العاملون في المكاتب المختصة بنصب أطباق استقبال البث الفضائي في العاصمة بغداد يمتلكون تصورا كاملا عن توجهات الجمهور في متابعة الفضائيات العربية والعراقية ، وسط غياب مؤسسات مستقلة في العراق معنية بإجراء استفتاءات للتوصل الى الكثير من الحقائق، ومنها على سبيل المثال معرفة توجهات مشاهدي الفضائيات ، يبقى حديث العاملين في تلك المكاتب المعيار الوحيد المتاح للإشارة الى بروز ظاهرة تبني فضائيات تابعة لجهات سياسية ودينية الخطاب احادي الجانب ، يعد بنظر الاوساط الاعلامية المستقلة تكريسا للانقسام الطائفي .
على الرغم من اعلان حرص زعماء القوى السياسية المشاركة في الحكومات المتعاقبة في العراق ، على تحقيق مشروع المصالحة ، ونبذ العنف وتوطيد السلم الاهلي ، تواصل فضائياتهم بث برامج وتقارير وتنقل بشكل مباشر خطب شخصيات دينية وسياسية اقليمية ، لا تتناول القضية العراقية الا من طرف بعيد ، الاصرار على هذا التوجه يعطي مؤشرا اكيدا الى مصادر التمويل فضلا عن تجاهل رغبات الجمهور في تسليط الضوء على الشأن المحلي .
الفضائيات الدينية الشيعية والسنية دخلت في صراع دائم لإثبات حقائق يعود تاريخها الى قبل اكثر من الف عام ، لغرض تغيير قناعات الجمهور بقضايا ترسخت في الاذهان وانتقلت من جيل الى جيل ، العودة الى اثارة الخلاف العقائدي في الوقت الحاضر ، وبشكل مستمر مسعى آخر يصب في صالح تغذية الصراع السياسي القائم في المنطقة بين اقطاب رفعت شعار الهوية المذهبية فصدقها الاتباع من جمهور الفضائيات .
من حق الاحزاب والقوى السياسية امتلاك وسائل الاعلام الخاصة بها لأغراض الترويج لاهدافها وبرامجها ، لكن محاولة تسخير الانتماء المذهبي لكسب الجمهور، يجعلها في دائرة الاتهام بإثارة النزاعات الطائفية وتهديد السلم الاهلي ، في سنوات الاحتقان الطائفي في العراق ، تقاسمت الطوائف المناطق بعد بروز ظاهرة التهجير القسري ، فأصبحت الاحياء السكنية ذات هوية مذهبية وانعكس ذلك على الكثير من المظاهر الحياتية والنشاطات الاجتماعية ، في ضوء هذا الانقسام رسمت الفضائيات العراقية مساراتها ، حددت جمهورها مسبقا ، فوجهت خطابها لمكون اجتماعي محدد استقطب جمهورا واسعا ، وسط انعدام وجود ما يعرف بإعلام الدولة فتحول هو الآخر الى اداة لتغذية النزعة الطائفية في مجتمع يعاني الانقسام ، جراء ممارسات شهدتها السنوات الماضية ابطالها الخارجون على القانون وعناصر ميلشيات مارست القتل على الهوية بنطاق واسع .
جمهور الفضائيات في الاحياء الشيعية ، يتابع فضائياته والعكس صحيح ، الظاهرة ترسخت في العراق نتيجة سوء الاداء السياسي على مدى السنوات الماضية ، تحتاج الى سقف زمني طويل لتفادي تداعياتها الخطيرة ، جهاز استقبال البث الفضائي، اصبح اليوم معيارا وحيدا للتعرف على هوية صاحب المنزل ، والامر ينسحب الى المناطق والاحياء السكنية في بغداد ، الظاهرة شارك الاعلام ذو الخطاب احادي الجانب في تكريسها فتخلى عن رسالته المهنية النبيلة وأشاع الخراب وعاشوا عيشة سعيدة .
فضائيات "البثّ الطائفي"
[post-views]
نشر في: 19 فبراير, 2016: 09:01 م