TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الدربُ الذي لم يُطرق

الدربُ الذي لم يُطرق

نشر في: 28 فبراير, 2016: 09:01 م

كتب الشاعرُ الأمريكي روبرت فروست (1874 ــــ 1963) قصيدةَ "الدرب الذي لم يُطرق" في عام 1916، حين كان مقيماً في انكلترا. وقيل أنه كان بصحبة الشاعر إدورد توماس الذي تجند في الحرب العالمية الأولى وقتل فيها، حين راودته فكرة القصيدة. ولعل شهرتَها متأتيةٌ من غموضِ مقاصدِها، واختلافِ الاجتهاداتِ النقدية بشأنها. المتحدثُ في القصيدة يقفُ عند مُفترقِ دربين في غابٍ خريفي. الدربان وطأتْهُما أقدامُ العابرين. فكّر أن يختارَ واحداً، ويتركَ الآخرَ لفرصةٍ أخرى، مع معرفته أن فرصةً كهذه قد لا تتحقق. على أنه يُقرُّ بأنه في المستقبل سوف يُعيد استحضارَ المشهد بشيءٍ قليل من التحريف: بأنه سلكَ الدربَ الذي لم يُستخدم بكثرة.
عادةً ما تنطوي صورةُ مُفترقِ الطرقِ على معنى الحيرةِ بين حريةِ الاختيار لدى الإنسان وبين القدرِ الذي لا خيار فيه: نحن أحرار في أن نختارَ بين طريقين، ولكننا لا نعرف عن يقين أيهما الأصلح. مسارُ حياتنا وليدُ اختيارٍ ومصادفة، ولا سبيل إلى الفصل بين هذين. إن المُتحدثَ في القصيدة، في شيخوختِه وحدها، يشعرُ بحاجةِ الاستدارةِ إلى حياتِه الماضية، وإعطاءِ أهميةٍ لخياره. في مقاطعِ القصيدة الثلاثةِ الأولى، لم يُبدِ المُتحدثُ ندماً ولا إحساساً بقيمة قراراته. ولكنه يحاول في شيخوخته أن يعطي قيمةً للنظام لماضيه. إن الحجةَ في اختيار "الطريق الذي لمْ يوطأ كثيراً" زائفة، ولكن المتحدثَ يظلُّ متشبثاً بقراره، لا بسبب الطريق الذي اختاره فقط، بل لأن عليه أن يختار بالدرجة الأولى.
إن حسرةَ الكائن عبر العصور ليستْ بسبب القرارتِ الخطأ التي اتخذها، بل بسبب لحظاتِ الاختيار المحيرة ذاتها، تلك اللحظات التي يحدّدُ تراكمُها على بعضٍ مسارَ حياته. إنها الدافعُ الأساس لمشاعر الندم.
الدربُ الذي لم يُطرق
دربان افترقا في غابٍ أصفرَ اللون،
ولأني وحدي المسافرُ ليَشقَّ عليّ
أن أعجزَ عن قطعِهماً معاً، فوقفتُ طويلاً
أتتّبعُ أحدَهما قدْرَ المستطاع
إلى أنْ  تلاشى بين الشجرِ المتشابك.

وبقدْرٍ من الاعتدال تتبعتُ الآخر،
علّني أقع على الخيارِ الأصوب
خاصةً وقد كان مُعشباً .. وموطوءاً بكثرة.
على الرغم من أن كثرةَ العابرين
قد وطئت الدربينِ بالمقدارِ ذاته.

وكلاهما ذلك الصباح امتدا بتساوٍ
بأوراقٍ لم تُحِلها سوداءَ وطأةُ الأقدام.
يا للحسرةِ، أني أبقيتُ الأولَ لفرصة أخرى!
وبعد معرفتي كيفَ تقودُ الطرقُ إلى بعضٍ
شككتُ بضرورةِ العودةِ ثانيةً.

سوف أروي هذه الحكايةَ مُفْعمةً بالحسرة
في مكانٍ ما آخرَ لأزمانٍ مُتتالية:
دربان افترقا في غابٍ، وأنا
أخذت الطريق الذي لم يوطأ كثيراً،
وفي هذا يكمن الفرق كله.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram