فريدة النقاش تضاعف عدد مستخدمي الإنترنت في العالم العربي في ثلاث سنوات، ويتزايد كل يوم عدد المتعاملين مع (الفيس بوك) والتويتر و(اليوتيوب) والمدونين الذين يتعاملون معها أو ينشئون مواقع خاصة بهم. وتهب مع كل هذا التقدم رياح الحرية التي تحاصرها النظم التسلطية الاستبدادية من كل الجهات،
وهي تمارس كل أشكال القمع ضد هؤلاء النشطاء إذ تقوم بحجب المواقع وحبس المدونين وصولا لتعذيب بعضهم واستخدام التقدم التكنولوجي لمراقبتهم والتصنت عليهم. وطبقا للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان فإن العالم العربي هو من أسوأ مناطق العالم ممارسة للرقابة على الإنترنت واعتقال المدونين، وتأتي مصر والسعودية وتونس وسوريا في قلب قائمة 12 دولة هي أعداء الإنترنت التي أعدتها منظمة (مراسلون بلا حدود) بينما أشار تقرير الشبكة العربية إلى أن المدونين المصريين هم الأكثر تحديا لمصادرة الحريات السياسية في بلادهم بالرغم من حملات الملاحقة والقمع، لأنهم وجدوا في الشبكة ملاذا من عمليات التضييق التي تتفنن السلطات الفاسدة في فرضها عليهم. ولجأ المثقفون والكتاب والمفكرون الذين يتعرضون للحصار والمصادرة والتهديد بالقتل وبالقتل الفعلي في كل أنحاء الوطن العربي لاستخدام الشبكة الدولية للتضامن فيما بينهم، ولنصرة بعضهم البعض في وجه الملاحقات الحكومية وملاحقات المطوعين والمتطوعين من شيوخ التكفير. ومؤخرا أطلق مجموعة من الكتاب السعوديين والعرب علي موقع (الحوار المتمدن) حملة للتضامن مع الروائيين السعوديين غازي القصيبي، وتركي الحمد، وعبده خال ورجاء عالم إذ يتعرض هؤلاء وغيرهم لحملة تشهير وتحريض ممن يسمون أنفسهم رجال الدين، وذلك بعد أن قررت وزارة التعليم العالي السعودية اختيار بعض روايات هؤلاء الكتاب لترجمتها إلى عدد من اللغات الأوربية ووصف الشيوخ التكفيريون هؤلاء الكتاب بأنهم أعداء المملكة، وأنهم فاسدو الفكر ومحبون للرذيلة ونشر الفساد وهو ما يعني أن الكتاب متهمون في وطنيتهم وأخلاقهم ودينهم مما يشوه صورهم في نظر مواطنيهم ويؤدي لعزلتهم. والجديد في هذه القضية هو أن الدولة المحافظة شبه الدينية في السعودية تجد نفسها وجها لوجه أمام حصاد ما زرعته أجهزة إعلامها ومؤسساتها الدينية والتعليمية التي حاربت الفكر المستنير علي امتداد السنين منذ نشأة هذه الدولة نفسها في القرن الماضي معتمدة الفكر الوهابي المغلق المعادي للحداثة مرتكزا أيديولوجيا لها، وحاربت من هذا المنطلق الأيديولوجي كل فلسفات الحداثة والديمقراطية والعلمانية وفصل الدين عن الدولة من أجل دولة مدنية لكل مواطنيها ومن هذا المنطلق الأيديولوجي نفسه عزلت مواطنيها المختلفين حتي لو كان اختلافهم في إطار الدين الواحد شأن الشيعة الذين وصفوهم بالرافضة، فما بالنا بأصحاب الديانات الأخرى. وجرى على هذا الأساس تعميق الانقسام الاجتماعي على أساس طائفي وعقيدي بديلا عن الانقسام بين الطبقات الذي ارتبط بنشوء الرأسمالية وتحددت ملامحه كانقسام علي أساس موضوعي بين المنتجين وملاك الثروات الذين يستغلون فائض عمل هؤلاء المنتجين ويتاجرون بعرقهم. وعلي هذا الأساس نفسه حظرت الدولة- التي وضعت نفسها خارج الحداثة- كل أشكال تنظيم الكادحين لأنفسهم من نقابات وأحزاب وجمعيات وروابط، إذ إن وظيفة هذه الأشكال من التنظيم لا ترتبط فحسب بدفاع هؤلاء عن مصالحهم بشكل جماعي، وإنما ترتبط ايضا بنشر الأفكار الجديدة وترويجها وإثارة الجدل المجتمعي حولها ومع التقدم العلمي والانتصارات اليومية لثورة الاتصال، وتوسع شبكة الإنترنت التي تربط العالم ببعضه البعض وجدت مثل هذه الدولة- الاشكالية نفسها عاجزة عن صد رياح الحرية التي تهز أركان العالم العتيقة الذي انشأته باسم الدين، بل إن نفوذها القديم علي محيطها الإقليمي والعالمي أخذ يتآكل. وأخذ يتكشف الأساس العائلي الوراثي الفاسد للحكم المفروض علي الشعب، وتتعرى شرعيته لا فحسب أمام العالم وإنما أيضا أمام شعبه الذي أخذ يتململ. وسوف يصيب هذا الواقع الجديد بالعدوى كل البلدان المحيطة التي استند ظهر الفساد والتسلط والقمع فيها إلي بعض مما يجري في المملكة العربية السعودية باعتبارها أرض الإسلام، وسعت عائلات إلي استلهام النموذج لتوريث الأبناء والأشقاء اعتمادا على ما هو قائم هناك ليضاف ذلك كله لتراث القمع والاستبداد والفساد. لكن سوف يبقى أن ثورة الاتصال ووعي الشعوب وصبرها تفتح الباب الذي يستحيل إغلاقه أصوات الحرية.. فتصرخ بالحق في مواجهة القوة علي حد تعبير ادوارد سعيد.
أصــــوات الحـــــريـــــــة
نشر في: 19 يناير, 2010: 05:50 م