بداية ، عنوان السينما العراقية يستفزني منذ زمن طويل ، فهو عنوان كبير لشيء ما، لم نر ملامح له، وإنما إطلالات متباينة وبأشكال متنوعة، لا يمكن أن تسفر عن وجه ذي ملامح ومميزات محددة ، فإن كانت هذي الإطلالات الخجولة هي ما نعنيه بصعود وهبوط ما
بداية ، عنوان السينما العراقية يستفزني منذ زمن طويل ، فهو عنوان كبير لشيء ما، لم نر ملامح له، وإنما إطلالات متباينة وبأشكال متنوعة، لا يمكن أن تسفر عن وجه ذي ملامح ومميزات محددة ، فإن كانت هذي الإطلالات الخجولة هي ما نعنيه بصعود وهبوط ما يسمى "سينما عراقية"، فأني أود أن أوضح بأن مبدأ المد والجزر لا ينطبق على الواقع الفعلي .
الواقع الفعلي لما يمكن أن نسميه مجازا السينما العراقية ليس منفصلا عن مجمل محركات الفعل الثقافي العراقي أو بالأحرى واقع الإبداع وحينما أركز على الإبداع فلكي أضع رجلي في صحن الاستفزاز.
فالفعل الثقافي مبهم، وأنا شخصيا لم استطع أن أميز بين من هو المنخرط في الفعل الثقافي ومن هو منخرط في السياسة، وهذا التداخل وإن فرضته المسارات السياسية في البلد فإنه تغلغل إلى عقلية ما يسمى المثقف، فحصل نوع من خلط الأوراق وأخذ المثقف يفكر بعقلية السياسي وشتّان ما بين الاثنين ، ولهذا فانا أهمل اصطلاح المثقف لصالح المبدع ، المبدع الذي يهدم الواقع الحياتي مئات المرات يوميا من اجل إعادة صياغته بينما لا يجيز للسياسي حتى التفكير بهذا، فالسياسي هو من يتعامل مع الواقع ومعطياته والفنان المبدع هو من يحاول أن يكسر هذا الواقع ويزوده بمعطيات جديدة ، ورفعا لكل لبس، ربما، يحتاج هذا الموضوع إلى وقفة منفردة لأهميته .
ما ذا يعني وجود سينما عراقية ؟ هل هي مجموع الأفلام التي صنعت في العراق أم هي مجموعة من الأفلام صنعتها أيد عراقية سواء في داخل البلد أو خارجه ؟
كيف يتم تحديد ملامح، وصفات مشتركة لأفلام صنعت تحت رحمة سياط الديكتاتورية والجهل، وأخرى صنعت في كندا والنرويج وباريس، مستفيدة من طلق هواء حرية التعبير والتجريب ؟ اذكر مرة وأنا أجيب على سؤال صحفي عن عراقيتي ومدى تجسيدها في أفلامي، حينما قلت له " لو كنت في القمر واصنع أفلاماً قمريه، فأني أبقى عراقيا". بمعنى إن تكون عراقيا وتبدع في مجال ما، فهذا ليس تجريدا من عراقيتك وهو بنفس الوقت ليس تجييرا للعراق وتاريخه القمعي ، القمع السياسي المعروف ، والقمع الإبداعي ،الذي يمارسه محترفو الثقافة وموظفوها البيروقراطيون ومؤسساتهم النقابية والمهنية الذين ساهموا_ ويساهمون الآن _ في تكريس تصور نمطي جامد عن " الثقافة " ودورها، والسينما من أكثر أدوات التعبير احتياجا لتنفس هواء الحرية، فإن وجد الشاعر عزاءه في تجريد اللغة، والرسام في رحلة ألوانه، فالسينمائي لا يمكن أن يرى فيلا ويقول هذا أرنب.
ان السينما تتحرك ضمن فضاء الصورة، وعهدنا الآن سائر بخطى حثيثة ولا رجعة عنها، باتجاه ثقافة الصورة ، واللغة الفيلمية حديثة العهد، بالقياس إلى لغة الكلمات، انها ما زالت تحبو ، هي تتحمل تحديات وتحمل تجديدات، لا يستطيع احد أن يتكهن بها ، ان السينما ليست مغيبة عن المشهد الثقافي العراقي وإنما هي مجهولة تماما ، تلفها هالة ثلاثية الأبعاد من الخوف، الرغبة والحذر .
عزائي الوحيد هو تخلف العراق - ليس في مجال السينما فحسب – عن الركب وهذا ربما، أقول مشددا، ربما يجعلنا نقفز ونحرق مراحل ونبدأ من حيث انتهى الآخرون لأن التطورات العلمية ووسائل التنفيذ انعكست إيجابا على نمط الإنتاج وهبوط كلفته، بما سيتيح لفئات أوسع بالولوج إلى هذا الحقل وعدم تركه ساحة مغلقة للدولة وموظفيها ، أو لأصحاب الملايين رأسماليي مافيات تهريب النفط.