باتت مقاييس الاهتمام بالقصة القصيرة تختلف من حيث اسلوب القاص وطريقة التسويق التي يتبعها المؤلف إضافة إلى دار النشر التي تسوق وتروج للكتاب ، وقد يخطر للبعض ان القصة القصيرة تضيع اليوم خصوصاً بعد التوجه نحو جنس الرواية والتي حازت على أهمية كبيرة خصوصاً
باتت مقاييس الاهتمام بالقصة القصيرة تختلف من حيث اسلوب القاص وطريقة التسويق التي يتبعها المؤلف إضافة إلى دار النشر التي تسوق وتروج للكتاب ، وقد يخطر للبعض ان القصة القصيرة تضيع اليوم خصوصاً بعد التوجه نحو جنس الرواية والتي حازت على أهمية كبيرة خصوصاً بعد ظهور الشائعات التي تقول إن الرواية هي فن المستقبل ، وما جعل الأقاويل تزداد حول غياب القصة القصيرة عن المشهد الأدبي هو توجه العديد من القاصين لكتابة الرواية ، ومن أجل الحصول على توضيح بشأن جنس القصة القصيرة الأدبي قامت "المدى" بإجراء استطلاع حول أهمية القصة القصيرة ومدى حضور هذا الفن في المشهد الأدبي اليوم وأسباب غياب هذا الجنس الأدبي .
حيث قال الناقد والكاتب على الفواز "لا يوجد تحديد لمستويات القراءة للقصة القصيرة او الرواية فكثيرا ما نسمع إن هنالك ضعفا في قراءة الشعر والقصة القصيرة وانحيازاً لقراءة الرواية ولكن لاتوجد هنالك إحصائيات او معلومات واضحة ."
وأضاف الفواز قائلاً "إن التقييم أحياناً يهمل الجانب الفني فكثير من القصص القصيرة التي تُكتب والتي تتمتع بفنيات عالية هي التي تحفز القارئ على الميل لها وقراءتها بسبب قيمتها الأدبية والفنية ، اما بالنسبة للمؤلفات الروائية التي تكتب بالداخل والخارج فهي لا تعني ان الرواية انتعشت بالكامل فعدد كبير من الروايات لا يستحق القراءة لأنها لا تمتلك مادة ذات اهمية عالية او موضوعة حقيقية ولا يحظى مؤلفها بأن يتحول الى ظاهرة ."وبين الفواز "القصة القصيرة فن قلق يقع في منطقة بين الرواية وبين الشعر وشيء اخر. أغلب الروائيين العراقيين هم بالأصل قاصون والبعض من الروايات هي بالأصل قصة لأنها تمتلك الشروط الفنية للقصة مثل الزمن والشخصيات ومستوى البناء ومحدودية الموضوع وطبيعة الشخصية وهي من ضمن حدود القصة ، لذلك أعتقد ان موضوع عدم قراءة القصة او قلة القاصين ليست فيه موضوعية ولكن القاص العراقي بدأ يميل لكتابة الرواية لسببين الاول إن هنالك اشاعة تقول إن الرواية هي فن المستقبل والرواية اصبحت ديوان العرب بدل ديوان الشعر وإن القصة قد انتهى زمنها واعتقد ان هذا الموضوع غير دقيق لا تقنياً ولا فنياً ، والسبب الثاني هو بروز كتب النقد الحديث ."
وأكد الفواز قائلاً "يبقى جمهور الرواية والقصة القصيرة هو الجمهور المثقف واعتقد انه جمهور حي وموجود ولكن ما يهدد الأجناس الفنية هي الفورة الرقمية وذلك نتيجة تصدير كتب ومجلات رقمية فمن يتابعها يجد إن عشرات المجلات والكتب القمية الموجودة اليوم تحتوي على قصص قصيرة ولكن على القارئ أن يتحرى الأماكن التي توجد فيها قصص قصيرة وجوانب سردية وروائية" ، ذاكراً "والدليل على بقاء القصة القصيرة حيّة هو ظهور العديد من القاصين الشباب اليوم أمثال حميد العقابي ، وبرهان شاوي ، وحسن بلاسم ، وحميد المختار ، وهؤلاء حاولوا كتابة الرواية لكنهم ظلوا قريبين من جنس القصة القصيرة . "
فيما ذكر القاص حميد الربيعي قائلاً "القصة القصيرة على مدى عمر كتابتها – في العراق – كانت ومازالت لها جمهورها الخاص، الذي يتلقفها ، خاصة وأنها سهلة النشر، من خلال الصحف أو المجلات ، على العكس من الرواية التي تحتاج إلى طباعة كتاب بذاته لطولها ، لهذا كان توصيلها أسرع واقترن انتشارها بمدى مساهمة الصحافة الثقافية في مجال إتاحة المعرفة إلى القراء . "
وبيّن الربيعي قائلاً "نتيجة اختلاف وسائل الاتصال أصبح انتشار القصة القصيرة سهلا ومتاحا بيُسر أمام القارئ ، وهذا أيضاً دفع إلى تقليص حجم القصة القصيرة من أجل تغيير نمط الحياة إلى الاتجاه السريع ومن أجل سهولة متابعتها ، ولكن هذا لم يؤثر على البناء الفني للقصة القصيرة إذ استحدث القصاصون ما يُعرف بالقصة القصيرة جداً من أجل التكيّف مع الظروف المُستجدة . "
وأكد الربيعي قائلاً "رغم المتغيرات السريعة في الحياة وتطور الأجناس الأدبية ، بالإضافة إلى تداخلها ، الا أن القصة مازالت راسخة في سوح الإنتاج الإبداعي ، سواء أكانت عربية أو عالمية ، فهي التي مازالت تمتلك البرق الخاطف والجملة بلغتها الشاعرية ونوعية المواضيع التي تتناولها . " لافتاً الى أن " ليس من الضروري أن تكون دور النشر هي المقياس الرئيسي لانتشار القصة القصيرة بالرغم من أهميتها إلا أن الإبداع هو النقطة الأساسية ليكون المُؤَلَف راسخاً في ذهن القُراء ."
بدوره ، ذكر القاص كاظم حسوني :" لم تغب القصة القصيرة العراقية عن المشهد الإبداعي أبداً ، بل لها حضور وفاعلية كبيرة في الأدب العراقي منذ خمسينات القرن الماضي إلى يومنا هذا . "
وبيّن حسوني قائلاً "لعل أبرز فرسان السرد القصصي في الخمسينات فؤاد التكرلي وعبد الملك نوري ومهدي عيسى الصقر وغيرهم ، وظهر دورها على نحو لافت في حقبة الستينات كما هو معروف بقامات إبداعية كبيرة ما زال حضورها وتأثيرها راسخا في ساحة السرد ، وقدموا إبداعات قصصية قيمة أمثال القاص الكبير محمد خضيّر وجليل القيسي وفهد الأسدي واحمد خلف وجمعة اللامي وحنون مجيد وأسماء أُخرى . " مؤكداً :"إلى جانب عدد القاصين الكبير نجد جمهورا واسعا وقراء كثراً يتابعون نتاجات ومنجزات هذا الفن الجميل ."
وأضاف قائلاً :"باعتقادي إن القارئ العراقي يميل وبشكل واضح إلى قراءة القصة القصيرة إضافة إلى ميل الكتاب أكثر للفن القصصي لذا ازدهرت القصة وتعدد كتابها من الجنسين ، لكن هذا ليس على حساب الرواية وإنما العكس أجد أن الرواية أيضا تشغل مساحة واسعة في الكتابة الأدبية بشكل لافت ."
بدوره ، قال ستار محسن عن دار سطور للطباعة والنشر ان "المجاميع القصصية غير مربحة تجارياً لأن الإقبال اليوم نحو الرواية وأغلب كتاب القصص والشعراء اتجهوا إلى كتابة الرواية لأننا في العراق نمر في منعطف تغيير من مجتمع استبدادي الى فضاءات حرية . "
وبيّن محسن قائلاً "ان الجنس الأدبي الذي لا يحظى بالقراءة هو ذلك الذي لا يمتلك قيمة ثقافية وفنية وأدبية حقيقية ويخلو من الموضوع ، سواء أكان في مجال السرد أو الشعر" ، مؤكداً "هُنالك تجارب قصصية لاقت نجاحا لافتا وكبيرا بسبب موضوعتها مثل "معرض الجثث" لحسن بلاسم والتي تعتبر من المجاميع القصصية المتميّزة حيث استطاع الكاتب الانسجام ومزاج القارئ وقد تُرجمت إلى أربع لغات وفازت بجائزة مجنون ساحة التحرير . "
وأشار قائلاً "لابد من ذكر نقطة مهمة جداً فهُنالك الكثير من كُتب القصص القصيرة المهمة والمميزة إلا انها لم تحظَ بتسليط الجانب الإعلامي عليها ، إضافة إلى ضعف التسويق والترويج لها ما جعلها لا تظهر في المشهد القصصي ، فبالإضافة إلى أهمية أسلوب القاص وماهية الفكرة المطروحة يجب عدم تناسي جانب الترويج والتسويق الذي له تأثير كبير على المادة المطروحة . "
وأوضح قائلاً "من الخطأ إطلاق حكم مطلق على غياب أو ضعف الجنس الأدبي-القصة القصيرة - إلا إن وجود هذا الجنس متعلق بموضوع القصة وأسلوب طرحه ودور النشر التي تعمل على الترويج والتسويق للكتاب . "
وبين ان بين موضوعة القصة وقيمتها الأدبية والفنية ، والتقنية العالية للقاص ومدى إقناعه للقارئ ، وبين فعالية دور النشر والتوزيع في إعطاء المُؤَلَف حقه ، تحاول القصة القصيرة مُلامسة مشاعر وفكر الجمهور لتكون الجنس الأدبي الأكثر تداولاً والأكثر وصولاً إلى يد القارئ الحديث.