كعادتنا ننشغل بهمومنا المحلية ونغفل عن ملاحقة التطورات التي تدور في الاقليم، والتي لها تماس حقيقي ومباشر بأوضاعنا الداخلية وتشكل علاقاتنا بمحيطنا. فالدول، بحسب علم الجيوبوليتك، ليست جزرا معزولة، وهي بالتالي خاضعة لتأثيرات ما يحيط بها. وعلى هذا الاساس تتحدد قوة وضعف، غنى او فقر، اي دولة من الدول.
من هنا، لا تعود سياسة الحياد والنأي بالنفس، التي ينادي بها الكثيرون، أمرا واقعيا لا سيما في منطقة تعتبر من أعقد الاقاليم لجهة تشابك المصالح، وامتدادها خارج اسوار الحدود التي رسمتها اتفاقية سايكس / بيكو. فالحياد اصبح من كلاسيكيات الحرب الباردة، والقرن الماضي.
وتتكشف ضحالة مثل هكذا ادعاءات بشكل أكبر واوضح في عصرٍ يتواصل فيه العالم عبر الواي فاي والايفون، ولا يستغرق انتقال الاخبار من شرق الكرة الارضية الى غربها سوى دقائق معدودة.
أسوق هذه المقدمة، للفت الانتباه الى تطورين مهمين شهدناهما مؤخرا في سوريا وايران. ففي الاولى أدت، صلابة جبهة نظام الأسد وداعميه، الى فرض وقف لاطلاق النار، بالاتفاق مع اميركا، تستثني تنظيمي داعش والنصرة.
لم يحظ هذا التطور بالاهتمام المطلوب عراقيا. فبعد أكثر من 18 شهراً نقاتل داعش، ولكننا لم نحقق نصراً ستراتيجياً على التنظيم رغم الدعم الدولي، والتحشيد الشعبي الذي أوقف المد الارهابي بعد سقوط الموصل.لقد مرّ الاعلام العراقي مرور الكرام على هذا التطور، الذي له انعكاساته وارتداداته على علاقاتنا الداخلية والخارجية. لم نُخضع هذا التطور الجيوسياسي، اذا ما اعتبرنا داعش والارهاب لاعبيين دوليين، لما يستحقانه من التحليل العلمي والمهني.
لم يسأل الاعلام العراقي، لماذا نقاتل منذ صيف 2014، ولم نستعد الفلوجة التي لا تبعد اكثر من 40كم عن بغداد، ولماذا يدخل تحرير الموصل نفق التكهنات. لماذا نقاتل في مدننا في وقت لازالت الحدود مع سوريا مفتوحة؟ لم يسأل اعلامنا، لماذا يتم تحرير الرمادي بنسبة تدمير فاقت الـ 80%، من دون حسم التفوق على أرض المعركة.
على الجانب الإيراني، فقد مرت انتخابات البرلمان ومجلس الخبراء، ايضا مرور الكرام. فلم يهتم الاعلام العراقي بأهمّ اقتراعيين شارك فيهما اكثر من 35 مليون إيراني لاختيار مرشحيهم من الاصلاحيين والاصوليين.
ظلت صورة إيران، منذ ثمانينيات القرن الماضي، لدى الكثير من العراقيين حبيسة المنظور القومي والبعثي المعادي، مقابل الآخر الاسلامي والمذهبي المتعاطف.
قبل ذلك، لم يحفل العراقيون ولا إعلامهم، بالاتفاق النووي الذي أبرمته طهران مع دول الغرب. ولولا اصرار طهران على عقد احدى جولات مفاوضاتها مع مجوعة 5+1، في بغداد عام 2013، لما اهتم العراقيون بهذا الحدث الذي شغل العالم.
يجهل اغلبنا الفرق بين الاصلاحيين والاصوليين، وتبادلهما الادوار في مراكز القرار ضمن هيكلية نظام الجمهورية الاسلامية. فمعرفتنا تقتصر على وجوه التيارين المتنافسين، رفسنجاني وخاتمي، لاريجاني، وهاشمي شاهرودي، موسوي وكروبي. نكتفي بمعرفة هذه الوجوه من دون الاهتمام بالتوجهات التي يحملونها، وتأثيراتها علينا كبلد يمتلك مشتركات كثيرة وعميقة مع الجارة الشرقية.
عراقيا، لا تبدو التأثيرات كبيرة على مستوى السياسة الايرانية، رغم الزخم الذي حظيّ به الاصلاحيون بزعامة الرئيس حسن روحاني وزميله رفسنجاني. فالدستور الايراني يمنح المرشد صلاحية رسم السياسة الخارجية لبلده، كما يمنحه ايضا سلطة واسعة على أدوات تنفيذها، سواء في وزارة الخارجية، او الحرس الثوري.النتائج غير النهائية للبرلمان الايراني العاشر لا تعطي الاصلاحيين اكثر من 30%. وهم سيخوضون معارك مع التيار المتطرف والمعتدل للسيطرة على البرلمان بهدف تذليل الصعاب أمام برنامج روحاني في ملفي الاقتصاد، بعد رفع العقوبات، والحريات، بالاضافة الى علاقة طهران مع الغرب.ويكمن رهان الاصلاحيين، بالدرجة الاساس، على استعادة المبادرة داخليا، واعادة ترتيب الصفوف، بعد النكسة التي تلقوها في انتخابات 2009. يحاول الاصلاحيون ترتيب البيت الداخلي وتخفيف المضايقات التي تعرضوا لها طيلة 7 اعوام.
لكن يبقى رفسنجاني الرابح الاكبر في هذين الاقتراعين. فقد أعادت له الانتخابات الاعتبار بوصفه رقماً صعبا يتعذر تجاوزه رغم تعاطفه مع قادة الحركة الخضراء، المبعدين كمحمد خاتمي، او المعتقلين كمير حسين موسوي وكروبي.
يجب قراءة المعطيات الانية التي افرزتها الانتخابات البرلمانية، وتحليلها على اساس التطورات بعيدة المدى، في ضوء نتائج مجلس الخبراء الذي سيتولى مراقبة المرشد والمؤسسات التي يديرها خلال السنوات الثمانية القادمة.
طهران ودمشق ليستا في المريخ
[post-views]
نشر في: 28 فبراير, 2016: 09:01 م