TOP

جريدة المدى > سينما > جاك ريفيت.. سينما الاحتراق البطيء

جاك ريفيت.. سينما الاحتراق البطيء

نشر في: 10 مارس, 2016: 12:01 ص

جاءت عبارة "الزمن الحقيقي" التي تتردد أحياناً في النقد السينمائي، من تأثير عدم القطع: لقطات الكاميرا الطويلة البطيئة غير السريعة المستمرة التي تجدُّ في البحث عن تجربة الحياة نفسها. وربما تدعو الجمهور أيضاً لإلقاء نظرة، عبر تحديقة ثابتة حادة منومة ، ع

جاءت عبارة "الزمن الحقيقي" التي تتردد أحياناً في النقد السينمائي، من تأثير عدم القطع: لقطات الكاميرا الطويلة البطيئة غير السريعة المستمرة التي تجدُّ في البحث عن تجربة الحياة نفسها. وربما تدعو الجمهور أيضاً لإلقاء نظرة، عبر تحديقة ثابتة حادة منومة ، على شيء آخر مثل صور "العين السحرية" الجديدة في التسعينات: شكل غامض في السجادة، نقشٌ خلف صور الحياة اليومية. كان مخرج "الموجة الجديدة" جاك ريفيت استاذ جماليات الزمن الحقيقي في السينما، غير خائف من ترك أفلامه تدور بطولها، مع ناس يمشون ويتحدثون ويوجدون على مستوى عقلي لكنه عابث من الخيال وخطاب يجعل من فيلمه دائماً بعيداً تماماً عن الواقعية الاجتماعية. وهو أيضاً مفتون بالمسرح والوهم المسرحي.

فيلمه الذي يحكي عن فترة تاريخية بعنوان "سيلين وجولي يذهبان في نزهة بقارب" – 1974 طوله 3 ساعات وتسع دقائق. عمله المتأخر "نويسوس جميل"-1991 يستمر لمدة 4 ساعات. قبل هذين الفيلمين هناك الفيلم الكلاسيكي أوت 1 – 1971 المناسب للتلفزيون إذ أن طوله 12 ساعة و40 دقيقة. كان ريفيت مخرجاً آمن بالاتساع في السينما وطلب من أجل استثمار الانتباه.
على الرغم من أن أفضل أفلامه جاء في عقد متأخر إلا أنه كانت هناك روح الستينات الوارهولية (نسبة إلى الفنان الأمريكي أندي وارهول-م) في ريفيت: روحُ تقدّم  بدلاً من إنتاج. حسٌّ بأن كلا من أفلامه كان شيئا يجب أن يُعاش فيه و خلاله. كان عضواً متكاملاً على الرغم من أنه ازدهر لاحقاً في ذلك الجيل من الموجة الجديدة الرائعة التي استمرت بشكل بارز طويلاً وضمت تروفو وغودار وشابرول وديميه ورومر وفيردا. ومثل معاصريه اعتمد ريفيت على التفكير والخلق والابتكار مباشرة حتى النهاية.  
احتجتُ إلى شيء من الوقت كي أتذوق أفلام ريفيت واعترف بأن فيلمه المفضل لديّ "هو المنقذ Va Savior – 2001 الذي ترجم إلى عنوان "من يعرف؟" في الانكليزية والذي يستمر عرضه بشكل وعر قليلاً لمدة ساعتين ونصف. إنه مقالة وفنتازيا وكوميديا شكسبيرية ولعبة روح وتأمل في المعنى وفارص مضحكة تدور حول هروب من السقف وقطعة هيتشكوكية رائعة تقريباً في قمة دولاب دوار مدوّخ في مسرح.   
جين باليبار تؤدي دور ممثلة في مسرحية لبيراندللو في باريس ولديها علاقة غرامية مع صديق سابق وهو طالب دراسات عليا في الفلسفة يطيل التفكير دوماً في أطروحته. في الوقت نفسه، صديقها الفعلي (والمخرج) لديه مغامراته الخاصة. أنه مرح أنيق غريب وعرض محبوب للمسة ريفيت في الكوميديا. وهو أيضاً في طريقته استمرار لفيلم "سيلين وجولي يتنزهان بالقارب" على الرغم من أن السيناريو قد صيغ بشكل تقليدي. سيلين وجولي- وهو فيلم كلاسيكي عن طائفة معينة- مفكك وحر. الإخراج هو شيء ربما يأخذك في فيلم "نزهة بالقارب": أي بلا إخراج. امرأتان تلتقيان في باريس وتجولان: أحداهما تطاردها رؤى العائلة التعسة التي من المحتمل أنها تنتمي إليها. عمل الموقع من مقعد السراويل وأسلوب التمثيل المحسن هما خاصان جداً بريفيت. قبل ذلك، فيلمه الملحمي التجريبي "أوت ون" كان أكثر صعوبة وغموضاً: قماشة عملاقة خالية من الشكل مع جان بيير لويد (أفاتار الموجة الجديدة) في مركزها. إنه شخصية غامضة تحاول أن تضفي معنى على الألغاز السديمية والمؤامرات حوله المرتبطة بالفرق المسرحية التي تتحضر لركوب "سبعة ضد الطيبيين" و"برومثيوس". إنها أنثروبولوجيا سرية سينما مبلورة تطير على الجدار- ملاحظة حركة الأشياء الطائرة الأخرى.
نوسيوس الجميلة (الذي اعتمد على قصة لبلزاك بعنوان "التحفة المجهولة" – 1831) يعد رائعة ريفيت. يمثل ميشيل بيكولي دور "فرنهوفر" وهو رسام متقاعد بهدوء تثيره زيارة فنان صغير يجلب معه صديقته الجميلة المدمرة التي تؤدي دورها إيمانويل بير. يقرر "فرنهوفر" أن تلك المرأة الشابة ستكون موديلاً للوحة (نويسوس الجميلة) التي تركها في يوم من الأيام. هذه الولادة الإبداعية الجديدة ربما تكون هي أيضاً تدمير سلامه العقلي. لا يجد ريفيت في موقفه أي شيء كي يزيد درجة السرعة. على نحو مضاد للحدس ومن أجل قصة حول البراعة الفنية والإثارة الجنسية يتطلب الأمر خطوة بطيئة وهو يظهر لقطات مكبرة بطيئة وطويلة ليد الرسام والقماشة. وببراعة فنية يشتت ريفيت الجنسانية والنشوة عبر نسيج الفيلم.      
الفيلم الآخر لريفيت هو "دوقة لانغيز" – 2007 أيضاً معتمد على قصة لبلزاك – في هذه الحالة رواية "لا تلمس الفأس" عام 1843. لسبب ما فإن هذا العنوان ربما يذكر بشكل غريب ببنك فلويد؛ وفعلاً يشير إلى الفأس المستعمل لذبح الملك البريطاني جارلس الأول وهو الشيء المليء بالرهبة من التابو غير القابل للفهم بالنسبة للأرستقراطيين الفرنسيين في عشرينات القرن التاسع عشر، حين وضعت قصة الحب هذه. إنه فيلم بطيء ورقيق ذو سحر ونقاء عظيمين.  
أية مناقشة لريفيت لا بد من أن تذكر فيلمه الأول الطويل "باريس تنتمي لنا" عام 1961- فيلم آخر يأخذ بعض الحياة معه. إنه فيلم واع لذاته ومنغمر فيها بشكل كبير مثل بقية أفلامه لكن هذا النص الرئيسي للموجة الجديدة بممثليها ذوي الأدوار القصيرة لغودار وشابرول: مسرح ومؤامرة ومثالية وكلام وجنسانية أكثر. هناك مثل هذه الثقة والثورية: لا شيء يوجز المهمة غير الناطقة لإعلان الموجة الجديدة غير العنوان الذي أعطاه ريفيت لهذا الفيلم- العمل الذي شعر العديد بأنه يطلق البندقية البادئة من أجل الحركة بأكملها. كانت باريس حقاً باريسهم. ومن هناك يحافظ ريفيت على مهمته الابداعية التي استمرت 48 سنة.
 كتابة: بيتر برادشو الناقد السينمائي لجريدة الغارديان

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الأنواء الجوية: ارتفاع في درجات الحرارة الاسبوع الحالي

الكويت تنفي تدهور الحالة الصحية لسلمان الخالدي الذي تسلمته من العراق

ترامب: نريد 50% من ملكية تطبيق تيك توك

القوانين الجدلية على جدول أعمال البرلمان يوم غد الثلاثاء

هل أخطأ البرلمان بعدم حل نفسه مبكراً؟

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

"إرنست كول، المصور الفوتوغرافي".. فيلم عن المصور المنفي الجنوب أفريقي

مقالات ذات صلة

فيلم أسامة محمد
سينما

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

علي بدرالحكاية تُروى بالضوء والظلعرض أمس في صالون دمشق السينمائي فيلم "نجوم النهار" للمخرج السوري أسامة محمد، بحضوره الشخصي بعد غيابه عن بلاده ١٤ عاما، الفيلم الذي منع من العرض في زمن النظام السابق...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram