TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > دولة عبد المهدي

دولة عبد المهدي

نشر في: 28 فبراير, 2016: 07:04 م

 لابدَّ أنّ القيادي في المجلس الأعلى الإسلامي ووزير النفط عادل عبد المهدي يركن إلى لغة الأرقام بحكم درس الاقتصاد الذي تلقّاه في الجامعة، ثم درس التجربة العملية في مواقع المسؤولية العليا في الدولة في غضون الثلاث عشرة سنة الماضية.
في مقاله اليومي في "العدالة"، كتب السيد عبد المهدي أمس محذّراً السياسيين والإعلاميين من "التسريبات وبالونات الاختبار"، وداعياً إلى "التهدئة والإجراءات المدروسة الحازمة"... والمناسبة التي يقول فيها السيد عبد المهدي هذا الكلام، الحملة الإعلامية المتصاعدة والحركة الاحتجاجية المتواصلة ضد الطبقة السياسية المتنفذة في السلطة، بسبب عدم تجاوبها مع مطالب الشعب بالإصلاح والتغيير، وكذا التظاهرة الكبيرة التي نظمها التيار الصدري وألقى فيها زعيم التيار مقتدى الصدر كلمة حذّر فيها من أن اليأس من الإصلاح والتغيير وخيبة الأمل حيال الطبقة الحاكمة يمكن أن يدفعا بالمتظاهرين في يوم ما إلى اقتحام المنطقة الخضراء التي تلوذ بها هذه الطبقة.
السيد عبد المهدي بدا مثل معلم مدرسة ابتدائية يتحدث إلى تلامذته عن البديهيات والصالح والطالح في السلوك: "تمرّ البلاد بظروف معقّدة وحسّاسة. وهناك الحرب المشروعة ضد “داعش”.. وهناك وحدة البلاد وسيادتها.. وهناك الدعوات المشروعة للإصلاح.. وهناك أمن النظام العام ومستقبله.. وهناك أخيراً وليس آخراً ترميم العلاقة بين القوى السياسية والشعب، وبين المكونات العراقية"، ليخلص إلى أنّ " إطلاق التصريحات أو إعلان سياسات أو قرارات مستعجلة سواء من السياسيين أو الإعلاميين أو من المؤسسات الرسمية هو أمر فيه مسؤولية كبيرة .. فهناك أمور إذا ما هدمت فلن يتسنّى ترميمها.. ومواقف إن أُعلنت سيصعب التراجع عنها.. وذلك كله يتطلب الحذر والحيطة والانضباط.. وسعي جميع الأطراف للنظر إلى الأولويات".
هذا كلام جميل، لكن حتى أنصاف المتعلمين يعرفونه جيداً، ولا جديد فيه البتّة. الشيء المفيد المطلوب هذه الأيام من الطبقة السياسية الحاكمة وأقطابها، والسيد عبد المهدي والمجلس الأعلى في المقدمة، ليس تكرار البديهيات وتأكيدها قولاً، وإنما الإقدام على الإجراءات والخطوات العملية التي تُساعد في الخروج من المأزق الراهن الذي هو من صنع هذه الطبقة السياسية بالذات.
أرغب في أن يطلب السيد عبد المهدي من حزبه إحصائية بعدد وكلاء الوزارات ورؤساء المؤسسات والهيئات والمدراء العامين والسفراء والقناصل وسائر الدبلوماسيين والمحافظين والقائممقامين ومدراء النواحي والبلديات الذين عيّنهم المجلس الأعلى استناداً إلى "قانون" المحاصصة غير الدستوري. وأرغب في أن يطلب السيد عبد المهدي من حلفاء حزبه في التحالف الوطني معلومات مماثلة، ثم من شركاء حزبه في السلطة، اتحاد القوى والتحالف الكردستاني والوطنية، المعلومات ذاتها، ليكتشف بنفسه، إن لم يكتشف بعد، أن هذه القوى مجتمعة، وبخاصة قوى التحالف الوطني، قد استحوذت على وظائف الدولة ومناصبها من أعلاها إلى أدناها ولم تترك شيئاً للآلاف من أفضل الكفاءات وأكثرها وطنية من المستقلين ومن عناصر القوى الوطنية الأخرى. وأرغب بالذات  في أن يسأل السيد عبد المهدي، وهو يطلب هذه المعلومات،عن درجة قرابة أصحاب المناصب والوظائف العليا في الدولة من قيادات القوى والأحزاب المارّ ذكرها. إن هو فعل ذلك سيكتشف، إن لم يكتشف كل هذا الوقت، أنّ السلطة والنفوذ والمال في هذه البلاد مُحتكرة من فئة قليلة العدد، وهذا ناجم عن نظام المحاصصة الذي وضعته هذه القوى والأحزاب ليحقّق لها هذه النتيجة: احتكار السلطة والنفوذ والمال.
أتمنى على السيد عبد المهدي أن يلتفت إلى هذا ويحذّر منه نفسه وحزبه وتحالفه وشركاء تحالفه في السلطة، حتى لا يحصل ما يخشاه، وحتى "نؤسس دولة كريمة ترعى حقوق المواطن والوطن"، بديلاً عن هذه الدولة غير الكريمة التي أقامها حزبه وتحالفه وشركاء تحالفه، ويواصلون التمسك بها بعناد، وهو ما يهدّد بوقوع كلّ ما يتخوّف السيد عبد المهدي منه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

 علي حسين منذ ان ظهرت الديمقراطية التوافقية في بلاد الرافدين ،والمواطنونالعراقيون يبحثون عن مسؤول مختلف يمنحونه ثقتهم، وهم مطمئنون ، رغم أنهم يدركون أنّ معظم السياسيين ومعهم المسؤولين يتعاملون مع المناصب على أنها...
علي حسين

قناطر: ليلُ العشَّار الطويل

طالب عبد العزيز يحلَّ الليلُ باكراً في أزقّة العشَّار، أزقته القصيرة والضيقة، التي تلتفُّ عليه من حدود شبه جزيرة الداكير الى ساحة أم البروم، يحدث ذلك منذ سنوات الحرب مع إيران، يوم كانت القذائفُ...
طالب عبد العزيز

محاسبة نتنياهو وغالانت أمام محكمة الجنايات الدولية اختبار لمصداقية المجتمع الدولي

د. أحمد عبد الرزاق شكارة يوم عظيم انتصاراللعدل عبارة تنم عن وصف واضح مركز ساقه الاستاذ المحامي الفلسطيني راجي صوراني عن طبيعة الدور الايجابي المؤثر للمحكمة الجنائية الدولية متمثلا بإصدار مذكرتي القاء القبض تخص...
د. أحمد عبد الرزاق شكارة

الاندماج في العراق؟

أحمد القاسمي عندما نسمع بمصطلح الاندماج يخطر بأذهاننا دمج الأجانب المقيمين في بلد ما. فاستخدام هذا المصطلح بات شائعا منذ بضعة عقود في الغرب ويُستخدَم غالبا عند الحديث عن جهود الدولة أو مؤسسات المجتمع...
أحمد القاسمي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram