TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > فلاح العاني ... في (نسيم أسود)..استماتة الدفاع عن البيئة بالفن

فلاح العاني ... في (نسيم أسود)..استماتة الدفاع عن البيئة بالفن

نشر في: 12 مارس, 2016: 12:01 ص

 قرابة عقدين من ضفافِ تناغماتٍ استحضارية لبيئة وجمال عفويّة الحياة الريفيّة،الطافية فوق خصوبة وطيبة طبيعة سلسة وبسيطة،إلى جانب فتنة التّغني والتمتّع بنقاء موجوادت الحقل باعتباره اللبنة الأولى التي شَغفت وشَغلت جُلّ اهتمامات الفنان التشكيلي(فلاح

 قرابة عقدين من ضفافِ تناغماتٍ استحضارية لبيئة وجمال عفويّة الحياة الريفيّة،الطافية فوق خصوبة وطيبة طبيعة سلسة وبسيطة،إلى جانب فتنة التّغني والتمتّع بنقاء موجوادت الحقل باعتباره اللبنة الأولى التي شَغفت وشَغلت جُلّ اهتمامات الفنان التشكيلي(فلاح العاني)تولد محافظة صلاح الدين/قضاء بلد/ 1967، بكالوريوس رسم من كلية الفنون الجميلة ببغداد/ 1992.

 نَجدنا- بعد ذلك- نَبتهلُ معه ونَنتمي لما توالد من عوالم ومداخن وأبخرة متآخية مع مناخ احتفالات لونيّة وتلويحات وجدانيّة، تحفّ بها-لعباً ومرحاً حانياً- أجنحة طيورٍ وملامح وجوه أطفال يتناسلون من براءة الأشياء ويحيون مع فِزاعات ومخلّفات لُقى تائقة إلى تعميد أغلب مساحات أعمال(فلاح العاني) الإطلاليّة، منذ مُستهلّ سطوع تجربته -نهاية التسعينات- وتحديد معالمها على نحوٍ تلك الأخيلة المنقوعة بسحر وعذوبة ينابيع ألوان القمح، والأجواء الشاردة بأضواء صباحاتٍ مُغردةٍ ومَفتونة بأتون خواصِ تلهفاتٍ وتهجياتٍ لحروفٍ ناصعةٍ من شعاع يلوحُ بنوبات حنين مُعلن تارةً وخفي تارات أخرى.
استشفع الفنان مناوراً بحلم طفوليّ،محتمياً بدعة وطمأنينة غارقة في لجج فضاءات خالية-تماماً- من أية تجنيّات لآثار وبراثن أي تلوث أو مساعٍ قصديّة واستهلاكيه من شأنها التمهيد لتمريغٍ قيمة وتلقائيّة ذلك الجمال الفطريّ المَجبول على سجية تحميلات البئية اليوميّة النقيّة والحيّة التي ولِد بها(فلاح) ونشأ وترعرع، قبل أن ينوبَ عنها ويبادلها بالترحال والسفر-اضطراراً-ويقاوم أوجاع غربته ويصدّ تشظيّات الإحساس اللا مجدي بالهجرة ومُسكنّاتها التعويضيّة، ومقاصد تناولات اللجوء إلى الدراسة،من أجل تطوير مداخل وعيه وفتح منافذ أخرى واجتراحات مضافة لحياة مستمرة-رغم قسوتها- وليتحققّ ذلك السعي في مدرسة (ليلي هولمن/ السويديّة للفنون)التي تخرّج منها في العام/  2013،بعد سيل مشاركات في الكثير من المعارض داخل وخارج العراق،فضلاً عن العديد من البلدان العربية،ومن بعدها المشاركة في معارض مهمة في/ الولايات المتحدة الامريكية /إيطاليا /السويد /ألمانيا /فرنسا،فيما حفلت حصيلة معارضه الشخصية بسبعة معارض في كل من بغداد/ دمشق /السويد.
    لعل المَسند الأساس والأهم في ترسيم حدود المتغيّرات التي طالت هموم(فلاح) ورسّخت تطلعاته المستديمة في الدفاع عن البيئة ومكوّناتها، يقف أرضية جملة من مستجدات واستنارات فكريّة ،مشفوعة بتواثقات ذهنيّة مُسبّقة استحثت وهج خطاها-هذه المّرة-عبر استحكامات تكلّل وجودها الصادم والمُختلف والمتبلّور-قصداً وموقفاً- مع أنساق نواحي الفهم والهم وعناصر التعبير وبراعة قدرات الترميز المُضمرة والمُعلنة، والمُمهِدة لتلك الاستمالات التي أضحت قادرة على مدّ وثوق الرؤيا لديه،وتحفيز قدراته نحو تماثلات بصريّة أبعد هدفاً ووعياً وأكثر إتساعاً،وأشمل من حيث تزايد الأحدات والمُستجدات المتناقضة التي تسود عالم اليوم-بشكل عام- التي حاول استيعابها،وتبرير صيغ الدفاع عنها بالفن،ثم فحص جداول ولواحق ما  كان يواجه حياة المُهاجرين واللاجئين والهاربين من جور وظلم رحم أوطانهم،وحقيقة الفوارق الماثلة ما بين بيئاتهم النفسيّة و(الفيزيقيّة) الحاليّة،في بلدان غير بلدانهم ومابين سابقاتها في بيئات بلدانهم-بشكل خاص-سعياً للبحثِ عن ملاذٍ أو فجوةِ خلاصٍ،قد تُتيح المَجال أكثر في مرامي الظفر والرغبة الصادقة بتنفس وتَشمّم وتنّسم رياح الحريّة الحرة-كما كان يحلو لشاعر التمرّد والتجديد الفرنسي الشهير(رامبو) أن يُسمّيها مجازاً واعياً ومدركاً لثقل وأهمية وقيمة تواجدها في حياة الإنسان،مقابل القبول ببعض التنازلات الاضطراية التي يتقدّمون بها(أي المهاجرين ومن هم بمنزلتهم)،من أجل الحصول على توافق يُسّهل لهم سُبل العيش في تلك المجتمعات،ثمة مقولة لـ(بيكاسو) تفيد بما معناه؛(من أن الحياة تطرد كل من لا يتوافق معها)،مع فرض القبول والتذكير من أنه أي(بابلو بيكاسو) -ربما-كان يعاني هو الآخر من أعراض وأمراض هذه المحنة بسبب كونه إسبانياً وِلد ونشأ في مدينة(ملقا)جنوب إسبانيا،وعاش وتوفي في  مدينة(موجان)الفرنسيّة.
