ليس صحيحاً أنّ العراق، بما كان عليه وما كان فيه ودلّ عليه الزمن الجميل، لا شفاعة له لكي ينبعث من جديد .ليس قدراً أنّ يظل العراق مُتلفّعاً بالسواد، ومحاطاً بأعلام ذوي العاهات من لصوص المال العام والحواسم وأدعياء الإيمان المتزلّف المأجور، وينزلق هاوياً
ليس صحيحاً أنّ العراق، بما كان عليه وما كان فيه ودلّ عليه الزمن الجميل، لا شفاعة له لكي ينبعث من جديد .
ليس قدراً أنّ يظل العراق مُتلفّعاً بالسواد، ومحاطاً بأعلام ذوي العاهات من لصوص المال العام والحواسم وأدعياء الإيمان المتزلّف المأجور، وينزلق هاوياً في منحدرٍ لا قرار له ولا مستقرّ.
صحيحٌ أنه يتشظّى ويئن، جريحاً يتلوّى حسرة، وهو ينزف لوعةً على حاضرٍ يتأسّى على ماضٍ كان جميلاً بقدْر ما، ويتحلّل من وعده بزمن أجمل وأكثر إشراقاً للعراقيين..
وصحيحٌ أن للحياة دورة تنفتح على الأمل، وأخرى تنغلق على الظلام والضياع،..لكنها تظلّ تتجدّد دوماً مع إشراقة شمسٍ، فتتدفّق حبوراً يطفح بالبهجة والإقبال على الحياة..
ومن شدّة ما أثقل الجور علينا بات الأمل في نفوسنا حسرةً وكمداً، حتى أنّ الواحد منّا لم يعد يتجاسر على التفكير باحتمال أن يكون ما هو فيه، وما هي عليه حياته وأمانيه، مجرّد كابوسٍ أو حلم مُلتبس..
كنا نغتبط في الزمن الجميل بإنجاز مجمّعٍ سكني في المدن التي كان عبد الكريم قاسم يشيّدها، أو شارعٍ يكتمل رصفه، ومعملٍ يفتح أبوابه ليستقبل آلاف العمال الجدد، أو قانونٍ يملّك الأرض لمن يفلحها، وآخر يجيز تنظيم العمال والفلاحين وأصحاب المهن في نقاباتٍ تدافع عن حقوقهم، وقانونٍ يعيد للمرأة حقّها في المساواة لتكوّن أسرة متكافلة سعيدة.
كنا نتطلّع إلى غدٍ يصبح فيه ما تحت الأرض ملكاً يضجّ بالخيرات المتدفّقة على شعبنا بعد أن صار قانون رقم 80 واقعاً حرّر الأراضي غير المستثمرة من قيود شركات النفط الأجنبية، ومن الخضوع لسيطرتها، فصرنا اليوم نتضرّع لئلّا يتهدّد خواء الخزينة التي طاولها النهب والعبث، رواتبنا في الشهور الآتية..!
ويأتينا وسط هذا التشاؤل والضراعة صوت ميرنا من بيروت لتُنبئنا بأنّ للمسرّة في حياتنا فصولاً لم تنتهِ بعد: " أنا هنا مرتاحة، لكنني أُحبّ وطني وأحّنُ له، وأفتقد صديقاتي.."!
وإذ تغني ميرنا، العراقية المسيحية، المهجّرة قسراً بعد أن هدّد الداعشيون من كلّ مذهبٍ وانتماءٍ مشبوه، أسرتها ووجودها: " البارحة بالحلم..."، ينساب الفرح الأصيل من كلّ كيانها الطفولي المتهادي بثقة وتسامٍ، وكأنه يريد أن يذكّرنا بأنّ الجمال والفرح والأمل قوّة ساحرة لا يقوى على مقاومتها زوّار الظهيرة والزوايا المهجورة من أشباح التكفير والقتل على الهويّة ونهب المال والأوطان والإرادات..
ثم نتمايل مسرّةً وغبطةً، إذ تطربنا تارا مونيكا العراقية المشرقة بسمرتها الآسرة وهي تردّد من دون أن تفارقها الابتسامة: " حلو حلو … هواية حلو"، ولفع أغنيتها، لما فيها من بحّة فرح ولوعة، يضغط على أحزاننا الدفينة فتدمع أعيننا، نحن أبناء الخيبة الراهنة.. نبكي فرحاً ونجهش حزناً على ما يحيط بالعراقيين من مشقّات...
هكذا هي آمالنا، وها هي صبابتنا ومنتهى آمالنا، تختزلها ميرنا بـ " البارحة بالحلم.."، وتنتزع الحزن من مآقينا تارا مونيكا وهي تذكّرنا بأنّ للأحزان نهاية: " حلو، حلو،.... هواية حلو "، ولتنشدا معاً في قفلة آسرة من الماضي الجميل: " ميحانة ميحانة... غابت شمسنا الكمر ما جانه "!
لكن ما يعيد الروح، ويسترجع الأمل، ويستفزّ الإرادة على تحدّي المواجع والمكاره ونوائب هذه المرحلة التي سوّدها لصوص الظهيرة وأشباه الرجال والحكام وقادة الصدفة وأدعياء التديّن والإيمان المتزلّف، مشهد روان سالم حسين، من الحلة: "أنا أتحداك يا أيها المحافظ أن تشارك معي في مناظرة تلفزيونية نتكاشف فيها... أنت أعدتَ الحلة إلى الوراء خمسين عاماً، جعلتَ مدينتنا بلا مركز ثقافي، وبلا مقرّ لفرع لاتّحاد الأدباء"....!
أهو حلمٌ، أو تداعٍ لتطلعاتٍ مكبوتة؟... أم هو واقعٌ يبشّر بانبعاث الأمل من رماد الحسرات والتردّد وغياب الثقة بما ننطوي عليه من إرادة كامنة كفيلة بكسر حاجز الخوف؟...
إنه واقعٌ، وعلامة على قيامة الذين توهَّم البعض أنهم ضعفاء، مسلوبو الحول والقرار... !
جميع التعليقات 2
مهند محمد البياتي
لم تنشأ حضاره وادي الرافدين و لا العراق الحديث من العدم، بل ساهم فيها ابناؤها و من هاجر اليها من ارجاء المعموره، و اصبحت مدن بابل و سلوقيا و المدائن و بغداد الاكبر عالميا في وقتها. و على الرغم من ساسه الصدفه حاملي رايات التعصب الديني و القومي و الطائفي، و
سلمان الطائي
امتعتنا كلماتك كما امتعتنا ميرنا وتارة مونيكا أستاذ فخري