اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > طريق بغداد _ النجف..مشاريع متلكئة وفشل حكومي مزمن

طريق بغداد _ النجف..مشاريع متلكئة وفشل حكومي مزمن

نشر في: 12 مارس, 2016: 12:01 ص

لا يجدُ المواطن وهو يجتاز الطريق السريع من بغداد الى محافظة النجف الأشرف، إلا أن يُصاب بالأسى والحسرة وهو يشاهد كل هذا البؤس والشقاء والحرمان على وجوه مواطنين امتدوا على طول الطريق يواصلون الليل بالنهار من اجل لقمة عيش كريمة من غسل السيارات او بيع عب

لا يجدُ المواطن وهو يجتاز الطريق السريع من بغداد الى محافظة النجف الأشرف، إلا أن يُصاب بالأسى والحسرة وهو يشاهد كل هذا البؤس والشقاء والحرمان على وجوه مواطنين امتدوا على طول الطريق يواصلون الليل بالنهار من اجل لقمة عيش كريمة من غسل السيارات او بيع عبوات المياه والعصائر والبسكويت. تمتد عينيك الى أراضٍ تشكو السبخ والإهمال ناهيك عن رداءة الطريق وعدم توفر الخدمات الرئيسة في جانبيه اضافة الى رداءة الإكساء!

في هذا التحقيق سنلقي الضوء على مشاهد من الإهمال وسوء الخدمات والحرمان برغم مليارات الدنانير التي  صُرفت على مشاريع وهمية لم ينفذ منها شيء فأُهدرت ونُهبت من قبل شركات ومقاولين وبتواطؤ طبقة سياسية فاسدة بامتياز.
طفولة محرومة من أبسط حقوقها
وأنت تجتاز اليوسفية لابدَّ ان تستوقفك مجاميع الاطفال المنتشرين على الطريق السريع وهم يلوحون لك بمرشات المياه علّها تجذب ناظريك فتتوقف. عن هذه الطفولة سألنا محمد حسين البالغ من العمر (12) عاماً  وكانت الساعة تقترب من الحادية عشرة قبل الظهر عن مقدار ما حصل عليه؟ فأجاب بألم فقط خمسة آلاف دينار وأنا باشرت عملي في الساعة الثامنة صباحاً! واضاف: اسكن المحمودية واخرج من البيت مبكرأ لكي اصل الى مكان عملي وأبقى الى الرابعة عصراً بانتظار ان اجمع ما مقداره خمسة عشر ديناراً من عملية غسل السيارات وكما ترى فان أعدادنا ليست قليلة فالكثير من امثالي يمارسون المهنة نفسها والمحظوظ مَن يحصل في اليوم على عشرين الى خمسة وعشرين ديناراً. وعن تحصيله الدراسي وسبب تركه الدراسة؟ قال: عمي نسينا المدرسة فمنذ سنوات تركنا مقاعد الدراسة فالعيشة صعبة والوضع صعب!

ممنوع دخول السماد
لم تكن قصة عباس ووحيد وسلمان وغيرهم تختلف عن قصة احمد عدا أن عباساً  يتيم حيث استشهد والده عام 2010 بحادث تفجير إرهابي فوجد نفسه مضطراً لإعالة أهله. اما وحيد فقد تركه والده مع اربعة أخوة وأخوات صغار بعد ان اشتد المرض بوالدتهم في حين ان سلمان وجد نفسه مثقلاً بحمل عبء العائلة كون والده معاقاً ويشكو من مرض عضال.
في منطقة مويلحة التابعة الى جرف الصخر التقينا الفتى عبدالله محمود ذو الستة عشر ربيعاً وهو يبيع العصائر والبسكت للمارين على الطريق السريع، فقال: لم تعد الزراعة مجدية في منطقتنا التي كانت مسرح عمليات عسكرية منذ ان داهمنا الإرهاب فدمِّرت الارض ومات الحلال، كما ان السماد الكيمياوي ممنوع من الدخول للمنطقة خوفاً من استغلاله بشكل سيء في العمليات الإرهابية.

 شرخ مجتمعي ومشروع مجارٍ
من منطقة اللطيفية اوضح الإعلامي احمد الجنابي لـ(المدى): ان ابرز مشكلاتنا هو تلكؤ تنفيذ مشروع مدّ شبكة المجاري الى المنطقة حيث تم حفر العديد من الشوارع منذ اربع سنوات، مستدركا: لكن المشروع لم يُنجز ولا ندري اين ذهبت تخصصياته المالية؟ واضاف الجنابي: لا نتوقع لهذا المشروع ان يُكمل في ضوء الازمة المالية التي يمرُّ بها العراق، اما بقية الخدمات كالماء والكهرباء فمُرضية والحمد لله.
وعن سبب اضطرار الاطفال للمجيء من المحمودية للعمل على الطريق السريع؟ قال المواطن كمال التميمي: بصراحة ان المحمودية كانت سوقاً لمنتجات القرى والقصبات الزراعية المحيطة بها، لكن وما يؤسف له ان الاحداث الطائفية التي شهدها العراق بعد تفجير مرقد الإمامين العسكريين وما تلاها انعكست سلباً على المحمودية بسبب خشية وخوف أهالي تلك القرى من دخول المدينة فهيبة القانون شكلية ولقاءات المصالحة وغيرها شكلية أيضاً!! مبينا: كما ان المدينة كانت مستفيدة من حركة مرور السيارات الذاهبة الى النجف او غيرها اما الان فان الحركة اتجهت نحو الطريق السريع، مشيرا: الى ان جهوداً كبيرة تحتاج اليها المحمودية لتعود الى سابق عهدها وهو ما لم نلمسه حتى الآن.

ملوحة وأشجار نخيل تلفظُ أنفاسها
قلنا ان مساحات زراعية على امتداد البصر مهملة ومهجورة، بل  ان بعضها تغطيها الاملاح ما يدل على مستوى تدهور الزراعة  وما ان يجتاز المسافر سيطرة ناحية النيل حتى يلاحظ حركة بناء واسعة نسبياً وتجاوز اًعلى الارض الزراعية وعشرات اشجار النخيل تنتظر الإجهاز عليها بعد ان كادت تلفظ انفاسها الاخيرة جراء الامراض وعدم وجود مكافحة للآفات الزراعية كما يقول الفلاح مسلم كاظم ويضيف: كانت هنالك مشاريع زراعية وحقول دواجن لكنها هجّرت لأسباب عديدة من بينها عدم وجود الدعم من جميع الوجوه، وابتسم بسخرية تحمل الكثير من الوجع وهو يقول: لم يعد لشعار الزراعة نفط دائم من وجود والحكومة اصلاً غير مكترثة بهذا القطاع الذي يمكن ان يُغطي احتياجات العراق لو أُحسن استثماره ولكن!

بابل شعارات ووعود !
في منطقة من المناطق التابعة الى ابو غرق ضمن محافظة بابل توقفنا عند احد المطاعم فتحدثنا مع المواطن سالم النصراوي إذ ذكر لـ(المدى):  بعد ان اشرنا الى يافطة كبيرة يؤكد فيها المحافظ عزمه على النهوض بالمحافظة وخدمة اهلها فقال: لا ندري مَن يتحمل مسؤولية عدم تنفيذ بحدود (70%) وربما اكثر من المشاريع المتلكئة او المتوقفة التي رُصدت اليها الاموال وهذا باعتراف المسؤولين انفسهم في مجلس المحافظة او المحافظة نفسها. موضحا: ان هناك مئات المشاريع التي سمعنا عنها ولم نرها فلا مستشفى بُني ولا مشروع ماء حقيقي أُنجز ولا مُفسد تمّت محاسبته. خاتماً: يكفي ان اقول لك ان شط الحلة نفسه يعاني من التلوث وان محافظتنا التي كنا نفتخر بجمالها وحضارتها وآثارها لم تعد كما كانت  قبلة للزائرين.

تطور ليس بمستوى الطموح
لا يختلف أحد على مكانة وأهمية محافظة النجف الأشرف الدينية والتجارية ومع جميع مظاهر التطور والعمران التي يتلمسها الزائر، الا انها لا تتناسب وطبيعة تلك المدينة ومقدار المبالغ التي رُصدت لها سواء عند اختيارها عاصمة للثقافة الاسلامية او قبل ذلك. ويقول سائق التكسي النجفي الذي أخذنا بجولة في احياء المدينة لا تبهرك المناظر وما قد تشاهده من تطوير لمركز المدينة فهذا لا يعكس الحقيقة المُرّة في المناطق الداخلية حيث رداءة الطرق وسوء تبليطها وتخسفها ولم يمض غير سنتين على إنجازها، كما اننا نعاني من قلة بناء المدارس وسوء الخدمات البلدية.

الفساد المزمن
اما الباحث الدكتور رشاد عبد الرزاق الإبراهيمي فيقول لـ(المدى): ان الإعمار الذي حصل في النجف أفضل نسبيا من غيره في محافظات الفرات الاوسط والجنوب وهو ما يتفق عليه المراقبون ولكن نعترف انه اقل من طموح المواطن النجفي او مكانة المحافظة وهو ما يمكن ان تلمسه من احاديث الكثير منهم ممن كانوا يتوقعون قفزة في جميع الخدمات وتحقيق الكثير والأفضل. مضيفا: لم تكن الاموال المرصدة هي العائق، بل الفساد  المالي والاداري الذي رافق كل حملات الإعمار في النجف وفي كل العراق الذي كان النزيف المزمن لكل خطوات النهوض بمحافظات العراق ومنها النجف وانعكاسه السلبي على الخدمات المقدمة للمواطن.

السكن بالتقسيط
ومع ذلك والحديث ما زال للباحث رشاد عبد الرزاق لا يمكن التغاضي عن الجسور والانفاق والشوارع الفارهة وطريق حولي دائري خلّص وسط المدينة من الزحام في المناسبات الدينية خاصة. موضحا: ان الشروع ببناء مجمعات سكنية على طريق نجف- كربلاء سيخفف من ازمة السكن التي يعاني منها اهل النجف كما ان هذا المشروع ادى الى انخفاض اسعار الاراضي السكنية وهو مهم  خاصة وان تسديد اثمان الشقق بالتقسيط، مسترسلا: كما بُنيت مدارس ربما ليست بالعدد الذي نطمح اليه لكنها خطوة باتجاه صحيح واستحدثت كليات اهلية وحكومية اما العتبة العلوية الشريفة فقد حققت انجازات كبيرة ومهمة كبناء (صحون) جديدة كصحن ابي طالب وصحن فاطمة.

محاسبة المقصرين
واضاف الدكتور الابراهيمي من المعروف ان طريقة إعمار النجف تمت على شكل يمثل (180) درجة في احياء ومناطق  دون (180) درجة في مناطق اخرى ان صح التعبير ففيها مناطق حظيت بـ (360) درجة اعمار ومناطق اخرى تشكو. منوِّهاً: ما ادى الى فراغ عمراني ومدني فيها ولكن بشكل عام فان ما حصل في المدينة من تطور ليس بالقليل وما كان ليحدث لها عبر مائة عام مضت. مستدركا لكن هذا لا يعني اعفاء مَن ضيّع فرصاً اكبر من التطور من المحاسبة كائناً من كان.

مقترحات لابـدَّ منها ..
اخيراً حملنا ما تكونت لدينا من ملاحظات بشأن الطريق السريع واهمال الاراضي الزراعية على عدد من المتخصصين ومنهم المهندس ظافر جواد الذي قال لـ(المدى): باختصار ان الطرق السريعة في كل دول العالم تعكس جزءاً من وجه الدولة وتطورها، لذا فانها محاطة بالحدائق والغابات والمناظر الجميلة كما ان جميع الخدمات متوفرة فيها تقريباً بما فيها المرافق الصحية النظيفة ومحال تصليح السيارات وغير ذلك. لافتا: على عكس طرقنا السريعة التي خُرِّبت أسيجتها وبعض ما كان فيها من اماكن استراحة بسيطة بعد نيسان 2003 وطبعاً وكما هو معروف فان ما خُرِّب ودُمِّر لا يمكن ان يعود الى سابق عهده بسبب الفساد والرشوة والمحسوبية!!

قروض بفوائد ميسرة
واضاف المهندس: ان موضوع الخدمات بسيط جداً وكان يمكن ان يتم تشجيع الاهالي على القيام ببعضها على وفق مواصفات معدَّة من قبل جهات متخصصة كالمطاعم والمرافق الصحية من خلال قروض ميسرة وبفوائد بسيطة. موضحا: ان كل شيء ممكن اذا ما توفرت الإرادة وغاب الفساد. مشيراً: كما يمكن للمستثمر العراقي ان يمارس دوره في مجال تطوير الطرق السريعة او غيرها من المشاريع  من دون ان تكلف الحكومة اعباءً مالية ولكن بصراحة مافيات الفساد تعيق كل شيء وتدفع المستثمر للسقوط في براثن الفساد!

تدهور زراعي
اما الدكتور خليل حميد استاذ الاقتصاد الزراعي فاوضح لـ(المدى): لم يحظ َالقطاع الزاعي بالاهتمام المطلوب برغم ما اعلن من مبادرة زراعية لتطويره والمبالغ الخيالية التي رُصدت لها وبقي هذا القطاع في حالة تدهور مستمر. مبينا: زادت مساحات الاراضي الجرداء وانعكاس ذلك على البيئة والصحة ناهيك عن فقداننا ثروة مهمة.  وفي ما يتعلق بما ذكرت كان يمكن ان تشجع الدولة الاهالي فيها على انشاء حقول لتربية المواشي والاغنام وبجانبها حقول لزراعة البرسيم وغيره من المحاصيل المقاومة للملوحة نسبياً. منوِّهاً: وكان من المهم ان يتم زراعة اشجار ونباتات على الطريق السريع للتقليل من آثار العواصف الرملية على النجف وغيرها من مدن العراق.

غياب الخطط الاقتصادية
واضاف استاذ الاقتصاد الزراعي: الى جانب ذلك كان يمكن تشجيع معامل للالبان او تعليب اللحوم وغير ذلك وما يعني ذلك من توفير فرص عمل وتنشيط الدورة الاقتصادية. مضيفا: بصراحة ان غياب خطط اقتصادية واضحة ضيّع على العراق وعلينا كمواطنين فرصاً كبيرة واموالاً عامة أُهدرت بمشاريع لم تنفذ. مبينا: ان ما يحصل الان وحصل تتحمله الحكومات السابقة التي أهدرت ملايين الدولارات التي ذهبت في جيوب المفسدين. واختتم حديثه:  الحلول والمعالجات متوفرة ولكن !!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram