TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > وودي آلن.. نظرة في معنى الحياة

وودي آلن.. نظرة في معنى الحياة

نشر في: 5 مارس, 2016: 09:01 م

القسم  الثالث

يتحدّث ( وودي آلن ) عن آلية محدّدة يمكن أن يوظّفها المرء في التعامل مع حالة اللامعنى السائدة في حياتنا . ويمضي في توضيح مفهومه هذا بقوله : ( استنتاجي الحاسم هو أن مايُعوّل عليه في هذه الحياة هو التشتيت Distraction : فأنت حينما تشاهد مباراة بيسبول أو فلماً يرقص فيه "فريد أستير" فإنك تعمل على تشتيت نفسك ، وصناعة الأفلام بذاتها ماهي إلّا مثال على تشتيت رائع ، ولولا هذا التشتيت لبقي الجميع في منازلهم ومضوا في التساؤل القاتل الذي لاينتهي : ياإلهي ، مامعنى هذه الحياة ؟ سوف أتقدّم في العمر ، وسوف أموت ، وسوف يموت من نحبّهم أيضاً ، وربّما سنُصابُ بالصلع !! ) .
يندهش المرء حقاً للبساطة المفرطة والمدهشة  التي ينطوي عليها حديث ( آلن ) ونظراؤه من ذوي الإمكانيات القادرة على تطويع أكثر المفاهيم الفلسفية تعقيداً في هيئة عبارات سهلة الوقع وبسيطة التركيب ومغلّفة بإطار من الفكاهة ذات المحمول المعرفي الذي لايخفى على النظر ، ثم يمضي ( آلن ) في القول : ( لذا فإن كلّ مايجب فعله في الحياة هو أن تشتّت نفسك وأن تعيش لحظاتٍ بعيدة عن مواجهة الواقع . كثير من المفكّرين العظماء مثل فرويد ونيتشه ويوجين أونيل اتفقوا على أن أغلب الواقع لايمكن احتماله ، وينبغي على المرء أن يفكّر في كيفية الهروب من هذا الواقع ؛ وهذا مايحدث في واقع الحال عندما أذهب للسينما وأشاهد فلماً يرقص فيه "فريد أستير" لمدة ساعة ونصف الساعة فأتوقّف حينها عن التفكير في الموت أو في جسدي الواهن أو في التفكير بأنني سأغدو عجوزاً في يوم قادم ........... ) .
أثارت كلمات ( وودي آلن ) في روحي ذكريات عزيزة تختص بشغفي المتعاظم لاستكشاف دور الرواية في عالمنا المعاصر منذ أن بدأت بكتابة الرواية . ومن الأمور اللافتة للنظر في هذا الميدان هو ماكتبته في التقديم لكتابي المنشور حديثاً عن دار المدى والمعنون ( تطوّر الرواية الحديثة ) ؛ حيث نقرأ في إحدى الفقرات العبارات التالية : (  غدت الرواية ، على الصّعيد الفرديّ ، بمثابة "الفضاء الميتافيزيقيّ" الذي يلجأ إليه الأفراد للحصول على فسحةٍ من "فكّ الإرتباط" مع الواقع الصلب واشتراطاته القاسية ، والإبحار في عوالم متخيّلة لذيذة تشبه حلم يقظةٍ ممتدّاً ، ويستوي في ذلك مبدعو الأعمال الروائيّة وقارئوها . يمكن عدّ الرّواية في هذا المجال ، و في عصر العقلانيّة العلميّة الصّارمة ، البديل الأكثر جدارة وقدرة عن الأسطورة التي ساهمت - مع فنون السّحر البدائيّة - في تعزيز الصلابة الداخليّة للفرد البدائيّ وترصين بنيانه الذهني و السايكولوجي وتمكينه من مواصلة العيش بطريقة مشرّفة بعيداً عن التخاذل والانكفاء أمام المصاعب والأهوال التي كانت شائعة مذْ وجِد الإنسان على الأرض ، ومن الطبيعي للغاية القول أنّ الرواية خليقة على النهوض بكلّ المهام التي نهضت بها الأسطورة من قبلُ . ) ، وهنا يمكن للقارئ وعلى نحو مباشر وغاية في الوضوح عمل مقابلة متوازية ومتكافئة بين مفهوم ( التشتيت ) الذي حكى عنه ( وودي آلن ) وبين مفهوم ( فك الارتباط مع الواقع الصلب ) الذي تنهض به الرواية الحديثة.
 يتبع

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

باليت المدى: أسد عراقي في متحف

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

 علي حسين ما معنى أن تتفرغ وزارة الداخلية لملاحقة النوادي الاجتماعية بقرارات " قرقوشية " ، وترسل قواتها المدججة لمطاردة من تسول له نفسه الاقتراب من محلات بيع الخمور، في الوقت نفسه لا...
علي حسين

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
د. فالح الحمراني

السرد وأفق الإدراك التاريخي

إسماعيل نوري الربيعي جاك لوغوف في كتابه "التاريخ والذاكرة" يكرس الكثير من الجهد سعيا نحول تفحص العلاقة المعقدة، القائمة بين الوعي التاريخي والذاكرة الجماعية. وقد مثل هذا المنجز الفكري، مساهمة مهمة في الكتابة التاريخية،...
إسماعيل نوري الربيعي

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

توماس ليبلتييه ترجمة: عدوية الهلالي بالنسبة للبعض، تعتبر الرغبة في استعمار الفضاء مشروعًا مجنونًا ويجب أن يكون مجرد خيال علمي. وبالنسبة للآخرين، فإنه على العكس من ذلك التزام أخلاقي بإنقاذ البشرية من نهاية لا...
توماس ليبلتييه
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram