في أول حدث من نوعه، منذ نصف قرن تقريبا، أقام "متحف الفن الحديث" في نيويورك معرضا خاصا بمنحوتات الفنان الشهير بابلو بيكاسو (1881-1973) ضم 141 منحوتة (50 منها على سبيل الإعارة من متحف بيكاسو في باريس) أنجزت بين 1902 و1964، إلى جانب مجموعة مختارة من لوح

في أول حدث من نوعه، منذ نصف قرن تقريبا، أقام "متحف الفن الحديث" في نيويورك معرضا خاصا بمنحوتات الفنان الشهير بابلو بيكاسو (1881-1973) ضم 141 منحوتة (50 منها على سبيل الإعارة من متحف بيكاسو في باريس) أنجزت بين 1902 و1964، إلى جانب مجموعة مختارة من لوحاته وصوره الفوتغرافية، لتعزيز فهم الجمهور بالثورة التي أحدثها في مجال الفن التشكيلي، والتزامه بالتجديد المستمر في أسلوبه الفني.
جاء اختيار الأعمال المعروضة، التي اشتغل عليها بيكاسو من مواد مختلفة: خشب، جص، صفائح معدنية، برونز، طين وحصى، لتغطي معظم حياته الفنية النشطة، وتقدم مسحاً شاملاً للمراحل التي قطعها الفنان الإسباني الراحل، وكيف كرّس حياته المهنية الطويلة لابتكار تقنيات تجريبية فريدة، حيث كان دائماً جريئاً وعلى استعداد لكسر جميع القواعد التقليدية التي تحد من حريته وإبداعه.
وكشف المعرض عن ولع بيكاسو العميق بالنحت (700 منحوتة من 4500 هي مجموع أعماله التشكيلية) رغم ميله نحو التجاوز وعدم الانسجام والنشاز، وبصرف النظر عما يفعله زملاؤه النحاتون. وقد عرف عنه حرصه على الاحتفاظ بالأغلبية من تماثيله ومنحوتاته في حوزته مثل أفراد الأسرة، إلا أنه في عام 1966، وخلال مهرجان تكريمه الكبير الذي شهدته العاصمة الفرنسية باريس، بات يدرك أهمية أن يطلع الجمهور على هذا الجانب من عمله. ويعد المعرض الحالي هو الثاني الذي يقام في الولايات المتحدة لمنحوتاته بعد المعرض الذي أقامه المتحف نفسه عام 1967.
ووصفت روبرتا سميث، الناقدة الفنية لـ "نيويورك تايمز" المعرض بـ "المدهش". وقالت في مقال نشرته هذه الصحيفة: العديد من المعارض جيدة، وبعضها مهم، إلا أن عددا قليلا جدا منها يرقى لمستوى الأعمال الفنية الكبرى، ومعرض بيكاسو، المتميز بالغنائية والحكمة المتراكمة، مثال واضح.
واعتبرت المعرض من الأحداث المثيرة التي تقع مرة واحدة في العمر، لجهة التغييرات الأسلوبية، ورؤية بيكاسو المتنوعة والمختلفة في كل مرة عن سابقاتها، وهو ما أعطى أعماله النحتية هذا التنوع والاختلاف، مع استثناء واحد يتعلق بلوحة "ماري تيريز والتر" كونها أنجزت على قماش. وتشير الناقدة بذلك إلى عشيقة الفنان وملهمته لاسيما في عمله الريادي "عارية وأوراق خضراء"، وقد اصبح اليوم أغلى عمل فني. وكان بيكاسو التقى والتر في 1927 حين كانت لاتزال في السابعة عشرة خارجة من محطة مترو في باريس، ففاتحها بإعجابه. وكان هذا اللقاء فاتحة علاقة عاطفية متقدة انتهت عام 1935 عندما التقى عشيقته الجديدة دورا مار.  
ورأت سميث أن هذا المعرض يثير مسألة ما إذا كان بيكاسو نحاتا أفضل منه رساما، إذ يبدو النحت جزءا غير معروف نسبيا لدى الفنان، ونادرا ما يشاهد بين أعماله الكبيرة الوافرة. وقالت انه من الصعب الحسم بكلمة، فكل عمل من أعماله تحفة منذ لوحته الخالدة "آنسات أفينيون" التي رسمها عام 1907، وعدت منعطفا في تاريخ الفن.
لقد كان بيكاسو مثل منحوتاته ثلاثية الأبعاد: ساحرأ، عبقريا ومجددا باستمرار. ونحن لا نستطيع أن نفوت لمسات يده العبقرية حين تعتني بمواد لا يمكن إخضاعها، مواد قد تكون قصاصات واهية من الورق المقوى، لتحويلها إلى أشكال مبتكرة، عميقة ومؤثرة.
بين هذه الأشكال المتباينة ثمة قيثارات تكعيبية غريبة، مصابيح غازية، صنبور مياه، أنوف مجذوعة، وجوه نصف بشرية، حيوانات غير مكتملة، إلى جوار قطع قاسية مشغولة بأسلاك الحديد. وثمة أيضا لطخات طلاء، وخطوط لحام فوضوي وضع بشعور من الارتجال. الضوء يطغى على اللون. والجمال يتقدم قليلا وينضوي في التشوهات، لأن سنوات الإشتغال كانت سنوات حربين عالميتين، حيث الموت، والحرمان، والطفولة الضائعة وسط النيران.