دافع رئيس مجلس النواب أمس بصوت عال عن هيبة الدولة وسمعة المجلس اللتين لا يراعيها أعضاء في المجلس، فحذّرهم، أو ربما هدّدهم، بأنّ المجلس (يقصد رئاسة المجلس) "لن يسكت".
مناسبة كلام الرئيس سليم الجبوري هذا، التعديلات المقترحة على مدوّنة السلوك النيابي التي عُرضتْ وأُقرّتْ في جلسة البرلمان أمس، وهي مدوّنة تتخصّص بما يصدر عن أعضاء مجلس النواب من سلوكيات أو تصرفات وبمسائل تتعلق بالعرف البرلماني.
بالطبع، من المهم أن يلتزم أعضاء البرلمان بسلوكيات وقواعد عمل تتناسب مع وضعهم بوصفهم ممثلين عن الشعب، انتخبهم للنيابة عنه في تشريع القوانين ومراقبة أداء السلطة التنفيذية. البرلمان ليس مقهى شعبياً يمكن للفرد أن يثرثر فيه كيفما يشاء وهو يدخّن الأركيلة ويلعب الدومينو. والبرلمان ليس "دربونة" في حيّ سكنيّ يستطيع فيه الأطفال والصبيان أن يتقافزوا فيه ويتلاسنوا ويتشابكوا بالأيدي كلما اختلفوا على ألعابهم!
حتى في الدول المتقدمة، العريقة في ممارسة الديمقراطية، يحدث أن يتجاوز بعض أعضاء البرلمان على قواعد السلوك، لكن بصورة عامة يتسامح ناخبوهم معهم ،لأن النواب في الغالب يؤدون واجبهم تجاه الناخبين ومناطقهم وتجاه الدولة والبلاد على خير ما يرام، فضلاًعن أنّ النواب في تلك البلدان هم في مستوى من الوعي والحسّ الوطني والأخلاق ما يمنعهم من إثارة مشاعر الكراهية والتمييز، مثلاً، مثلما يحدث في برلماننا الذي يتسابق العديد من أعضائه، رجالاً ونساءً، في إلقاء الخطب المثيرة لنزعات التعصّب الطائفي والعنصري بما يؤدي في كثير من الأحيان إلى مقتل مواطنين أبرياء بالجملة.
لا اعتراض على سعي المجلس لضبط سلوكيات أعضائه، لكنّ الأهم من هذا أن يهتمّ المجلس بمدى أداء الأعضاء مهامهم التي انتُخبوا من أجلها وتُدفع لهم من المال العام رواتب ومخصصات مبالغ فيها. وتتمثل هذه المهام خصوصاً في تشريع القوانين التي يحتاجها الشعب، وفي مراقبة عمل أجهزة الدولة بما يضمن حسن أدائها، بما في ذلك نظافتها من الفساد الإداري والمالي الذي يكمن خلف ما تواجههة دولتنا ومجتمعنا اليوم من معضلة مركّبة، اقتصادية واجتماعية وسياسية. ولقد قدّم المجلس في جلسة أمس مثالاً غير حميد في هذا المجال، ففيما عُرِض على رئاسة المجلس تقرير أفاد بأن هناك عدة نواب قد خرقوا ،على نحو سافر، النظام الداخلي وتغيّبوا عن جلسالت المجلس بأكثر ما يسمح به النظام الداخلي، وبدلاً من إعلان رئيس المجلس بأنّ أحكام النظام الداخلي ستأخذ مجراها، تطوّع الرئيس الجبوري ليمنح زملاءه عفواً يخرق النظام الداخلي، معتبراً التقرير تحذيراً نهائياً لهم!
هيبة مجلس النواب وهيبة الدولة العراقية تتحقق بالتزام نواب الشعب بالعهد المعقود في ما بينهم وبين ناخبيهم، وليس بالخروج على هذا العهد وعلى النظام الداخلي لمجلس النواب وعلى أحكام الدستور.
مجلس النوّاب يعفو عن مجلس النوّاب!
[post-views]
نشر في: 2 مارس, 2016: 06:45 م