“لقد أرادني الله على هذا النحو”.هذا ما يقوله اينار ويغنر او ليلي ، لحبيبته ولزوجته في اخر الفيلم المدهش " الفتاة الدنماركية ." اذن "اذا كان الله اراد لهؤلاء الاشخاص ان يكونوا هكذا ، فلماذا الاعتراض ، اذا كان بالإمكان تصحيح الحال وجع
“لقد أرادني الله على هذا النحو”.
هذا ما يقوله اينار ويغنر او ليلي ، لحبيبته ولزوجته في اخر الفيلم المدهش " الفتاة الدنماركية ."
اذن "اذا كان الله اراد لهؤلاء الاشخاص ان يكونوا هكذا ، فلماذا الاعتراض ، اذا كان بالإمكان تصحيح الحال وجعل الشخص ينتمي الى ما يشعر به جسديا وروحيا ، بدلا من ان يكون معلقا بين الحالتين ، متحملا سخرية المجتمع ، والى متى يخفي البعض رأسهم خجلا وهم يشاهدون او يقرأون سير بعض من هؤلاء ؟"
الحكاية
زوجان شابان يعيشان في الدنمارك ، كلاهما فنان تشكيلي ، متحابان لا يكدر حياتهما شيء ، الزوج " إيدي ريدماين " رقيق جدا ، ابتسامته توحي بعذوبة روحه ، وزوجة جميلة ومثابرة " أليشيا فيكاندر " ، تحمل الكثير من السمو والايثار في خفايا شخصها ، الا ان تأخر راقصة باليه ، التي تعمل الزوجة على رسمها كموديل للوحاتها ، وفي لحظة مرح بين الزوجين تطلب الزوجة ،وبسبب جمال شكله ونعومته، ان ترسمه بدلا من موديلها ، فتلبسه جوارب وحذاء الباليه ، فيبدو كأية فتاة جميلة ، فيستسيغ الفكرة ، وتتحرك داخله حاسة الانتماء الى الجنس الاخر ، تتحرك في داخله الانثى التي يشعر ، ويبدأ بالإعلان عن ذلك وبالتدريج لزوجته المتفهمة ، لكنها رغم ذلك تقول له في احد المرات "متى استعيد زوجي" كونها كانت تظن ان الحكاية عبارة عن مزحة لا اكثر . لكنها وفي ظل تطور الامر ، تقف بجانب زوجها في رحلة تحوله هذه مدافعة عنه ، حتى اللحظة الاخيرة ، حيث يجري عملية التحول الثانية ، بعد العملية الاولى التي تمت فيها إزاله عضوه الذكري ، لكنه في هذه المرة لم يستطع المقاومة فيموت ، قائلا لها قبل ذلك "لقد ارادني الله هكذا".
الاشتغال
بعد فيلمه المهم "خطاب الملك" ، يعود المخرج توم هوبر بفيلمه "الفتاة الدنماركية" ليؤكد عمق اختياراته لمواضيع الافلام التي يخرج ، فهذا الفيلم لا يقل من حيث المستوى الفني والسردي عن تحفته “خطاب الملك” (2006) ، فاختار سيناريو "لوسيندا كاستون" المستند على رواية الكاتب ديفيد ايبرشوف ، والمأخوذة بدورها عن القصة الحقيقية لحياة "ليلي" او الرسام الدنماركي إينار ويغنر ، هوبر استفاد الى حد كبير من جمال الطبيعة ، فسخرها كلوحات تشكيلية فائقة الجمال ، تتناغم مع المنحى السردي للفيلم ، حتى بيت الزوجين الشابين ، تعامل معه كلوحة فنية ، فبين مشهد واخر تبهرك لوحة فنية ، او منظر لطبيعة خلابة ، بيوت المدينة ، شوارعها ، حدائقها ، كانت زوايا الكاميرا صانعة لانهيال بصري مدهش ، كذلك استفاد كثيرا من قدرة بطليه ، في تجسيد شخصيات حكايته، خصوصا الممثل ايدي ريدماين ، الذي حاز على اوسكار افضل ممثل في العام الماضي عن فيلمه "نظرية كل شيء" ، والتي ادى فيها شخصية العالم ، لذلك لا غرابة ان يترشح ريدماين لأوسكار جائزة افضل ممثل والتي حصل عليها العم الماضي عن الفيلم الجميل " نظرية كل شيء" وكذلك ان تترشح بطلته " أليشيا فيكاندر" لجائزة اوسكار افضل ممثلة مساعدة .
لم يترك هوبر اي عنصر من عناصر اللغة السينمائية لم يوظفه بطريقة اخاذة ومعبرة ، لذلك جاء السرد البصري متكاملا ، لا يجعلك تشعر ان ثمة نقصا هنا او هناك ، الحوار العاطفي المضمر ببعده فلسفي ، يبحث عن كيفية الخروج من محنة ما اختاره القدر "الرب" لليلي ، ليس ثمة زوائد فيه ، بل جاء مكملا لجمالية التدفق الصوري الأخاذ .
لقطات عديدة مما يطلق عليه "لقطة رد الفعل" استخدمها هوبر ، للتعبير عن كم الانفعال والاحراج الذي تشعر به حبيبته وزوجته اليشيا ، والتي كانت موفقه في اداء دورها عارفة بما يعنيه ان تعيش امرأة في هكذا وضع وتمر في هكذا محنة .
الأداء
بطل وممثلة مساعدة ، ايدي ريدماين واليشيا فيكاندر ، هما من ارتقى بمستوى العمل ، ريدماين يجعلك تشعر بوجود ليلي ، الشخص ثالث بينهما ، ربما تبحث عنها او تتمنى ان تراها في المشهد التالي او اللقطة المقبلة ، كذلك استطاع ان يوصل لك عمق المعاناة الانسانية التي يشعر بها من يمر في هكذا مشكلة ليست له يد فيها .
اليشيا فيكاندر ، الدور الداعم للحكاية وللبطل فيها ، كان رسمها من قبل كاتب السيناريو والمخرج لتبعث برسالة الى الجميع ان الحب لا يمكن ان ينتهي حين يضرب القدر بقوة ، والوصول الى النهاية سعيدة كانت ام محزنة امر لابد منه ، واستطاعت اليشيا ان تؤدي الدور المرسوم لها بما يؤثر على عاطفة المتلقي وجعله يتعاطف معها بقدر تعاطفه مع محنة البطل .
تساؤلات
لماذا يمنع الفيلم في عدد من البلدان العربية ؟ الا يوجد لدينا العديد من الشباب ومن كلا الجنسين يعانون من مشكلة المثلية ، وانحيازهم للجنس الاخر ، هل يفترض بنا كشعوب مسلمة وعربية ان نضع رؤوسنا في الرمال امام مثل هكذا مشكلة ، وهل عاد منع الفيلم يجدي مع وجود العديد من المواقع التي تبث الافلام مجانا ، مثلما حدث مع فيلم "الرسالة" الذي ما زالت احدى الدول العربية تمنع عرضه في الوقت الذي تبثه العديد من القنوات التابعة لأحد أثريائها في كل مناسبة ، متى يمكن لنا ان نناقش مشاكلنا كلها مثلما يناقش الغرب مشاكله ؟
خاتمة
الفتاة الدنماركية هو من نوع الافلام التي تغوص في عمق النفس البشرية ، طارحا ما يجب ان يطرح ، لنقول لا شيء يجيز بقاء معاناة انسان ما ، ما دام بالإمكان انهاء هذه المعاناة ، فاذا كانت ليلي قد ماتت بسبب عدم وصول الطب في حينها الى ما وصل اليه حاليا، الان اصبح بالإمكان ان ننهي معاناة هؤلاء الاشخاص ، وعدم الابقاء على ما يعانون سرا . لذلك جاء الفيلم ليؤكد اهمية السينما في طرح ما هو مسكوت عنه خصوصا في عالمنا العربي.