اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > بدلاً من أن يلهوا بمرابعها..صبيانٌ تلعب بهم الحياةُ على مزاجِها !

بدلاً من أن يلهوا بمرابعها..صبيانٌ تلعب بهم الحياةُ على مزاجِها !

نشر في: 18 فبراير, 2016: 12:01 ص

على مقربة من الساعة السادسة مساءً صعد وسام سيارة الكيا التي ستقله الى البيت، بعد انتهاء عمله اليومي في المطعم الشعبي القريب من كراج الدورة في بغداد الجديدة الذي يبدأ الساعة السادسة صباحا. الصبي وسام لم يتجاوز عمره (12) سنة مثلما قال حيث اضطر لترك الد

على مقربة من الساعة السادسة مساءً صعد وسام سيارة الكيا التي ستقله الى البيت، بعد انتهاء عمله اليومي في المطعم الشعبي القريب من كراج الدورة في بغداد الجديدة الذي يبدأ الساعة السادسة صباحا. الصبي وسام لم يتجاوز عمره (12) سنة مثلما قال حيث اضطر لترك الدراسة في الصف الرابع الابتدائي بسبب رسوبه سنتين متتاليتين لعمله اليومي ببيع أكياس النايلون في سوق بغداد الجديدة، بعد انتهاء دوام المدرسة او التسرّب منه. بعد لحظات من جلوسه اصطف معه صبي آخر بعمر (10) سنوات يعمل في محل لبيع السمك حتى وقت الظهيرة، ثم يكمل ذلك بدفع عربة صغيرة لنقل الفواكه والخضراوات. عباس هذا اسمه لم يدخل المدرسة بسبب ظروف عائلته الصعبة مثلما وصفها.

لوحات إعلانية ضائعة
بسبب فقدان التنسيق مع المنظمات الدولية والمحلية المعنية بالطفل وتبادل الروئ والأفكار والخطط والمقترحات التي يمكن من خلالها النهوض بواقع الطفولة في العراق، من اجل المساهمة في تقديم افضل الخدمات ورعاية وحماية الأطفال من مختلف الأخطار والتحديات التي تواجههم والحد من عمالة الاطفال خاصة والتي تعد أسوأ اشكالها فضلا عن الاستفادة من خبرات وتجارب الطرفين لتقديم الدعم بمختلف اشكاله، ظل واقع الطفولة في البلد بانحدار دائم. وزارة العمل والشؤون الاجتماعية كانت قد اعلنت انه تستعد بالتعاون مع منظمة اليونيسيف التابعة للامم المتحدة لتنظيم حملة موسعة من اجل مكافحة عمالة الاطفال وزيادة الوعي بين شرائح المجتمع المختلفة ومدى خطورته على صحة الاطفال من خلال حملة توعية تتضمن توزيع (20) لوحة اعلانية في المحافظات ذات النسب السكانية الكثيفة (بغداد، والديوانية، وبابل، وكربلاء، والنجف، والبصرة) فضلا عن بث مقاطع صوتية في (12) اذاعة محلية تكرر عدة مرات فضلا عن بث برنامج تلفازي كارتوني في ست قنوات فضائية معروفة، لكن لم اشهد أياً من هذا اذ كانت لوحات اعلانية وهي (20) يعني كل محافظة اربع لوحات اين سيكون مكانها وسط الكم الهائل والكبير من صور رجال الدين والشهداء وغير ذلك؟ وحتى الاعلانات كيف وزعت على الاذعات والقنوات الفضائية ولما لم تعلن كي يتسنى لنا مشاهدتها ومتابعاتها؟

قاعدة بيانات
وكيل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لشؤون العمل عبد الكريم عبد الله شلال اشار: الى اهمية وضع قاعدة بيانات بعمالة الاطفال من اجل ايجاد ستراتيجية تكافح عمل الاطفال لما له من تأثير سلبي على المدى الطويل في خلق جيل قد يُسبب كارثةً في المجتمع نتيجة توفر اغلب عناصر الاستغلال وخاصة في مجال الإرهاب فضلاً عن الاستغلال الجنسي وغيرها من السلبيات التي توجد في المجتمع نتيجة استغلال الاطفال. كما أكد الوكيل على أهمية البدء بعمل دراسة تؤطر قطاع العمل غير المنتظم وضرورة وضع قاعدة بيانات لهذا القطاع وبالتعاون مع الوزارات والجهات الأخرى الساندة لتنظيم عمل هذا القطاع المهم وإبعاد آثاره السلبية عن المجتمع.
حسن صبي في السنة العاشرة من عمره يقف بمنتصف الجزرة الوسطية لسوق بغداد الجديدة يبيع ما يُعرف بـ(رشاد البر) ترك الدراسة بوقت مبكر باحثاً عن لقمة العيش متنقلا بين اعمال عدة بعضها لا يلائم عمره وبنيته الجسمانية لكن الفقر والحاجة تدفعانه لذلك. اما زميله حيدر الذي يقف بجواره يبيع علبة (الفراولة) فله حكاية اخرى، اذ فقد والده بسن مبكرة من عمره وظل ينتقل بين بيوت أقربائه بعد زواج امه بمحافظة اخرى، بالتالي وجد نفسه وحيداً في بيت جدته لأبيه التي لا تقوى على فعل شيء ليكون المعينُ له والمدبرُ لشؤون البيت مع عمته المعاقة.

التسرّبُ سببُهُ ضربُ الطلابِ
المتحدث الرسمي باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعي عمار منعم أوضح: ان العوز المادي يعد السبب الاساس في تشويه حياة الاطفال ودفعهم للعمل فضلا عن ان اتباع الاسلوب الخاطئ في التعليم وتعرض الاطفال للضرب من بعض المدرسين دفع بالعديد منهم الى التغيب عن المدارس وحرمانهم من حقهم في الدراسة.
إلا أن المتحدثة باسم وزارة التربية هديل العامري استبعدت ان يكون استخدام العنف ضد الطلاب سبباً لتسرُّب الطلاب من المدارس، مبينة ان ذلك يعود الى الازمة الاقتصادية والاوضاع الامنية الراهنة التي رافقها تهجير الكثير من العوائل، مضيفة إن العوز المادي دفع الطلبة الى ترك المدارس وتوجههم الى العمل لتوفير لقمة العيش.
 واوضحت العامري: ان استخدام العنف من قبل المدرسين ضد الطلاب هو حالة استثنائية ولا تعد سبباً لتسرُّبِهم. مشيرة الى ان وزارة التربية وجهت بمنع استخدام الضرب وتعاقب المدرسين المخالفين بعقوبات شديدة بعد ان تأخذ تعهدات خطية بعدم استخدام العنف او اللجوء الى الدروس الخصوصية.

منحة دراسية لمنع التسرب
مدير الإعلام التربوي بالوزارة ابراهيم سبتي أكد أن نسبَ تسرُّبِ التلاميذ من المدارس الابتدائية بدأت بالتراجع خلال العام الدراسي (2013 ــ 2014) لتقل بشكل اكبر خلال العام الماضي. معللا سبب ذلك الى حملات التوعية بالتنسيق مع المجالس المحلية والبلدية خلال العطل الصيفية الماضية.
وكانت الوزارة قد سجلت نسبة (2،5 %) من المتسربين من المدارس الابتدائية خلال عام 2012، التي عُدَّت نسبة كبيرة مقارنة مع دول الجوار التي لا تزيد نسب تسرب التلاميذ لديهم على الواحد بالمئة.
مدير التعليم الابتدائي في وزارة التربية شهرزاد مصطفى أوضحت ان مديرية التعليم العام كانت قد اعدت خطة وصفتها بالجذرية للحد من ظاهرة تسرب التلاميذ من المدارس الابتدائية ضمن بغداد والمحافظات. مبينة: ان الخطة تضمنت إعداد لجان ميدانية مكونة من التدريسيين والمعلمين يترأسها مدير المدرسة في كل منطقة التي اخذت على عاتقها التجول بالمناطق التي تحيط بها بحسب الرقعة الجغرافية للمديريات ومدارسها.
واضافت مصطفى: ان عملية تسرب التلاميذ وانخراطهم في التسوِّل او العمل في المحال التجارية والصناعية بشتى انواعها، ادى الى تدهور واقعهم العلمي وحصول تغيير في ثقافتهم ما ادى الى انحطاط مستوياتهم الاجتماعية نتيجة عملهم في اماكن لا تتناسب مع اعمارهم الصغيرة، لافتة: الى اهمية توفير منحة للتلاميذ بالمراحل الابتدائية، حيث عدَّت ذلك من اهم الخطوات التي يجب ان تلتفت اليها الجهات المعنية لإعادة المتسربين الى مقاعدهم الدراسية.  
كما أوضحت الوزارة في وقت سابق سماحها بعودة الطلبة الراسبين لسنتين متتاليتين إلى الدراسة لمعالجة ظاهرة التسرب من المدارس.

النازحون في كركوك وأطفالهم !
لجنة حقوق الإنسان البرلمانية، أكدت أن محافظة كركوك هي الأعلى نسبة في عمالة الأطفال والفتيات على مستوى البلاد، مبينة أن نحو (50) ألف طفل يعملون في المحافظة، وقال رئيس اللجنة ارشد الصالحي إن بيانات حكومية بينها إحصاءات أكدت أن هناك نسبة كبيرة من الأطفال والفتيات الصغيرات يعملون في ظروف إنسانية صعبة مع زيادة استمرار موجات النزوح الداخلي والخارجي. معزياً سبب ذلك الى وجود قرابة نصف مليون نازح فيها.وأضاف الصالحي: أن نحو (30) ألف طفل يعملون في الشوارع وفي أعمال لا تتناسب مع أعمارهم"، مبينا أن نحو 25 ألف طفلة تعمل في ذات الظروف، داعياً الحكومة الى مساعدة شريحة الأيتام والأرامل من الذين انقطعت بهم سُبل العيش، موضحا: أن زيادة نسبة أعمال الأطفال تفاقمت خلال العام الحالي بسبب الحرب على تنظيم داعش الإرهابي وما رافقها من تبعات.

الأركيلة تعبث بهم!
أموري هكذا نادته أخته التي تصغره بعام تقريبا لتخبره أن أمهما تريد العودة الى البيت. أموري الطفل الذي لم يتجاوز الثامنة من عمره والنازح من الموصل يسكن الآن مع عائلته في احد شقق منطقة البتاوين مع عشرات العوائل الاخرى، يبيع العلكة حيث يتنقل بين المحال والمقاهي في شارع الكرادة والسعدون عسى ان يعود للبيت وفي جيبه ما يكفي لسد رمق إخوته.
في احد ازقة البتاوين يجلس مجموعة من الصبيان في مقهى شعبي يتبالدون شرب (الاركيلة) في ما بينهم، اكبر خالد يعمل في محل تصليح الموالدت الكهربائية في ساحة الطيران يجالسه ابن عمه مثلما ذكر يعمل في الشورجة، وصبيان قالوا عنهما انهما يسكنان معهم في العمارة التي تقطنها عوائل مهجَّرة عراقية وسورية. خالد يمسك الاركيلة كأي مدمنٍ على شربها، في تلك الاثناء يخرج وسام (9) سنوات من محل العاب الالكترونية يأخذ (نفساً) عميقا مرتديا ملابس العمل التي تلطخت بالزيوت فهو يعمل في محل تصليح الدراجات النارية في فضوة عرب.
حين سالت عامل المقهى الشاب الذي لم يتجاوز العشرين من عمره والقادم من الناصرية، لماذا تقدّم لهم الاركيلة وهم بهذا العمر؟ ردَّ وعلامة السخط على ملامحه : اولا ما دخلك بهم، وثانيا ان لم أُقدمها لهم سيشكون لصاحب المقهى الذي سيجد بديلا عني يُقدمها لهم، وبذلك سأخسر فرصة عمل واعاود الجلوس مع اصدقائي في المسطر بانتظار فرصة عمل! من خلال الاسترسال بالحديث مع عامل المقهى اتضح غياب دور دوائر الصحة والبيئة ولجان التفتيش المعنية بهذا الشأن.

البرلمان يدعو الحكومة
اما مفوضية حقوق الانسان، فقد اعلنت هي الأخرى ان واقع حقوق الطفل في العراق مهدد بالانهيار اذا لم تتخذ الحكومة اجراءات لمعالجته، وفيما بيّنت ان عام 2014 يُعد أقسى الأعوام "وحشية وعنفا" ضد الأطفال، أكدت تحوِّل عمالة الاطفال الى ظاهرة بلا حلول.
عضو المفوضية العليا لحقوق الأنسان فاضل الغراوي في بيان تلقت (المدى) نسخة منه ان عام 2014 - 2015 اعتبر أقسى الأعوام وحشية وعنفاً ضد اطفال العراق بسبب الكم الهائل من الانتهاكات التي وجهتها عصابات (داعش) الإجرامية من خطف وتجنيد وقطع الرقاب وبيعهم في سوق النخاسة والاتجار الداخلي والخارجي بهم وتهجيرهم قسراً اضافة الى استخدامهم في اعمال السخرة، مضيفاً: أن منظومة حقوق الطفل في العراق تشهد الكثير من التحديات وان المؤشرات تؤكد تسرُّب الاطفال من المدارس وازدياد عدد الاطفال الايتام وتحوّل عمالتهم الى ظاهرة من دون حلول؟!
وأشار الغرواي الى ازدياد أعداد الاطفال الذين هم في نزاع مع القانون وتدني المستوى التعليمي والصحي للأطفال. متابعا: ان منظومة حقوق الطفل مهددة بالانهيار اذا لم تتخذ الحكومة إجراءات عاجلة لحمايتها بالإسراع بتشريع قانون الطفل وتشكيل المجلس الأعلى لرعاية الطفولة في العراق ووضع قيود صارمة وعقوبات ضد الجهات التي تقوم بعمالة الاطفال ووضع آلية لحماية الاطفال من التجنيد وانشاء برامج متعددة لرفع المستوى الصحي والتعليمي للأطفال وفق منظومة متكاملة.

صبيان في محال القصّابة
الباحث الاجتماعي ماجد عبد الحسين ذكر ان اهم اسباب عمل الصبيان دون سن الخامسة عشرة تعدو الى  انخفاض مستوى الدخل المادي للعائلة بشكل عام. لافتا: ان هؤلاء الصبية يكونون عرضة للاصابة بشتى الامراض والاخطار خاصة اولئك الذي يعملون في مهن صعبة تحتاج الى بُنية جسمانية قوية.
عبد الحسين توقف عند ظاهرة عمل الصبية في اعمال تؤثر على سلوكهم فمنهم من يعمل في مهنة القصابة وهو بعمر العشر سنين، او يعمل بذبح وببيع الدجاج وغير ذلك من مهمن تحتاج الى القساوة. منوِّهاً: ان  الاعتياد على رؤية منظر الدماء بشكل يومي يترك ابشع الأثر في نفسية الصبية. لافتا: ان الكثير منهم تم استغلالهم من قبل العصابات المنظمة والجماعات الإرهابية.

ختاماً
الدستور العراقي الجديد الصادر عام 2005 نص في المادة (29) ثالثا "يُحظر الاستغلال الاقتصادي للاطفال بصورة كافة وتتخذ الدولة الإجراء الكفيل بحمايتهم"، كما ان القانون العراقي في ما يخص عمل الاطفال منع عملهم في الاعمال المرهقة التي تسبب الضرر في الجسم والعقل، اذ اشارت المادة (91) من قانون العمل العراقي رقم (71) لسنة 1987 ، ان عمل الأحداث الذين بلغوا (15) عاما يجب ان يكون في الاعمال النهارية فقط وان لا تكون مرهقة او تسبب امراضاً معديةً او خطرةً على أخلاقهم او على حياتهم وقد حدد القانون ساعات العمل لمدة سبع ساعات بالاضافة الى استحقاقه كل ما يستحقه العامل البالغ من اجور وضمان اجتماعي، لكن للاسف مثلما عُطّل الدستور في فقرات عدة عُطّل هنا ايضا، مثلما لم يعد القانون فاعلا في حماية الأطفال والأحداث ممن لم يبلغوا (15) عاما خاصة في ما يخص الخطر على حياتهم وأخلاقهم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram