كان ساسون حسقيل وزير المالية في العهد الملكي ، شخصا مدهشا حقا. شاب ذكي ينتمي الى طبقة الاغنياء ، يهيئه ابوه لتسلمه تجارته الواسعة ، لكنه يتركها ليدرس القانون ومن ثم الاقتصاد ويتقدم في العمل السياسي ليصبح احد اعضاء مجلس النواب إلى أن يصبح اول وزير مالية في الدولة العراقية الناشئة ، ثم وجها سياسيا يجادل نوري السعيد في معنى الديمقراطية ، ويغضب الملك بسبب مراقبتة مخصصات البلاط ، ويمنع ياسين الهاشمي من استغلال منصب رئيس الوزراء في اثارة الخلافات السياسية ، ويحسقل الموازنة من اجل ان يجعل من الدينار العراقي الحديث الولادة ، اكثر عافية من الجنيه الاسترليني .
ما الذي كان يغيظ هذا السياسي البارع ؟ ، انهم اصحاب الخطب الرنانة .ويذكر مؤرخو سيرته ان حسقيل كان رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب، وفي احدى الجلسات احتدم النقاش حول قضية مالية ، فقام احد النواب وبدأ يخطب بطلاقة وبلاغة واطال في الكلام ، وكان كلاماً جميلا يدور حول كل شيء الا المال والاقتصاد ، فضاق ساسون ذرعا به وقاطعه قائلا.." خطبتك هذه ما توكل الناس خبز " لكنه انتبه الى وجود صديقه الشبيبي الى جانبه ، وهو شاعر وخطيب ، فاستدرك وهمس في اذن صديقه : ليتني احسن الخطابة لكن الناس ياشيخنا عيونها مصوبة على الرغيف لاعلى الكلام المنمق " .
مسلسل الخطباء الذين ابتلينا بهم ، أصابنا جميعا بالحيرة ، فحتى هذه اللحظة لم نتوصل الى تحديد ما ذا يريدون ، الجميع يتحدث عن التغيير مثلما اخبرونا امس ، ولكن بشروط ، التحالف الوطني يخبرنا اصحابه ليل نهار انهم عازمون على التغيير ، يقولون لك انهم عاكفين على إعداد الرؤية والرؤية تريد وقتا والوقت يحتاج إلى صبر ، والصبر مفتاح الفرج ، والفرج لايتم إلا بخطبة من ابراهيم الجعفري الذي لاندري بأي ارض يخطب الآن ، اتحاد القوى اكتشف انه لايعرف ان هناك تغيرا وزاريا ، وتريد السيدة لقاء وردي ان تطمئن على وزراء قائمتنا من انهم على كراسيهم صامدون ، ستقول وماذا عن التحالف الكردستاني يخبرك النائب امين بكر ان لاتغيير من دون توازن .
ولأننا متأكدون من ان ابطال ا" التغيير " لن يتركونا في حالنا ، يطاردوننا في الفضائيات وعلى واجهات الصحف كل يوم يصرون على جعلنا جزءا من الاحداث على طريقة مسلسلات الواقع ، وليذكروا الناس ان لا خيار امامهم سوى التسمّر امام شاشات التلفزيون ، لمتابعة مقاطع كوميدية رخيصة ، وحوار لا يخلو من طائفية مقيتة .
لن يكتب للتغيير النجاح في ظل خطب الساسة وعنجهيتهم وانشغالهم بالتوازن . كسبت الشعوب الحية المنافسة بالأشياء البسيطة في الحياة " الرفاهية ، العدالة والتسامح ، أما نحن ، فمكسبنا الوحيد عبوات ناسفة محلية الصنع وبكل فخر .
رجاءً.. " حسقلوها "
[post-views]
نشر في: 29 فبراير, 2016: 06:37 م
جميع التعليقات 1
محمد سعيد
تتحدث ياخي الكاتب عن الاصاله , وليس السفاهه التي نعيشها في ظل ديمقراطيه معتوه وغائبه ,حينما تحول الخطاب اللاهوتي اساسافي تسيير الجموع ,وضاع عنه المنطق والبيان القويم . نعيش في العراق ومع الاسف الشديد كارثه اخلاقيه , حينما تحولت الجموع الي زناديق