هنا... يتلامس الإحساس بالهاجس، والنتيجة -حتماً- ستؤدي وتفضي إلى غرض أسمى،أهم وأعمق من مجرد التعويض أو التفكير بالاندحار أو العزلة لدى من يتمتّع بقدرات الدفاع ومقومات الموهبة الحقة، لذا نجد -بزعم اعتقاد مُقنِع- بأن تدّفقات لوزام الرفض والحث في البِنية التحليليّة والتحديثيّة لصراحة النهج الذي اختطه (فلاح العاني) قد جاءت مدعومةً بوحداتٍ كبيرة -نسبياً-  من حيث تجسيد الشخوص(رجال،أطفال)على نحو متورّم أو مُتعملق-بمعنى وآخر-يرتدون أقنعة وخراطيم ضد الضربات الكيماوية في جوٍ غرائبي يفيض بخلفيات(بك-راوند) شاسعة، واسعة ومحسوبة من حيث تصدير لغة التأثير وسطوته العارمة في حُمى عموم لوحاته التي يتقصّد فيها تفعيل قوة الشدّ وقصديّة ذلك التأثير في تعميم نزف رؤاه، وتوريد صدق مواقفة وحجم مخاوفه جراء ما أصاب عالمنا الصناعيّ،بميزاته الاستهلاكيّة من تلوثٍ لدواخلنا كما هي بيئاتنا،وتزكيم لأنوفنا ودحرٍ مستمرٍ لنفسيّاتنا وأعماق أرواحنا أفراداً كنا،أم مجاميع نصبو وننشدُ لعالم كالذي كان يحيا فيه(فلاح) في ربوع حقول قريته،والتي يستحضر أنفاسها-هنا-كمحصلات دفاعيّة،لا شعوريّة،عبر تمهيد استخلاصاتٍ ضمنية لطبيعة الأخطار المُحدقة،والمُرتقبة كالتي جاءت تنشدها أعمال معرضه الأخير في نيسان العام/2015 والذي حمل عنوان مباغت وشديد الصدمة والنفور هو(نسيم أسود)المقام على قاعة(Mot Strommen)أي(ضد التيار) باللغة السويديّة في مدينة (Norrköping) بمثابة تحذير وإشعارات تخويفٍ ودحض لهذه القوى الغاشمة التي لم تَسلم منها حتى الطيور والحيوانات التي جاء يبتكرها خائفةً مذعورةً لا تعرف تحديد حتى مساراتها واتجاهات طيرانها،عبر متواليات لونيّة مدغومة بحسٍ تحريضي،خانق يشي بالضيق وكتم الأنفاس،وتكميم المشاعر وتسوير الحياة بنوابض خفية،تشعر بها من خلال السمة التعبيريّة الراصدة لمجريات عالم خائف،ملوث بالكثير من نواحي وجوده،وجراء كل ذلك تتضح مواقف الفنان بالفضح والتصدي والتبليغ عما يجري وتلك ميزة حقيقية لمهابات الفن في التوصيف والتوظيف المتقن والواعي لدواعي تواجد مثل هذه التجارب التي يتبناها (العاني فلاح)،كما فعل -أيضاً- في خصوصيات وتفاصيل عمل مفاهيمي- تركيبي( انستليشن) يتكون من دائرتين بقطر 275)  ) cm للدئراة الواحد تناول من خلالها موضوعة وملابسات الحياة الإستهلاكية ضمن فعالية كبيره تميّزت  بها المدن الأوربية ومنها المدينة التي يسكنها الفنان،وقد سمّى ذلك العمل بأسم (مدينتي) ذلك الذي تم عرضه  في متحف الفن في مدينة NorrköpingL ضمن ملاك معرض مشترك مع مجموعة فنانين يمثلون دول مثل السويد/ الدنمارك/ ألمانيا/ بريطانيا/ وفلندا.
  لقد تناسق تأثير ذلك العمل من خلال  الدائرة التي تمثّل أكياسا خاصة بالتسوّق المعمول بها في احدى كبريات الشركات التي تغطي عموم الأسواق السويدية ،فيما تمثل الدائرة الثانية -وهي متماثلة الحجم مع الأولى- مجمل ما يرميه المستهلك كنفايات،إذن هي دائرة تعني وترمز لـ(الباعة)واُخرى تعني وترمزلـ(المستهلكين)،في نطاق عمل ليس بعيداً عن موضوعة (التلوث) التي تناولها في جوانب من أعماله المُنفذة بذات هذا الاهتمام،وذات الموقف الحضاري العام الذي يتبناه(فلاح)،ويصرّ بالوقوف عليه،منذ توضحات دفاعاته القصيّة التي استهوته طفلاً  يتمرى براءة محتويات وموجودات الحقل والقرية،ويلوذ مُحتمياً بنصاعة ونقاء تلك الأشياء التي تربّى عليه،ليشكل ملمحاً بارزاً بالدفاع عن مكامن الجمال،وتنظيف مداخن البيئة وتخليصها من روث التلوث ومخلّفات ما تركته وتتركه الحضارة الصناعيّة التي أفسدت براءة وعفوية وحميميّة تلك العلاقة الأزلية القائمة ما بين الإنسان والبيئة فهي الوجه الآخر لأمنا الطبيعة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

امريكا تستعد لاخلاء نحو 153 ألف شخص في لوس أنجلوس جراء الحرائق

التعادل ينهي "ديربي" القوة الجوية والطلبة

القضاء ينقذ البرلمان من "الحرج": تمديد مجلس المفوضين يجنّب العراق الدخول بأزمة سياسية

الفيفا يعاقب اتحاد الكرة التونسي

الغارديان تسلط الضوء على المقابر الجماعية: مليون رفات في العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram