حسناً فعل مكتب رئيس الوزراء بتعميم وثيقة الإصلاحات والتغيير الحكومي، بما فيها المعايير والآليات التي ستُعتمد لاختيار الوزراء وسائر كبار المسؤولين في الدولة، على وسائل الإعلام لإطلاع الرأي العام عليها، فهذا حق لكل عراقية وعراقي ما دام نظام الحكم القائم يستند إلى مبادئ الديمقراطية.
الجزء الأهم في الوثيقة، في ظنّي، هو المتعلق بالمعايير والآليات، فالبرامج التي طرحتها الحكومات المتعاقبة منذ 2006 كانت من أحسن ما يكون، لكن المشكلة تمثّلت دائماً بالقائمين على تنفيذ تلك البرامج وبالقائمين على مراقبة التنفيذ. والآن يتبيّن لنا على نحو جليّ للغاية أن مَنْ عُهِد إليهم بمهمة التنفيذ (الوزراء والوكلاء والمدراء العامون والمحافظون والسفراء) وكذا المعهود إليهم بمهمة الرقابة (أعضاء مجالس النواب وهيئات التفتيش العام والهيئات المزعوم أنها مستقلة)، كانوا بأغلبيتهم غير جديرين بهذه المهام، والسرّ، إن كان ثمة سرّ، إنما يكمن في نظام المحاصصة الذي حوّل البلاد إلى مزرعة فساد إداري ومالي ومفرخة فاسدين ومفسدين.
الوثيقة الحكومية تحدّد معايير وآليات لتوزير الوزراء وتعيين كبار الموظفين في الجهاز البيروقراطي، وهي جيدة عموماً وتتوافق مع معايير وآليات معتمدة في حكومات ومؤسسات البلدان المتقدمة، الديمقراطية، وبعض المنظمات الدولية. ووضع هذه المعايير والآليات موضع التنفيذ بعد إنجاز التغيير الوزاري المرتقب سيواجه مشكلة كبيرة جداً، فالأغلبية من الوزراء وكبار المسؤولين الذي عُيّنوا بموجب نظام المحاصصة لا تنطبق عليهم هذه المعايير، وسيتعيّن إخراجهم من مكاتبهم بمجرد اعتماد هذه المعايير والآليات، وهذا ما ستعارضه وتقف في وجهه بضراوة القوى المتنفذة في البرلمان والحكومة الحاليتان، لأنها تشعر بأن نفوذها ومصالحها المادية، المتحققة من وجود هؤلاء في السلطة، ستتأثر بقوة. ويُمكن لهذه القوى أن تتوحد في ما بينها، برغم خلافاتها، لمنع، أو للحدّ من، تطبيق هذه المعايير والآليات على النحو الصحيح.
ما العمل؟
وثيقة الإصلاحات تفتح الباب أمام كل الكفاءات والخبرات في أجهزة الدولة للترشّح لشغل الوزارات وسائر المناصب العليا، وما دامت الحكومة ستشكل لجنة مستقلة ومحايدة للاختيار من بين المتنافسين، فثمة احتمال كبير أن يتأثر نفوذ القوى والأحزاب المتنفذة في السلطة الآن، لأن الغالبية من عناصرها الذين يديرون أجهزة الدولة حالياً لا يتحلّون بالكفاءات والخبرات المتوافقة مع المعايير والآليات الجديدة.
لحل هذه المشكلة التي يُمكن لها أن تعرقل عملية الإصلاح والتغيير الحكومي، أظن أن على الحكومة واللجنة المكلفة بالنظر في السير الذاتية للمتنافسين،إبلاغ القوى والكتل بأن في إمكانها ترشيح من تراه مناسباً من عناصرها، وتتحقق فيه الشروط والمواصفات، للتنافس مع الآخرين .. هذا سيفرض على هذه الأحزاب والقوى ترشيح أفضل ما لديها من كفاءات وخبرات لكي تستطيع المنافسة، والامتناع عن الترشيح على أساس الولاء للحزب أو لشخص زعيم الحزب أو للعشيرة والطائفة.
وإذا ما التزمت العملية برمتها عنصر الشفافية، وإذا ما تمسّكت اللجنة المستقلة بالمهنية والموضوعية في عملها، فان أحداً لن يكون بوسعه الاعتراض على اختيار التعيينات، لأنه يعرف أي قدر من الغضب والازدراء العامين سيواجه.
وثيقة الإصلاحات ومشكلة التعيينات
[post-views]
نشر في: 11 مارس, 2016: 05:37 م