناسبة ان عملية الإخراج الكمركي في سنغافورة لا تستغرق اكثر من ربع ساعة، فبلدان شبه جزيرة العرب لا يضاهيها العراق في الانفتاح، وكذلك بلدان جنوب شرق آسيا (بلدان نمور آسيا) فكلها منفتحة تجاريا"، مع ذلك نجد صناعات فيها مزدهرة وتشغل منتجاتها مكانا" في رفوف متاجر العراق وغير العراق وفي رفوف متاجر بلدانها. يقال إن التشخيص الناجح هو نصف العلاج، ومن ثم فان الخطوة الأولى لمعالجة مأزق الصناعة في بلادنا هو التشخيص الصحيح لعوامل هذا المأزق. إن مأزق الصناعة العراقية ليس في انكشاف اسواقها المحلية امام المنتجات المستوردة، وليس في التدفق الكبير لهذه الأخيرة اليها، وانما في ضعف موقفها التنافسي في السوق المحلية وفي الاسواق الخارجية. وضعف الموقف التنافسي هذا ناشئ عن ارتفاع تكاليف الإنتاج وإخفاق النوعية وافتقاد مقومات النجاح والتطور الأخرى، ومن ثم فاذا عالجنا الموقف بالعودة الى سياسات الحماية لسني الستينيات والسبعينيات نكون كمن يعالج مرضا" خببيثا" بالأسبرين والمسكنات! إن سعر قنينة ماء صحي أردني واصلة الى ساحة الكمارك العراقية تقل بنسبة 20% عن سعر مثيلتها العراقية (مطروحة ساحة المعمل العراقي). وهذا مثل لحالة من حالات ضعف الموقف التنافسي (عامل الكلفة) ولا يتمتع أي من المعامل العراقية بشهادة النوعية العالمية (ايزو)، بل حتى معامل تصنيع وتعبئة وتوظيب التمور وهي اكثر الصناعات العراقية عراقة لا يوجد فيها معمل يتمتع بشهادة النوعية العالمية. إن صناعتنا بقطاعيها الحكومي والأهلي نشأت في نصف القرن الماضي معتمدة على الدولة ومساعداتها في كل شيء ومن ذلك توفير الحماية الكمركية الشاملة والجزئية، الكمية والسعرية وأنواع القيود التجارية، ودعم اسعار المدخلات وأ
مأزق الصناعة العراقية والتعريفة الكمركية
نشر في: 18 يناير, 2010: 05:18 م