اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > يعيشون على هامش الحياة .. عمال وحكايات البؤس الطويل

يعيشون على هامش الحياة .. عمال وحكايات البؤس الطويل

نشر في: 21 فبراير, 2016: 12:01 ص

كانوا ومازالوا يبحثون عن العدالة وحياة كريمة تنصفهم .. انهم أهلنا في محافظات الفرات الاوسط والجنوب ممن تركوا ارضهم ومناطق صباهم ميممين وجههم صوب العاصمة بغداد عسى ان تتحقق بعض أحلام وآمال تكسرت ونفوس أتعبها القهر .. فخاضوا غمار رحلة طويلة منذ اربعيني

كانوا ومازالوا يبحثون عن العدالة وحياة كريمة تنصفهم .. انهم أهلنا في محافظات الفرات الاوسط والجنوب ممن تركوا ارضهم ومناطق صباهم ميممين وجههم صوب العاصمة بغداد عسى ان تتحقق بعض أحلام وآمال تكسرت ونفوس أتعبها القهر .. فخاضوا غمار رحلة طويلة منذ اربعينيات القرن الماضي والى الآن بحثاً عن فرص عمل كعمال بناء او بائعي شاي وسكائر او خضراوات وغيرها .. فرص  لم تتأت للكثير منهم فبقوا يعيشون مضطرين على هامش الحياة وفي مناطق سكن لاتتوفر فيها أبسط الخدمات .. حكايات وآنين مزمن قاسمه المشترك هو ذلك الاهمال المتعمد من انظمة وحكومات لتلك المناطق وسكانها برغم ما تتمتع به من ثروات طبيعية زراعية ونفطية ومعادن وآثار وو .. خيرات كثيرة لم تستثمر ولم تستغل لصالح الغالبية العظمى من الناس فظلوا يعيشون حالات بؤس متنوعة كل واحدة منها تشكل ادلة ادانة   لزعامات لم تنصف مواطنيها ..

حياتنا ضيم وقهر ..
أولى هذه الحكايات يرويها المواطن مطرود هاشم مواليد 1950 من أهالي الحمزة الشرقي في محافظة الديوانية سنكتبها من دون تزويق لفظي عدا ما تقتضيه الضرورة حيث تحدث لـ(المدى) بلهجته البسيطة كانت زيارتي الاولى الى بغداد مع خالي الذي اشرف على تربيتي وانا صغير السن ولم يتجاوز عمري السادسة في  الرابع عشر من تموز عام 1958 وهو تاريخ لاينسى فتوجهنا الى صريفة تسكنها خالتي (رحمها الله) مع عائلتها في الكاظمية. وأضاف هاشم: خلال وجودنا كنت اقارن بين حياتي الصعبة في الريف حيث اشارك الفرس حرث الارض على ما يسمى بـ(الفدان). مستذكرا: المسافات الطويلة التي قطعها في صغره..

(الاسطة) والطابوقة
واسترسل المواطن مطرود بحديثه كما أغراني الرز الذي اكلته في بيت خالتي فمنه يسيل الدهن في حين اننا كنا نأكل الرز المطبوخ بالماء فقط. مضيفا: لم تكن والدتي تستطيع ان تضع للرز الدهن الكافي برغم اننا نرعى ثلاث بقرات ونستخلص من حليبها الدهن الذي كنا نبيعه في مركز المدينة لنشتري بثمنه سكرا وشاياً وتبغا (فل) وندفع ثمن العلاج والادوية. منوها: تذكرت كل هذا البؤس فقررت البقاء في بغداد  وانا استمع الى ابن خالتي وهو يتحدث عن ما يكسبه كعامل بناء.. هاشم توقف عند زوج خالته  عامل البلدية بمرتبه البسيط وسكنه الفقير (الصريفة) . مستدركا: لكن في كل الاحوال انها افضل من عيشتنا في الريف، اذ كانت حركة البناء واسعة في الكاظمية فخرجت للعمل كعامل بناء بأجرة لم تتجاوز في ذلك الوقت الربع دينار يرافقها اهانات الخلفة (الاسطة) التي تصل حد الضرب بالطابوقة من دون ان نتمكن من الاعتراض. مبينا: كنت صغيراً وكانت (طاسة) الجص كبيرة فكنت اسبح احياناً بالجص من رأسي الى قدمي متحملاً كل الاهانات من اجل لقمة الخبز المغمسة بالذل ..
كنت احياناً والحديث ما زال لابو سعد مطرود يأخذني الحنين الى الريف فأعود مرة اخرى لكن سرعان ما ارجع الى بغداد فبرغم ما نلاقيّه فان فرص لقمة العيش فيها أكبر وأفضل .. وقال عندما كبرت سكنت غرفا بائسة في فنادق درجة عاشرة واستقريت في العاصمة بغداد وباختصار حياتنا كانت وما زالت ضيم وقهر .. كنا وما زلنا مهمشين !!

حلمنا بالجنة تحوّل الى جحيم
اما نصر علي هليل  شاب من البصرة  يعمل الآن باعمال حديد التسليح يقول لـ(المدى) بعد 2003 كنا نتوقع ان تتحول محافظاتنا الى جنة بعد كل الظلم الذي عانيناه ولكن ما حصل اننا صرنا نعيش في جحيم ونيران فتن مستمرة.  لذا قررت التوجه الى بغداد للعمل اذ باتت الفرصة نادرة جداً في البصرة كما ان الاجور اقل مما هي عليه في بغداد. من دون ان ننسى اننا في البصرة - المحافظة التي نسمع أن بها كل الخير من نفط وغيره - محرومون من نعمة الماء الحلو .. وأضاف الشاب هليل: هنالك اسباب كثيرة تدفع الشباب الى الهجرة منها الثارات العشائرية وفقدان الأمن وسيطرة العصابات والاحزاب الدينية على شؤون الحياة. لافتا: وهو ينفث دخان سكارته لقد صعد اشخاص من قاع المجتمع وصاروا اصحاب ثروات وسيارات وقصور وعمارات ومحطات نفط في حين ان الملايين يتحسرون على رغيف خبز!
 اما سلمان عباس شاب من الكوت يبيع السكائر في ساحة الطيران فقد اكتفى وعيناه اغرورقت بالدموع بماذا ينفع الحديث ومن ينصف المظلوم هل تعتقد ان تركنا لعوائلنا هين علينا. مضيفا: طويت شهادتي الجامعية بكالوريوس ادارة اعمال لآتي الى بغداد وابيع السكائر ولك ان تتخيل اي سعادة نحن نعيشها.

الناصرية مدينة تطرد ابنائها
بهذه الكلمة القاسية بدأ علي محسن  (19 )عاما وهو بائع شاي متجول بين ساحتي التحرير والطيران من أهالي الشطرة حديثه لـ(المدى): حضرت الى بغداد منذ اكثر من عشرة ايام انا وثلاثة من الاصدقاء كل واحد منا اختار مهنة بسيطة بعد ان ضاقت بنا سبل العيش. موضحا انهم تركوا مقاعد الدراسة واستأجروا غرفة بسيطة في البتاويين ويدفع كل واحد منهم ألفي دينار يوميا. متابعا: العيشة صعبة فمعدل ما أحصل عليه من بيع الشاي يتراوح بين عشرة آلاف دينار الى خمسة عشر ألف دينار واحاول الاقتصاد في المأكل والمشرب لكي أوفر ما يمكن لاجمعه وأرسله الى عائلتي.
واضاف الشاب محسن: لو كانت هنالك فرص عمل في الناصرية لما تعبنا وأتينا الى العاصمة لنعيش هذه الحياة البائسة في هذه الظروف الصعبة التي تجبرنا على النزوح. ذاكرا: ان الكثير من اهالي الناصرية يتوزعون في بغداد ليعملوا كعتالة في الشورجة او يبيعون المياه المعدنية والمحظوظ منهم من يعمل في مطعم.
كرار عباس شاب من أهالي النجف يعمل خبازاً في احد مناطق بغداد ذكر لـ(المدى) حاولت ان احصل على عمل في النجف فلم افلح كما ان الاجور قليلة لذا اتيت الى بغداد منذ سنة واشتغلت في هذا الفرن مع مجموعة من الشباب من محافظات اخرى. مسترسلا: أسكن في المخبز فهو مصدر عيشتي وبيتي ولاأعيش حياتي مثل بقية الشباب وهذا هو حالنا فقد فتحنا عيوننا نحن البسطاء من الناس على الحزن والحرمان والوجع.

حركة بناء محدودة
 قد لاتختلف قصة عبد واعي  الرجل الذي تجاوز عمره الاربعين عاما عن قصص الكثير من ابناء جيله ممن نزح من مدن الجنوب والفرات الاوسط حيث يقول لـ(المدى) فتحت عيني على الدنيا لاجد نفسي ابن عائلة فلاحية فقيرة. مستطردا: توفي والدي مبكراً وانا في الصف الخامس الابتدائي فكان لابد لي من العمل فتوجهت الى المسطر وبدأت رحلتي كعامل بناء باجور بسيطة ثم عامل حديد تسليح.
 وأضاف واعي: حياتنا كفاح مستمر وصراع حاولت ان اكمل دراستي في المدارس المسائية لكن الخدمة العسكرية وظروف الحياة القاسية جعلتني أتوقف وانا في الصف الثالث المتوسط. وعن اسباب نزوح العوائل والشباب والتوجه الى العاصمة قال: هنالك اسباب كثيرة لنزوح الشباب من محافظات الفرات الاوسط والجنوب يمكن تلخيصها بعدم وجود فرص عمل كافية فحركة البناء محدودة قياساً الى ماهي عليه في بغداد وهنالك ساعات عمل طويلة واجور قليلة. مبينا:  ان الاراضي الزراعية عانت الجفاف والملوحة والاهمال في كل العهود ما أدى بالفلاحين ومنهم والدي الى ترك اراضيهم. فمدننا تعيش واقعاً مراً حيث لا زراعة ولا مشاريع تستوعب البطالة وتوفر فرص عمل للشباب والوظائف من حصة أهل الحظوة.
في مطعم لبيع الفلافل التقينا الشاب عبد الصاحب مطشرمن العمارة حيث بيّن بحديثه: اسكن في البتاويين منذ ثلاث سنوات واعمل في هذا المطعم البسيط الذي يمتلكه احد اقرباء والدتي. مبينا: لم تحقق بغداد احلامنا فالوضع صعب لكن في كل الاحول الحالة افضل من محافظتنا. متابعا: بعد 2003 عاد أهلي الى العمارة وبالتحديد الهور وتركوا بغداد لكن الاوضاع لم تتحسن فلم يعد الهور مصدر رزق كما كنا نتوقع وعند سؤاله عن مشاريع احياء الهور أجاب كله كلام وشعارات ويمكن لاي جهة ان تزور الهور لترى ما هو عليه.

الانحراف والجريمة
توجهنا الى الباحثة الاجتماعية حنين طارق عبد لنسألها عن انعكاس هذا النزوح على الشباب فقالت لـ(المدى): بالتأكيد ان هنالك انعكاسات سلبية على الشباب بل العوائل بشكل عام. مضيفة: خاصة انهم مضطرون للسكن في غرف بعيدا عن الرعاية مما يولد مشكلات اجتماعية وقد ينحرف البعض منهم فيتجه الى الجريمة او الى تعاطي المخدرات وغير ذلك. وأضافت الباحثة الاجتماعية: مع استمرار ارتفاع نسبة الفقر والبطالة وفي ضوء الأزمة المالية والفساد فان المعالجات تكون بعيدة في ظل هكذا اوضاع. مبدية أسفها: على استمرار الهجرة العكسية من الريف الى المدينة بل من مدن في الفرات الوسط والجنوب الى العاصمة بسبب عجز حكومي على تقليص الفوارق وتوفير عيش كريم لاهلنا في تلك المناطق.
 
40% من الاراضي الزراعية
استاذ الاقتصاد الزراعي د. أحمد حسين قال لـ(المدى) :ان مساحات كبيرة من الاراضي الزراعية تحولت الى صحارى بسبب عدم توفر المياه وانخفاض منسوب مياه دجلة والفرات وهو ما يدفع سكانها الى مغادرتها فلا امكانية للزراعة او تربية الماشية. مبينا: ان هنالك احصائية تقريبية تشير الى ان اربعين بالمائة من الفلاحين تركوا ارضهم وتزداد هذه النسبة سنويا بسبب عدم الاهتمام الحكومي بتطوير القطاع الزراعي وتشجيع المشاريع الزراعية.
واوضح حسين: انه واقع بائس حيث كان يمكن ان ترفد الزراعة العراق بالمحاصيل التي يحتاجها بدلاً من اعتمادنا على استيرادها من دول الجوار. مشددا: ان بعض المزارعين تركوا الزراعة ليس بسبب الجفاف والملوحة بل لعدم قدرتهم على تسويق محاصيلهم وبيعها وبعضهم مني بخسائر كبيرة بعد ان شيد آباراً ارتوازية وتحمل مصاريف كثيرة لكنه اصطدم بالمحاصيل المستوردة. مؤكدا: ان المعالجات ممكنة لكن تحتاج الى خطة جدية من الحكومة والاستعانة بأهل الخبرة والاختصاص من اجل وضع رؤى وافكار للنهوض بالبلد من واقعه الحالي الذي لايسر ولايطمئن.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram