اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > أحداث ومتغيرات تتسبب بموت الأعراف والتقاليد الاجتماعية

أحداث ومتغيرات تتسبب بموت الأعراف والتقاليد الاجتماعية

نشر في: 28 فبراير, 2016: 12:01 ص

الجلوس في (الباص الاحمر) حافلة نقل الركاب  يختلف عن وسائل النقل الأخرى من حيث حجم السيارة ومسافة الجلوس بين الركاب والسائق و(الجابي) الذي يقوم بقطع تذكرة الصعود ، استوقفني منظر المرأة الكبيرة في العمر التي صعدت الى الحافلة ذي الطابقين  من م

الجلوس في (الباص الاحمر) حافلة نقل الركاب  يختلف عن وسائل النقل الأخرى من حيث حجم السيارة ومسافة الجلوس بين الركاب والسائق و(الجابي) الذي يقوم بقطع تذكرة الصعود ، استوقفني منظر المرأة الكبيرة في العمر التي صعدت الى الحافلة ذي الطابقين  من منطقة السنك وهي تحمل صندوقا كارتونيا ، وكادت أن تسقط عندما حاولت الصعود ، لم ينهض أي من الجالسين لمساعدتها او حتى فسح المجال لجلوسها ففضلت الوقوف على ان تصعد السلم الى الطابق الثاني لانها لاتستطيع ذلك. ساعتها تذكرت أيام الدراسة وكيف كان يحثنا المعلم على مساعدة الكبير. لكن لِم تغير كل ذلك؟.

إختر الجار قبل الدار
الحالة هذه كانت كافية للعودة بنا الى زمن وسنوات مضت تجعلنا نستذكر عندما كنا نشاهد الرجال ينهضون من اماكنهم لجلوس النساء في باص المصلحة او مساعدة الجارة عندما تكون حاملة لأكياس ممتلئة بالفاكهة والخضار من قبل شباب المنطقة ويهمّون الى ايصالها الى باب المنزل ، ام بلال في العقد السادس من العمر قالت: الجيران الآن ليسوا كالسابق وحتى اولادهم اصبحوا لايهتمون براحة ومساعدة  الجار. مبينا: العكس من ذلك فقد بات الكثير منهم يتجاهلون بعضهم البعض. ذاكرة: قبل فترة كنت بحاجة الى مساعدة وذهبت الى  دورية شرطة لمساعدتي في سحب (واير المولدة الذي سقط بسبب هطول الامطار ) لان جاري وصاحب المولدة رفض مساعدتي علما انه ليس لدي ابن يمكن ان يقوم بذلك ولست قادرة على تأجير عامل. حقيقة الناس تغيرت اخلاقها وطباعها وسابقا كان يقولون إختر الجار قبل الدار.

اختلاف الذوق العام
بينما علق محمد قاسم  متقاعد: الوضع الامني وعدم الاستقرار هو من جعل الناس تتجنب مساعدة الآخرين فكم من حادث او مشكلة كانت سببا لحدوث مشاكل بسبب عدم  تقديم المساعدة. مضيفا: اذا كنا نقول ان الذوق العام اختلف فكل شي له أسباب ومسببات ايضا.
ومن بين الظواهر التي لفتت انتباه قاسم قال: من الاشياء التي تسيء كثيرا للذوق العام الحديث بسيارات نقل الركاب العامة او اي مكان عام اخر. مبينا: ان هناك اشخاصا لايهتمون بالاخرين فيبدأون الحديث بصوت عال في السيارة خصوصا (الكيا) ربما يصل الى الصراخ وعلى الجميع  سماع كلامه. لافتا: أما اذا كان الكلام بالهاتف النقال فهنا الطامة الكبرى لان المتكلم ينسى نفسه ويبدأ الحديث حتى عن امور خاصة لايستوجب الحديث بها أمام الاخرين ولايستطيع اي من الركاب ان يقول له (ممكن الصوت) لانه هنا قد يتعرض الى الفصل العشائري.
بينما قالت الاء أحمد موظفة : ان الرجال اصبحوا لايهتمون من يجلس معهم في سيارات النقل رجلاً او امرأة فالتدخين والتكلم بصوت عال وحتى المضايقة في الجلوس أصبحت أمور اعتيادية. منوهة: قبل فترة طلب رجل مسن من شاب ان يطفئ السيكارة لان السيارة كانت مزدحمة بالركاب الشاب أجاب الرجل المسن (ماأطفيه ميعجبك إنزل). موضحة: المفارقة هذا الشاب كان يسمع الاغاني عبر الهدفون ويدخن ويتكلم بصوت عال مع صديقه الجالس بجواره وكأنهم في مقهى.

السفر والهجرة والتقاليد
التغيرات والظروف التي مرت على العراق جعلت الكثير من المعتقدات والقيم والذوق العام والتي ترتبط بالكثير من التصرفات تتغير وتتأثر وتنعكس على الجيل القادم متأثرا بالتطور التكنولوجي الذي جعل الكثير من الشباب لايأبه ولايفكر بقيم لم تكلف العائلة شيئا اذ ما ربتهم عليها لكن للأسف الامر انعكس في ظل هذه الظروف والمتغيرات التي مرت علينا ونعيشها الآن ، عن ذلك قالت الباحثة والاكاديمية د. نور القيسي لـ(المدى ): بسبب التغييرات التي طرأت على  المجتمع والهجرة والسفر لبلدان لاتمثل طبائعنا تأثر الكثير من الشباب بتلك الامزجة التي لاتمت بصلة لواقعنا الاجتماعي. مردفة:  كما ان الوضع الأمني له اثر في تصدع القيم  حيث كان في السابق  تقديم المساعدة من ايصال المسن اوغيره سواء تعرفه أو لا ، أمرا طبيعيا بسبب تحرك الدافع الانساني أما الان فقد  احترق الاخضر بسعر اليابس.
واضافت القيسي: وبسبب قضايا الشرف والتحرش انحسر الى حد كبير تقديم الرجال المساعدة للنساء سواء كان في العمل او في الشارع والسوق. خوفا من أن لا يتصور البعض ان هذه المساعدة هدفها التقرب للمرأة. مستدركة: لكن مازال هناك من النفس العراقية الاصيلة وأملنا في عودة التعاون بين الاصدقاء والجيران حسب العادات والتقاليد العراقية.

 الإيثار والدافع الانساني
الباحث الاجتماعي محسن النوري أكد في حديثه لـ(المدى)  أن الخلق الذي طُرح والذي تتحلى به طبقة كبيرة من المجتمع ماضياً وحاضرا ومستقبلا يسمى الإيثار. موضحا: انه درجة متقدمة في الكرم والجود هي من أجمل معاني التضحية والبذل. متابعا: حين يتخلى الفرد منا عن امتياز ما  قل او كثر في سبيل أن يتحلى بصفة محمودة سواء كان الدافع من وراءها انسانيا او دينيا ..
واضاف النوري: هذا الخلق العظيم كـ غيره من الصفات والاخلاق الحميدة التي ينبغي لكل إنسان ان يتصف بها وهي أساس انسانيته من جهة وأساس التزامه الديني وبيان أفضليته من جهة اخرى. مشددا: ومن المفروض أن يتعلم هذه الأخلاق كل فرد منذ نعومة أظافره وتُنقش في ذهنه ويمارسها الكبير أمامه لتكون دستورا في مسيرة حياته لا يمكنه التخلي عنها تحت اي ظرف غير مناسب.

نصائح الاهل والاساتذة
وأوضح الباحث الاجتماعي: إن الإيثار بما طُرح لا يقتصر على قيام شخص من مقعده في الباص لحساب امرأة او رجل كبير وما الى ذلك. مضيفا: بل يشمل كل مفردة إنسانية يعيها الفرد المثقف انسانيا ودينيا، فهو كما يحب أن يعامل من قبل الآخرين ويؤثرون على أنفسهم لصالحه، بكل شي بمقعد الباص او القطار او الطائرة او دائرة حكومية او استراحة وما الى ذلك.
واسترسل النوري: بعض الشباب اليوم وبعد تأثرهم بواقع التكنولوجيا الحديثة أصبح يرى هذه الامور ثانوية. مستطردا: خصوصا مع عدم انصياعهم لنصائح ابآئهم وأساتذتهم وانشغالهم بكل ما هو جديد في عالم المادة التي فصلت بينه وبين الجانب المعنوي لديه. مضيفا: فضلا عن تعلقه بما يملك الى الحد الذي ينسى او يتناسى على أقل تقدير موضوع الكرم والإيثار والمروءة.

الكبت والحرمان والدكتاتورية
اما الاكاديمي والاعلامي ماجد الربيعي فقد تحدث لـ(المدى): من دراسة واقع المجتمع العراقي تبين انه يتأثر ويتغير بفعل العوامل الخارجية وعمليات التغيير القسري. مردفا: أقرب مثال لذلك هو التحوّل المفاجئ الذي أصاب المجتمع بعد 2003 بصنفيه الايجابي والسلبي. متابعا:  حيث حاول بعض أفراده او جماعاته اختزال اقوام متمرسة بالانفتاح ولها تاريخ عريق حيث أصاب البعض منهم هوس الديمقراطية المفرطة وصل الى حد الجنون ، بعد ان كان يعيش الكبت والحرمان ومصادرة الآخر والدكتاتورية ، مما ولّد في الاسرة والمجتمع معا اشكالات عويصة في المعاملات الاسرية والمجتمعية لتظهر ثقافات غريبة عند البعض من الناس اغلبها لايمت بصلة لتاريخ العادات والتقاليد العراقية.

الحصار والفرد العراقي
المدرّسة بشرى الجبوري ذكرت لـ(المدى) ان الشاب العراقي تغيرت طبائعه ومعتقداته واعرافه الاجتماعية ومنها احترام الذات والمرأة بشكل خاص. مبينة: كان الشاب يقف طوال الطريق كي تجلس المرأة. الكثير منهم يرمي سيكارته في حال الصعود الى سيارة النقل العام. متسائلة : ماالذي حدث في مجتمع  له اعراف وتقاليد وطباع هُمشت بين ليلة وضحاها.
واسترسلت الجبوري:  توجد عوامل كثيرة لذلك منها الذي مر على العراق ساهم في تهيئة الارضية لهدم كل تلك التقاليد والاعراف الانسانية. مشيرة: الى الحصار الاقتصادي ترك أثره الواضح على نفسية الفرد العراقي. الوضع الاقتصادي له اثر كبير بذلك اضافة الى عدم المتابعة من قبل الأهل وتربية اولادهم على روح التعاون والتكافل بين الجيران وأبناء المحلة.

القدوة عبد الكريم قاسم
مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية.د.قاسم حسين صالح أوضح لـ(المدى): نتفق نحن السيكولوجيين على ان القيم هي التي تحدد السلوك، وان اختلاف الناس في تصرفاتهم يعود الى اختلافهم في القيم. مضيفا: ان القيم هي التي لها التأثير الأكبر في ثقافة المجتمع والذوق العام، وهي التي تتأثر اكثر من غيرها حين يتعرض المجتمع الى تغيرات فكرية جديدة أو أحداث كبيرة كالحرب.
واسترسل صالح بحديثه: الكارثة انها حدثت في العراق بشكل لم تحدث في اي مجتمع آخر معاصر، سواء من حيث حجم الكوارث في حروب متلاحقة او طول زمنها الذي دخل سنته السادسة والثلاثين. مستطردا: وبوصفي سيكولوجست وبروفيسور من عشرين عاما، فأنني احمّل السلطة مسؤولية ثلاث قضايا:تهرؤ الضمير الأخلاقي / ضعف الالتزام بالقيم الدينية / اشاعة ثقافة القبح. مبينا: من الطبيعي ان المجتمع الذي تتفكك فيه هذه القيم يتردى ذوقه العام، فضلا عن انعدام النموذج (القدوة) في السلطة.. ولنا ان نتذكر كيف كان الذوق العام في زمن عبد الكريم قاسم الذي كان يمثل القدوة في النزاهة وحب الناس، وكيف تردى الآن في زمن حكام فاسدين ورجال أطالوا اللحى وجعلوا الناس يسخرون من القيم الدينية.

الفقر وضياع العمر
 وأضاف البروفيسور: الكارثة، ان من بقي متمسكا بالقيم الاجتماعية الأصيلة والقيم الدينية الحقيقية هم جيل الكبار الذي يحتضر. مردفا: فيما جيل الشباب بالكامل، ولد في حرب ونشأ في حرب ويعيش حروبا ينجم عنها بالتبعية شيوع الآنانية وتردي ذوقهم العام. لافتا: يضاف لهم جيل متمرد من الاطفال والمراهقين بفعل انبهاره بثقافة غربية عبر الانترنت، جعلته يفهم بشكل مغلوط أن قيمنا الاجتماعية متخلفة فتمرد حتى على والديه، باستثناء من ينتمون الى أسر مثقفة او ملتزمة دينيا. وختم رئيس ومؤسس الجمعية النفسية العراقية حديثه: فضلا عن حالة سيكولوجية لا يدركها كثيرون هي ان  الفقر والشعور بضياع العمر واليأس من المستقبل والخوف من المجهول، تؤدي بالتبعية الى تردي الذوق العام.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram