د. علي جواد الطاهر نحن في الحلة واسطورة اسمها الشيخ مهدي تدور، هو أعمى. والمسألة معروفة ،كما يعرف اهل اثينا عن هوميروس. اذا سمع الشيخ مهدي القصيدة مرة، حفظها خيراً من صاحبها واذا حفظ قصيدة معروفة، زاد عليها من وزنها وقافيتها،
 واذا صعد المنبر يقرأ المقدمة، شرع في قصيدة يعرفها الحاضرون، ويعرفون ناظمها ومناسبتها... ثم تلفت يمنة ويسرة ، وسأل: هل جاء الشيخ؟ يريد والده.فأذا أجيب بالنفي، استغل الفرصة ، وقرأ شعراً لم يسمعه الحاضرون من قبل، لأنه هو الذي نظمه، وزاده على وزن القصيدة وقافيتها، وهو الذي خرج بالقصيدة من الحزن والنحيب الى التفاؤل والثورة، يرعد ويزبد ، والقوم في عجب عجاب، وليكن بينهم الساخط او الخائف والا، لما كان اسمه الشيخ مهدي.  لقد أخذ نصيبه من علوم زمانه، وأقبل على الأدب بوجه خاص، وحفظ الشعر وزاوله منذ الرابعة عشرة.. واستمر يقرأ –أي يقرأ له –ويحفظ. ولايميزه هذا بشيء،لأنه فيه واحد من مئات وألوف، تزخر بهم بلدته والبلدة المجاورة لها، ولايريد لنفسه ذلك، ولا تريده له نفسه، ان شيئاً فيه أقوى من البيئة الراكدة، ان تمردا في جلده، وثورة في قلبه، وضجة في ضميره...ولايمكن لمن كان كذلك، ان يقر على حياة كالموت وخصب كالجدب، فليبحث –اذن- عن السبل. والسبل وعرة ، ولكنها قائمة تجتذب اليها النابهين. وليطلع على ما يجري في العالم، والاطلاع عسير ولكنه ممكن لمن جد في السعي اليه. هناك كتب ومجلات ترد من لبنان ومصر، وهناك "المقتطف" المجلة التي تدخل الثورة الى النفوس المستعدة لها، تدخلها دهشة اولا، واطمئناناً ثانيا، فليتق – اذن-سراً بمن تصل اليهم المقتطف، وغير المقتطف، وليستمع، وليتأمل ، وليحكم. اما فساد الحكم العثماني، فلا يستدعي كتابا او جريدة، واما فساد الحكم الانكليزي ، فلا يقتضي دليلا أو نقاشا. ويلتقي الى لداته في الفكرة، وتستحل الفكرة عقيدة، وتستحيل العقيدة شعراً، وتصل اليه أخبار الوطنيين في بغداد، فيرضى حيناً ويسخط حيناً، من رضاه، انه أسس في الحلة فرعاً لحرس الاستقلال، ومن سخطه انه رآهم يقفون من القضية موقف الضعيف، فود لو كان قريباً منهم، لغير –اذن –من حالهم، وأقنعهم بأن الحق يؤخذ من الانكليز في العراق، وليس في فرساي ، بالقوة لا بالشكوى ، وللحرب معنى وللسلام معنى. ود ذلك، ولكن، اين من أين؟ ان بغداد القريبة بعيدة على من كان في ظروفه، انها تقتضى مجازفة والمجازفة في دمه والدم ينتظر الشرارة وها هي ذي الشرارة تقترب: كانت الحلة في أوج ربيعها، ومضى الشيخ الى الشاطئ، يستمتع بنسيم وطنه.. وسار قليلاً...واذا بجندي من جيش الاحتلال يزعق: -ابعد، ارجع، ممنوع... وقال الفتى الشيخ في نفسه: -ممنوع؟! عجيب! أفي بلادي ويمنعني الاجنبي؟ أيمنع الوطني الماء والهواء؟! لا قرار على هوان بعد اليوم. ولم أمتعته الخفيفةولحق ببغداد، تصدر في الطليعة الوطنية،يخرج "الاجتماعات الدينية الى اجتماعات ثورية"ويفجر "البركان" شعراً، وخطباً، وتنظيماً، وتدبيراً... كان و:انه لابد منه للثورة.  وأدرك الانكليز خطره، وعملوا جاهدين على ردعه ، فبعث الحاكم العسكري على ردعه، -من اين انت؟-من الحلة. -لم جئت الى بغداد؟-مريض...أتداوى. -أما كان يمكن ان تتداوى في الحلة؟ -لا. ويعود يؤجج ويوجه. يظهر ويختفي، يسجن ويطلق،...خلال الثورة وبعدها...أجل ، وبعدها. يكمل ما يكمل من السجن ويعود يشارك في تأسيس الحزب الوطني.. ويتقدم اعضاءه المنفيين الى هنجام...واذا سمحت السلطات المحتلة للمنفيين بالعودة الى بغداد، فرضت على الشيخ مهدي، وحده، الاقامة في البصرة تحت مراقبة الشرطة. ثم سمح له بالعودة الى بغداد ن بعد ان قررت سلطة الاحتلال وضعاً جديداً يصعب ان يؤثر فيه الشيخ كما كان. -فماذا يفعل؟ وبم يتعلل؟ -"تاريخ القضية العراقية" قبل ان يضيع. التدريس في جامعة آل البيت بما يوفر رزقاً حلالاً الوصول بالشك الى اثبات الصحيح من الشعر الجاهلي –غيرة على الحقيقة. مع مكانة وطنية مرموقة. وصلة غير منقطعة بالقليل الذي بقي من الوطنيين ومحاولة غير مجدية للعودة بالحزب الوطني وفكرة تمكنت من نفسه للدراسة العالية في فرنسا – على ما في الفكرة من مخاطر المجازفة، ولما في الفكرة من مخاطر المجازفة، انه اذا اقتنع صمم، واذا صمم نفذ، وليكن ما يكون! وأين المفر؟! تلقاه في باريس ماسينيون وتعقبه من بغداد الكائدون ، ولكنه وطن النفس، منذ البداية، على اسوأ الاحوال. يمضي في الخارج سبع سنوات ويعود ومعه دكتوراه ورفيقه كفاح يتولى التدريس بدار المعلمين العالية، بعد صعوبات، وخلال صعوبات، فيكون ودعك  من قيل وقال –استاذاً – مدرسة، في المنهج ، وفي وصل العلم بالخلق ورعاية المواهب، واعتماد الذكاء والرأي والذوق قبل الجمع والحشد والحواشي... والشدة الى ما تبدو معه ظلماً وجوراً، دون ان تكونهما ، لأنها من الحزم، واللين الى ما يبدو معه ضعفا وغفلة، دون ان يكونهما لأنه من الابوة. وكم عالج عقوقاً بسماح وأحسن الى من اسا