تركت التجربة المصرية الرصينة في عالم التدريب العربي انطباعاً راسخاً بأن العُمق الكروي في تاريخ مصر العريق بانتماء اتحاده المحلي الى أسرة الاتحاد الدولي للعبة عام 1923 بعد سنتين من تأسيسه ومشاركة منتخبه في مونديال إيطاليا عام 1934 أسهم في توريث المسؤولية الوطنية من جيل الى جيل وتجذيرها في قلب كل مصري مهما اختلف في انتمائه للعبة إدارياً أم حكماً أم مدرباً أم لاعباً أم صحفياً رياضياً، مسؤولية لم تكن بديلة عن الشعور الفطري بالمواطنة لكنها معززة لقيمتها.
جميع المراقبين لمستوى دورينا الكروي نُقاداً محليين أو عرباً، رفعوا قبّعاتهم لسفيري مصر في التدريب محمد يوسف وحمزة الجمل اللذين عملا على تقديم فريقي الشرطة ونفط الوسط -على التوالي- بأفضل أداء على صعيد البطولة المحلية وكأس الاتحاد الآسيوي وأنتقلا بهما من مصاف الحالمين للتنافس على المراكز المتقدمة الى الساعين بانتزاع اللقب والمحافظة عليه، وهو مؤشر واقعي تحكمه النتائج والقدرات الفنية للرجلين المجتهدين خلال فترة تواجدهما في العراق.
كنا نتمنى ان تستمر تجربة يوسف والجمل الى مديات طويلة في الدوري الكروي لاسيما أن شعبيتهما بين انصار الفريقين وخارجهما طغت حتى على شعبية مدربين آخرين كانوا اصحاب القدح المعلى في علاقتهم مع الجمهور قبل أن تفترَ لخياراتهم غير الدقيقة مع الفرق غير المناسبة لامكانياتهم، لهذا حضيا بدعم كبير يستحقانه من إدارتي وجمهوري الشرطة ونفط الوسط نظير عملهما المتميز وحُسن قيادتهما لاعبي الفريقين وهو اساس نجاح أي مدرب يتفهم طبيعة المهمة المؤداة ونوعية العناصر المساعدة على تنفيذ توجيهاته بلا تقاطع أو ضغوط.
هل أحسنّا التعامل مع ممثلي مصر وخاصة قبل انتهاء مشواريهما حسب ظروف كل مدرب؟ كلا، كان جَزَاء إخلاصهما تكريماً خاصاً، حيث لم تُقدّر إدارة الشرطة ظروف محمد يوسف بذهابه الى بلده بأجازة، فعمدت الى تقديم المدرب البديل ثائر جسام في مقر النادي بينما كان يوسف منهمكاً في قيادة إحدى الوحدات التدريبية بالجادرية، وحفاظاً على كرامته، قررّ حزم حقائبه عائداً الى بيته وتقديم شكوى لدى فيفا لاسترداد حقوقه، وبالفعل ستبدأ الهيئة المؤقتة بتقسيط ما بذمتها له على شكل دُفعات من أيار المقبل.
ولم يكن مواطنه حمزة الجمل في حال أفضل منه بعد أن تمكن من تأهيل نفط الوسط الى دوري النخبة وقيادته في كأس الاتحاد الآسيوي قرر العودة مُجبراً الى أهله بعدما اصطدم بمنشور إعلامي في موقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك) يتناول شأناً خاصاً به في حقبة تغيير النظام في مصر ولم يوظِّف أو يعكس ذلك طوال فترة عَمله مع الفريق بشهادة عضو الإدارة مشرف الفريق فراس بحر العلوم والمُنسق الإعلامي للنادي الزميل كريم قحطان اللذين استنكرا تعرّض الجمل لنقد شخصي خارج معطيات الرياضة، ولم يكن له صلة بالتأثير الفكري على علاقته الإنسانية مع أعضاء الإدارة أو اللاعبين.
ظُلم محمد يوسف وحمزة الجمل بقي حبيس شعورنا بالخجل تجاههما بعدما أرتضيا التعايش والتدريب وسط كل المخاوف التي دعت مدربين عراقيين لالتزام بيوتهم في المهجر وعدم المغامرة في مهمات مع أي نادٍ باستثناء قلة منهم تم محاربته علانية وبشكل رسمي احياناً، فكيف ننشد رفع العقوبة الدولية عن ملاعبنا ونستقبل فرقاً عربية وصديقة كي تعاود دعم انشطتنا في بغداد والمحافظات وهناك من يتصرّف عمداً أو غفلة بترسيخ انطباعٍ تشاؤمي عن خطورة وضع الرياضة في العراق وعدم زوال هواجس التهديد الشخصي وغمط الحقوق دون سابق إنذار وعدم احترام المواثيق والتعهدات؟!
لابد أن تضطلع الوزارات المموّلة لميزانية انديتها بدورها في المراقبة والمحاسبة، فالتعاقد مع مدرب من خارج البلد يُضاعف المسؤولية المالية والأمنية عليها بغية عدم التعامل باجتهاد في تعرّض المدرب الى الظلم كما حصل للمصريين اللذين نتمنى أن تكون قضيتهما درساً أخيراً لمن يتحمّل خطيئتيهما!
لا تظلموا المصريين ثالثة
[post-views]
نشر في: 19 مارس, 2016: 09:01 م