أمضى الصحفي مايكل وير، سبعة أعوام في العراق، ويومياته - صوَّرها بالفيديو - بعنوان "الأموات فقط". مايكل وير، ذهب الى العراق مع القوات الاميركية. وخلال تصوير هذا الفيلم، في العراق، من أعماق الحروب التي شاهدها، ويتساءل: هل انا في حاجة لمشاهدة هذه المناظ
أمضى الصحفي مايكل وير، سبعة أعوام في العراق، ويومياته - صوَّرها بالفيديو - بعنوان "الأموات فقط". مايكل وير، ذهب الى العراق مع القوات الاميركية. وخلال تصوير هذا الفيلم، في العراق، من أعماق الحروب التي شاهدها، ويتساءل: هل انا في حاجة لمشاهدة هذه المناظر! وهناك مخبر (مشتبه به) وهناك جهادي، ينظف الرصيف مقابل محل للبيع، ويصوِّب سلاحه نحو شخص اشتبه بكونه مخبراً، وعندما انحنى قذف الجثة من الرصيف.
والمشهد الثاني في (فيلم فيديو) نرى مقاتلين والى درجة ما في خلال هذا الفيلم، الذي يصور اعماق حروب العراق الكثيرة، ويسأل واحدٌ نفسُه: "هل انا في حاجة الى مشاهدة ذلك؟!" المجاهدون، وبعد قليل نرى المقاتلين الإسلاميين يعلقون ما يقولون عنهم "لصوص"، وبعد قليل تنطلق الرصاصات نحوهم. وبعد قليل نشهد صوراً أخرى، مما هو أسوأ وبطريقة مختلفة، وأشد قسوة، من الجنود الاميركيين.
***
نعم نحن في حاجة لرؤية هذا الفيلم، لأن "العنف" ليس "الامتنان". وبادر مايكل وير، مراسل صحفي من استراليا، وحده لتغطية تلك المذبحة، لأنه عاش في العراق طوال الحروب العشر الدموية. ويقول مايكل وير "لقد شهدت ولادة ما يسمى "الدولة الاسلامية" والنتيجة لا شيء غير الموتى. وهذه الحروب بدأت منذ 13 سنة، بعد قرار تمَّ اتخاذه في لندن وواشنطن، قرار لا ينتهي، في سوريا، تونس، وأماكن أخرى، وقد تتسلل الى أماكن غيرها.
إن أفلام الحرب، من بداية هذا الكابوس في عام 2003 وقد يلومون مايكل وير لأنه بدأ بتصوير العنف كما كان وكما هو.
وهناك مشاهد أخرى، عندما يُهين الجندي الاميركي حين يفتش رجلاً مجروحاً لا حياة فيه، وكان مجروحاً في رأسه، الذي يتطلب وقتاً طويلا حتى يموت، وفي هذه الحالة، لا يقدمون العون له أولاً، بل يصرخون فيه "أسرع للموت، ابن الـ..".
ولكن النقد لا بد ان يتم رؤيته، مثل الفتوى. وكان "وير" قد قدم شيئاً مماثلاً للكتاب الذي أصدره "مايكل هير" عن فيتنام وهو (الإنجاز)، عن رحلة شخصية عن الحرب الوحشية التي تصل الى حدِ البكاء ليس ضد الحرب فقط، التي انغمس فيها الى العمق الذي يجد المراسل الحربي نفسه فيها.
وبالاتصال من منزله في بريسبين يتذكر (وير) انه استغرق وقتاً طويلاً من اجل انجاز ذلك الفيلم عن الحرب، لقد عملت سبعة أعوام في العراق، منجزاً يومياً، العمل المطلوب مني، إذ كانت الحرب قد وصلت الى اللب والذروة، عندما يصل المرء الى مرحلة الصراخ ليس ضد الحرب فقط التي غطس الى ضدها.
ومتحدثاً من منزله في بريسبين، سأل "وير" عن الفيلم الذي انجزه في مدة طويلة، لقد عملت سبعة أعوام في العراق، دون أي انقطاع، دون الطيران في الداخل او الى الخارج. كنت اسكن في العراق (طوال الوقت) ويعني ذلك كامل أوقات العمل المطلوب في العام. ولذلك فان تجربتي في الحرب تعادل تجربة المواطن العراقي، من يوم الى آخر.
لقد بدأ "وير" العمل في عام (2003) مع المراسل الاميركي، توم بنينغتون، وبدأ يسجل يومياته، ويقول "كنت مراسلا لمجلة تايم، ولم أكن اصنع فيلماً! ويشرح وير، لو اني فكرت انه سيتحول الى فيلم، لكنت صوَّرت اكثر، وكان الفيلم سيصبح افضل، او مشاهد أخرى، لكان يصبح افضل ومختلفاً تماماً".
وقد وجد "وير" نفسه في بغداد بجوار "المئات من المراسلين الآخرين الذين كانوا اكثر تجربة منه، استمع الى الاميركيين، الى آلة الحرب، طوال صيف عام 2003 ونتحدث عن "المجرمين" و"الإرهابين"، وكلما أصغيت، أدرك ان الاميركيين لا يعرفون مَن هم اؤلئك الناس، والى مَن يصوبون اسلحتهم، ولا يعرفون لماذا؟!
وهكذا وحسب المبادئ القديمة للصحافة، بدأت وانتقلت للتعرف عن "العدو"، ولم يكونوا كما وصفوا لنا، إذ لم تكن هناك أية علاقة ما بين الذين يديرون الحرب والحرب نفسها.
إن علامات الحرب ذكرتني بمحادثة أجريتها بوساطة الهاتف الى الادارة الاميركية في شهر كانون الاول عام 2002، بعد مكوثه في العراق عام 1991، مهيئاً نفسه للعودة للحصول على معلومات عن السُّنة والشيعة وهو الشق الذي يشق العراق منذ الغزو، وسألت: "ما الخطّة؟" كيف تتهجي ذلك؟"
ومع بدء الفيلم، يخسى بشيء من القلق ويقول: انني اعرف هؤلاء الرجال، احس ان هذا الشريط سيء، "وعلى أية حال لقد ذهبت الى قريتهم واستمعت الى احزانهم، عن إحساسهم بالظلم تحت إمرة جيش محتل".
ثم بدأت القنابل الانتحارية – ومرّ العراق بكابوس عام 2004، ويدرك (وير) أن هذا العمل ليس من قبل المتمردين، ويقول "وير" عن ذلك، اول دعاية من قبل أبي مصعب الزرقاوي – القائد المجاهد – وبدأ "وير" في البحث عن حاشية صدام. وعندما وجدهم،إهتدى اليه المجاهدون. وعند ذلك بدأ يدور في مدارهم. وكما يقول "وير" عن الاوضاع: "نافذة ليس هناك من يرى من خلالها"!
واعلن كل من بلير وبوش الانتصار، ولكن كان هناك ليست حرب واحدة، بل اربع على الاقل. الاولى ما بين الاميركيين والبريطانيين، ضباط في جيش صدام ومن يقف معهم. وهناك ايضاً، الحرب المقدسة التي تشنها الدولة الاسلامية وثالثاً، الحرب الاهلية ما بين العراقيين أنفسهم، ورابعاً، هناك حرب إيران، الحرب الاهلية، ما بين العراقيين انفسهم، السُّنة والشيعة وحرب إيران ضد حزب البعث، هذا ومن دون الإشارة الى الكورد. وعندما يعود (وير) الى بلاده، يفحص الافلام التي التقطها في العراق.
وهناك لحظات مؤلمة، عندما يتهيأ وير، لمغادرة العراق. وهناك أسباب عديدة لذلك "أولاً ما كتبه في الاعوام الماضية، كما انه سيخسر العائلة العراقية، حيث عاش معهم سبعة أعوام، ذهبنا في خلالها الى الجحيم وعدنا منه معاً".
وكنت قد إرتبطت بهم وكان لابد من إيجاد مكان آخر لهم: في إنكلترا او استراليا او الولايات المتحدة الاميركية وهذا هو السبب الذي أبقاني في العراق مدة طويلة.
وفي عام 2010 عاد وير الى استراليا، وادرك ان هذا الامر يعني نهاية حربه، وبقي هناك عامين وحيداً. وقد كافحت وتألمت يوماً بعد يوم، ساعة بعد ساعة، ثم دقيقة بعد اخرى.
وتذكرت الأشرطة التي كنت سجلتها ماذا افعل بها؟ "وأحسست بالفخر، وان هذه الاشرطة نوع من الشرف، وأحسست أيضا ان تلك الحروب، وماذا تفعله بالانسان؟ وعند ذلك أحسست ان عليَّ واجبٌ لابد من القيام به، وهو الاستفادة من هذه الاشرطة الفلمية، واحسست انني لابد ان اضيف الى ذلك شيئاً من تجربتي، والعراقيون يحيطون بي وهذا ما سيكون، وعندما نصل الى النهاية، يكون الموت البطيء للعراقي امام عينيَّ، محاطاً بجنود فرحين.
ويقول (وير) انني مازلت أُناضل مع كل شيء، ولم أعدّ أرى العالم كما كان او نتحدث كما كنا. وما ان نعود الى الحياة الطبيعية اجد ان غالبية الناس لا يمكن تحملهم ويقول مؤخراً : "لقد وجدت طريقي عبر حجر الأرنب، ان إعدادي الفيلم كان نوعاً من التحدي، ولكن التحدي الاكبر كان إستعادة الحياة وحياتي".