يُعد برونو باربي، كما يقول مايكل كَركفيلد في مقاله هذا، بمثابة أطلس متنقل، بعد أن تجول في العالم مع آلة تصويره على مدى نصف قرن من الزمن. وهو حين يعالج مشاريع شخصية، موازناً ذلك مع عمله لشركة " ماغنوم فوتوز " كمصور فوتوغرافي، فإنه يفضّل البلدان ذات ال
يُعد برونو باربي، كما يقول مايكل كَركفيلد في مقاله هذا، بمثابة أطلس متنقل، بعد أن تجول في العالم مع آلة تصويره على مدى نصف قرن من الزمن. وهو حين يعالج مشاريع شخصية، موازناً ذلك مع عمله لشركة " ماغنوم فوتوز " كمصور فوتوغرافي، فإنه يفضّل البلدان ذات الثقافات القديمة التي هي ضحية موجات التحديث العنيدة التي ينظر إليها كتراثات نفيسة، مثل الصين، والهند، ومايانمار، وتركيا. وقد بدأ باربي، المولود في مراكش، عمله كمصور فوتوغرافي من أجل أن يعيش حياةً بدوية حلم بها وهو مراهق حين كان معبوده هو المؤلف الطيار الفرنسي أنطون دي سانت أكزوبيري. وكان نفسه قد تدرب كطيار ومظلي، وهو ما هيّأه إلى حدٍ ما، ربما، للكثير من النزاعات التي سيقوم بتغطيتها لاحقاً.
وقد تكونت لدى باربي، في نشأته وسط مشاهد مراكش الحيوية، حساسية مرهفة تجاه اللون وأصبحت جزءاً من ابتكاراته كمصور فوتوغرافي. " فاللون والضوء في مراكش شيء فريد "، كما يقول.
ولم تكن مصادفةً أن يقول الفنان ماتيس، حين قضى وقتاً في طنجة عام 1906، إن عليه أن يغيّر لوحة ألوانه ورؤيته. وقد أصبحت ألوان ديلاكروا المائية التي عملها هناك عام 1832 مصدراً للكثير من لوحاته البارزة. كما أن المصورين الفوتوغرافيين، و السينمائيين، والرسامين يذهبون إلى هناك من أجل الجماليات، لكن لأني نشأت هناك وأعرف الثقافة فإن ذلك يُحدث اختلافاً في ما أختار وضعه في كتبي من أمور.
وعندما التحق بشركة ماغنوم عام 1966، فضّل مؤسسها المساعد هنري كارتير ــ بريسون التصوير بالأبيض والأسود، جزئياً لأن المجلات لم تكن تُظهر اللون بشكل جيد آنذاك. لكن باربي ذهب إلى البرازيل ولم يستطع مقاومة تصوير لون البلاد المتميز. وهكذا عمل بالطريقتين معاً من البداية، وببراعة متساوية في نهاية الأمر.ومن المعروف عن باربي أنه منصرف عن " السبق الصحفي scoop " كهدف أولي للمصور الفوتوغرافي، مع هذا أفلح بطريقةٍ ما في تصوير الكثير من أحداث العالم التاريخية، على القارات الخمس ــ بما فيها حرب الأيام الستة 1967، مسيرة السلام 1969 في واشنطن، حرب فييتنام 1971، كمبوديا 1973، بولندا خلال فترة نقاية التضامن، أيرلندا الشمالية، بنغلاديش، نايجيريا، حرب الخليج، وأخيراً أحداث ما بعد هجمات باريس 2015. ويقول إنه ليس مصوراً حربياً، مع هذا نجده يحتل مرتبة رفيعة بين هؤلاء المصورين. وهو لا يبدي اعتذاراً عن اقتناعاته السياسية الخاصة، أو ما يمكن دعوتها بالإنسانية، بهذا العمل. فقد فعل ذلك باعتباره طالباً مثالياً يغطي انتفاضة باريس عام 1968، وفي عام 1971 تسبب في فضيحة ( استطابها المفكرون الفرنسيون الذين أصبحوا آنذاك مناصرين بشكل صاخب للفلسطينيين ) حين كتب جان جينيه تعليقات تنتقد إسرائيل تزامناً مع سلسلة باربي التعاطفية المتعلقة باللاجئين الفلسطينيين. وهو يقول عن ذلك، " لا أعتقد بأن الواحد يمكن أن يظل حيادياً في مثل هذه المواقف ".
ومع أن باربي غالباً ما يصوّر مواضيع على درجة عالية من الأهمية، فإنه يهدف إلى صور تتجاوز مستوى التغطية لتحقيق الوضع الخاص بالأيقونات، أو في الأقل من النوع الذي يُلزم المرء بالنظر إليها كصور متفردة. وهو لا يرى أن هناك الكثير من التميّز بين الصحافة الصورية والفن، بقدر ما يصنع ذلك صوراً طويلة الأمد. وقد قاومت صور كثيرة له اختبار الزمن في التعريف بأماكن، وأشخاص، وأحداث اختير لتغطيتها. وللقيام بذلك، يأخذ باربي وقته، وغالباً ما يقضي شهوراً في منطقة يرغب في التقاط صور لها. وعند سفره في بولندا مع زوجته السينمائية، فضّل سيارة مزودة بأسرّة نوم على الفنادق، وأجّل نشر الصور التي التقطها، ليراوغ الموظفين الحكوميين ويطيل بذلك رحلته في أنحاء البلاد. ويقول باربي عن تلك الرحلة، " كانت حقاً صفحة من التاريخ كُتبت أمام عينيك ... هل يمكن أن تتصور، بابا يُنتخب من بلد شيوعي! بل وأتذكر عضواً في الحزب الشيوعي يفتح زجاجة شمبانيا ليحتفل بذلك ". ولقد شهد باربي صفحات كثيرة من التاريخ، وينيرها نتاجه الفوتوغرافي الواسع.
عن: Los Angeles