TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > المسرحيّون لا ينتظرون "غودو"

المسرحيّون لا ينتظرون "غودو"

نشر في: 14 مارس, 2016: 04:55 م

كلّ يوم أمرُّ بشارع السعدون، وفي كل مرة "يمرد" قلبي الشعورُ بالخيبة والإحساس بالوجع مما نحن فيها من حال. واحدة من أهم خمس دول منتجة ومصدّرة للنفط تردّت بها الحال إلى مستوى لم تعد معه قادرة حتى على ترميم دار للعرض السينمائي وأخرى للعرض المسرحي!
كلما مررتُ بمنطقة بستان الخس بالذات، المطلّة على الشارع، تفحّصتُ المشهد الحياتي مليّاً، مؤمّلاً النفس بأنني ذات مرة سأبتهج بمشهد عمال بناء مع آلياتهم يعملون في المكان لإحياء مبنيين كان لهما شأن عظيم في  الحياة البغدادية، فها هنا على وجه التحديد كان يوجد اثنان من أهم دور العرض السينمائي والمسرحي في تاريخ العاصمة، سينما بابل ومسرح بغداد. الآن هما مهجوران، ويقال إنهما قد تحوّلا إلى مخزنين لأصناف شتّى من السلع، ومن الحشرات.
أيّ بؤس أشدّ مضاضة من واقع أنّ دولتنا، التي بلغ دخلها من عائدات النفط وحدها في السنوات العشر الماضية أكثر من 600 مليار دولار (أي 600.000 مليون)، لم تستطع اقتطاع مليون واحد فقط لا غير، أو حتى نصف مليون من أجل مسرح بغداد وسينما بابل.. فتّش عن الفساد المالي والإداري، وبالذات فساد وزارة الثقافة في عهود وزرائها الكثر الذين أعقبوا مفيد الجزائري وسبقوا فرياد رواندزي.
ذات مرّة قلتُ للوزير رواندزي أنه قد يصعب عليه تحقيق إنجاز كبير بسبب تركة الفساد الثقيلة التي ورثها، لكنني أظن أن إعادة الحياة الى دار واحدة للعرض السينمائي وأخرى للعرض المسرحي، ستجعل الناس تتذكره وتذكره بالخير لأجيال.
من الصالحية في الكرخ جاءت الأخبار السعيدة، ففي الأيام الأخيرة أطلق عدد من الفنانين المسرحيين الذين أمضّهم انتظار "غودو"، مع مجموعة من الشباب البغدادي، مبادرة لإحياء مسرح الرشيد. المخيّب للظنّ أنّ وزارة الثقافة لم تدخل على خط هذه المبادرة. أزعم أنها قادرة على أن تنتهز هذه الفرصة للمشاركة في ترميم هذا المسرح وسواه.
غير مرّة اشتكى الوزير رواندزي من أنّ وزارته متخمة بستة آلاف موظف وموازنتها السنوية مُرهقة برواتبهم، فيما يستطيع إدارتها بخمس مئة فقط. يُمكن للسيد رواندزي أن يوجّه 100 من موظفي وزارته الفائضين عن الحاجة لـ "اجتياح" مسرح الرشيد والمشاركة في أعمال التنظيف والترميم. حركة من هذا النوع يُمكن لها أن تشجّع أيضاً على التبرّع لصالح المسرح من داخل الوزارة ومن خارجها، من خلال إقامة معارض فنيّة وعروض للأزياء وحفلات موسيقية على سبيل المثال.
مبادرة إحياء مسرح الرشيد يُمكن لها أن تتحوّل إلى حركة واسعة لإعادة الحياة الى سائر دور السينما والمسرح والمراكز والنوادي الثقافية في بغداد وسائر المحافظات.
إشعال شمعة خير من لعن الظلام .. منذ ثلاث عشرة سنة، وقبل هذا بمدة مماثلة، ونحن نلعن ظلام الدكتاتورية الصدامية وظلامية الإسلام السياسي. الآن هناك شمعة تُضاء في منطقة الصالحية.. لنجعلهما اثنتين لتشتعل بعدهما تلقائياً الثالثة والرابعة والمئة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

 علي حسين منذ ان ظهرت الديمقراطية التوافقية في بلاد الرافدين ،والمواطنونالعراقيون يبحثون عن مسؤول مختلف يمنحونه ثقتهم، وهم مطمئنون ، رغم أنهم يدركون أنّ معظم السياسيين ومعهم المسؤولين يتعاملون مع المناصب على أنها...
علي حسين

قناطر: ليلُ العشَّار الطويل

طالب عبد العزيز يحلَّ الليلُ باكراً في أزقّة العشَّار، أزقته القصيرة والضيقة، التي تلتفُّ عليه من حدود شبه جزيرة الداكير الى ساحة أم البروم، يحدث ذلك منذ سنوات الحرب مع إيران، يوم كانت القذائفُ...
طالب عبد العزيز

محاسبة نتنياهو وغالانت أمام محكمة الجنايات الدولية اختبار لمصداقية المجتمع الدولي

د. أحمد عبد الرزاق شكارة يوم عظيم انتصاراللعدل عبارة تنم عن وصف واضح مركز ساقه الاستاذ المحامي الفلسطيني راجي صوراني عن طبيعة الدور الايجابي المؤثر للمحكمة الجنائية الدولية متمثلا بإصدار مذكرتي القاء القبض تخص...
د. أحمد عبد الرزاق شكارة

الاندماج في العراق؟

أحمد القاسمي عندما نسمع بمصطلح الاندماج يخطر بأذهاننا دمج الأجانب المقيمين في بلد ما. فاستخدام هذا المصطلح بات شائعا منذ بضعة عقود في الغرب ويُستخدَم غالبا عند الحديث عن جهود الدولة أو مؤسسات المجتمع...
أحمد القاسمي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram