في ندوة دارت حول الفساد الإداري ، تحدث مدير عام إحدى الدوائر بأسلوب ساحر عن موضوعة الفساد الإداري ابتداءً من زمن صدام حسين وحتى الآن ..كانت كلماته مشفوعة بأدلة دامغة وحقائق جلية نكأت جراح كل الشرفاء في القاعة وضاعفت من مرارة نفوسهم فأغلقت " الموبايلات" وأطبق الصمت ولم يعد يسمع في القاعة إلا زفرات بائسة ، ولا يرى فيها إلا هزات رؤوس مؤيدة ، بينما ظل صوت المدير يطرق بمطارقه القاسية على ذاكرة وعقول الحاضرين ، معبرا عن رغبة دونكيشوتية بتغيير العالم .. كان قد حاول ان يبريء دائرته من تهمة الفساد الاداري وبدا عليه الصدق الوفير في رفضه للفساد ومساعيه الى إزالته لاسيما وانه لم يكن من بين الذين طالتهم الاصلاحات الاخيرة لعدم وجود نقاط سوداء في تاريخه الاداري ولكن ، هل كان واثقاً من خلو دائرته منه ؟ وهل يمكن لأي مدير عام يمتلك الكثير من الشرف والنزاهة ان يوازن اطراف معادلة اختلت منذ زمن حين صار يقف في أحد طرفيها مدير حسابات " حرامي " وفي الطرف الآخر مدير " نزيه" او يحدث العكس تماما ؟ ومع مرور الايام يلقي مسؤول الحسابات بشباكه المغرية ليصطاد نزاهة المدير العام فيشركه من دون ان يدري في عمليات سرقة تكمم فمه ...او يقوم المدير العام " الحرامي " بتسهيل السُبل امام مسؤول الحسابات الشريف ليسرق وعندما تزل قدمه يعرض عليه انقاذه مقابل المشاركة في الغنائم !!
لقد تحدث المدير العام عن هذه المعادلة بصراحة ولم يخف خشيته من عواقب صراحته فعقوبة الصدق في هذه الايام رصاصة او استبعاد من مسؤول اكبر ..لا أكثر!
بقي ان نقول له ان صراحته وصدقه لم يفعلا اكثر من تحريك المياه الراكدة في نفوس الحاضرين فالحل لا يزال مفقوداً ، واذا ما كان يمكننا اعتبار المحاكم حلا فقد قال صدام حسين عن القانون سابقا انه ليس اكثر من (جرة قلم ) وأظنه صار اكثر من ذلك الآن بعد ان تعددت مناشيء " التوصية " و" الرشوة " و" الواسطة" و" التهديدات " التي تحوّل القانون الى مجرد خربشة على الورق وليس " جرّة قلم " فقط .
وفي هذا الزمن الذي ينتفي فيه الصدق ، ويقوم احد المدراء العامين بنقل عدد من موظفي دائرته الى دوائر بعيدة عن منازلهم لمجرد تظاهرهم داخل الدائرة على حالة تقصير فيها ، سيظل الشك يراودنا وعذرنا معنا ، ذلك اننا نسمع كلاما يحوّل قائليه الى أنبياء في زمن انتهكت فيه النبوة الحقيقية وحين ننظر الى سلوكياتهم ندرك ان زمن النبوة انتهى تماما. فالمسؤولون مثلا يصرحون "بمثالية " عن ضرورة الوحدة الوطنية ، وسلوكياتهم تنافي ذلك وتحيل العراق الى فريسة تحوم حولها الذئاب ...فيا أيها المدير العام الشجاع ، نشكر لك صدقك وصراحتك التي لن يصدقها كثيرون برغم انك لم تحاول ادعاء النبوة وتحدثت بمنطقية وتواضع ، وتحسس رقبتك جيدا وانت تحارب الطواحين فما زلنا عاجزين ان نشير للفاسدين او الظالمين بأصابعنا ونتهمهم مواجهة!!
جـرَّة قلـم
[post-views]
نشر في: 22 فبراير, 2016: 09:01 م