اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مسرح > بين الرمز والموروث الشعبي.. المفتاح

بين الرمز والموروث الشعبي.. المفتاح

نشر في: 21 مارس, 2016: 09:01 م

2-2ومثلما ارتأى المؤلف أن يبدأ الجزء الأول كمقدمة بأغنية للحكاية الشعبية المعروفة في قصة المفتاح، كذلك فقد اتبع نفس المنحى في بداية الفصل الثاني بمجموعة من الأغاني الشعبية التي تعبر عن الحب والخير والأمل، وهو بهذا ينتهج اسلوب التقابل بين مناظر فصليه

2-2
ومثلما ارتأى المؤلف أن يبدأ الجزء الأول كمقدمة بأغنية للحكاية الشعبية المعروفة في قصة المفتاح، كذلك فقد اتبع نفس المنحى في بداية الفصل الثاني بمجموعة من الأغاني الشعبية التي تعبر عن الحب والخير والأمل، وهو بهذا ينتهج اسلوب التقابل بين مناظر فصليه الأول والثاني، ليصبح المنظر السابع للفصل الأول مقابل المنظر الأول للفصل الثاني، وهو منظر الراعي والحشيش، والمنظر السادس للفصل الأول مقابل المنظر الثاني للفصل الثاني وهو منظر البئر، والمنظر الخامس للفصل الأول مقابل المنظر الثالث للفصل الثاني وهو منظر العروس، والمنظر الرابع للفصل الاول مقابل المنظر الرابع للفصل الثاني وهو منظر الحداد، ومنظر الفصل الثالث للفصل الأول مقابل المنظر الخامس للفصل الثاني وهو منظر العودة الى البيت، والمنظر الثاني والأول والثامن من الفصل الأول بدون مقابل لمناظر الفصل الثاني.

واذا كانت الأغنية المكرسة في مقدمة الجزء الأول (السفر) قد استمدت من قصة المفتاح الدائرة حول مشكلة حيرة بعدم انجابها او عدم قناعة زوجها حيران بالتعويل على الحكاية الشعبية التي لا نهاية لها وتنتقل من شخص وحدث الى شخص وحدث آخر والمعروفة بالمفتاح، فإن أغنية مقدمة الجزء الثاني (الرجوع) هي اجابة على أغنية الجزء الاول، بجنى ما تم زرعه في المحطات التي توقفت عندها الشخصيات الثلاث.
شأنه شأن توفيق الحكيم، يثور يوسف العاني في هذه المسرحية على الاساليب التقليدية التي اتبعها في مسرحياته السابقة، وذلك من خلال اختراقه للجدار الرابع، عبر مخاطبة الراوي للمشاهدين والتزاوج بين الموروث الشعبي الخاوي وغير الملآن وبين الفكر المعاصر الذي ينحو نفس المنحى، الأول بالتعويل على ما تقوله الحكاية (الوهم) وهو الشكل، والثاني سعيا في انجاز ما هو غير ممكن انجازه (انجاب الطفل بدون ضمانات =تحقيق مصير الشعوب)وهو المضمون، وبهذا التزاوج بين الشكل والمضمون، يسير العاني على خطى الحكيم في مسرحية (يا طالع الشجرة ) في توظيف أساليب مسرح اللامعقول.
يزخر هذا النص بالرموز، ويشتغل المؤلف بهذا المعنى على صعيد كل المستويات، ابتداء من الأغنية الشعبية..يا خشيبة نودي.. مرورا بالشخصيات، وانتهاء بالحدث. فإذا كانت الأغنية ترمز الى الوهم شأنها شأن الأغنية الموظفة في (يا طالع الشجرة).. الا أنها تختلف معها في عدم بنائها على أنانية الفرد، وانما على مصلحة الجميع، أي أنها لا تفضي الى العبثية كما في (يا طالع الشجرة)، وأنما الى نتيجة مثمرة، تتسم بقدر بصيص من أمل، وهي بذلك تكاد في معالجتها هذه أن تكون أقرب الى معالجات أساليب المسرح الواقعي منه الى أسلوب مسرح اللامعقول، وحيرة تباغت حيران الى أنها قد أحست بأن الطفل يتحرك في بطنها، عندما كانت في البستان،ويحث نوار حيران وحيرة على الركض، ويتركا الحكاية ليحصلا على المفتاح الحقيقي.
والمفتاح الحقيقي هو ما تم سلبه واستعادته عن طريق العمل، والعمل هنا المقصود منه النضال بشكل جماعي وليس فرديا، ذلك أن المجرمين استغلوا الزوبعة كما يقول الراعي في اشارة واضحة الى استغلال العدو للخلافات القائمة بين الدول العربية وعدم مشاركتها عدا دولتين او ثلاث منها في حرب حزيران عام 1967، ما أدى الى تحطيم حائط البستان وسياجه، ونهب كل ما فيه في ايماءة جلية أخرى الى دخول العدو الأراضي الفلسطينية وحتلال قسم منها.
ووسط هذا العدوان واصرار الراعي على عدم ترك أرضه، تحس حيرة بتحرك الطفل في بطنها
حيرة:وماذا ستفعل بعد كل هذا ؟
الراعي: أعيد  كل  ما أخذ مني..
حيران: تعيدها ؟
الراعي: طبعا، لا بد أن أعيد حقي مادام الدم يجري في عروقي، وما دمت أتنفس الهواء والحياة...سأعيد حقي...
مانحا الراعي لحيرة عبر جملتيه (مادام الدم يجري في عروقي ) و (سأعيد حقي )بصيصا من الأمل لأنجاب الطفل، الجملة الأولى مقرونة بالعامل الفسيولوجي والجملة الثانية بعامل ارادة وقوة و ايمان الانسان.
يرمز الأجداد السبعة الى التاريخ، ونوار الى الجيل الواعي الجديد وحيران وحيرة الى القلق وعدم الاستقرار، والحداد الى الطبقة العاملة، والراعي الى الفلاحين، والبئر الى الشعب، والبستان والغيمة الى الخير، ووصيفة العروس الى السلطة، أما الحدث أوحبكة النص فيرمز الى الثورة والتجديد وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
على الرغم من أن العاني يعول على أغاني شعبية أخرى الى جانب أغنية (ياخشيبة نودي....نودي...نودي وديني على جدودي...) كأغنية (ياربي مطرها على عناد العلوجي...) وأغنية (مطر مطرعاصي) الا أن منحه رقعة أوسع لـ(ياخشيبة نودي...نودي) التي تتكرر أكثر من عشر مرات، جعلها تطفو على سطح الأحداث وبالتالي أن تغدو أيقاعا للنص.
وهذا التكرار لم يأت بشكل اعتباطي، واقترن بثيمة النص الذي مؤداه عدم الالتفات الى الخلف، والسير الى الأمام بسرعة، وثمة أكثر من جملة وعبارة توحي بهذا المعنى، أو الى قطع الصلة بين الماضي والحاضر، أو عدم اهتمام الجيل الجديد بالماضي وبالعكس، خاصة وأن الأجداد هم الذين يوجهون حيرة وحيران ونوار الى الطريق غير الصحيح، أو غير المثمر، وذلك من خلال تقديمهم مساعدة لا تلائم التطور الحاصل في أواخر القرن العشرين، وهو اعطاؤهم ثوبا وكعكة، لأن الحكاية تقول ذلك، على أن يحتفظوا بهما بعد أن يغلقوا الصندوق ولايفتحونه الا اذا رزقوا بطفل.
وتتضح هذه القطيعة في أول لقاء بين الجيلين وحيران يقول (لا أعرف غير جدي، والد أبي أعرفه من الصورة المعلقة في بيتنا) موحية -هذه الجملة- بعدم قراءة هذا الجيل للتأريخ، كما وأن اصابة حيرة وحيران بالذعر لسماع أصوات أجدادهم، تومئ الى عدم انجذاب حيرة وحيران الى أجدادهم وبالتالي تعلقهم بهم، كما أن عدم رد الأجداد على ترحيب الأحفاد، لكون آذانهم ثقيلة، تشير الى عدم ايلاء الأجداد للأحفاد العناية والاهتمام اللازمين..أما ارتجاف حيران من البرد فهو نتيجة خوفه منهم، أي من أجداده، وتسمية الأجداد حيرة بالحرمة، وجرأتها بالكلام أمام زوجها، حيال تسميتها من قبل حيران بـ الزوجة، واستغرابه من عدم كلامها في حضوره، تدل على وجود حاجز كبير بين جيل الأجداد وجيل الأحفاد، وهذا الحاجز يزداد كلما تقدمت حواراتهما بخطوة الى الأمام، وصولا الى توضيح الثلاثة انجازات واخفاقات هذا العصر، الأول متمثلا في تطور المرأة من خلال دخولها المدارس لتصبح معلمة ومدرسة ونائبة في البرلمان ورائدة في الفضاء، والثاني بالظلم الذي لحق بالشعب العربي من خلال طرده من أراضيه وظهور هولاكو جديد يريد سحق البشرية وتدمير العالم، وارهاب جيفارا لأنظمة قارتين كاملتين، ليصير رمزا للشمس، ونساء فيتنام يحرثن الأرض ويحصدن الزرع ويحملن البندقية باليد الأخرى :وبهذا الخصوص،خصوص الحيلة الفنية التي يشتغل عليها المؤلف في توظيف الرموز للقطيعة القائمة بين الجيلين، يتبع نفس المنحى في تصديه لمعاناة الشعوب،فهو في الوقت الذي يأتي فيه على ذكر كل الشعوب كالشعب العربي والشعب الفيتنامي يذيل حاشيات  صفحات النص بملاحظات تخص الشعب العربي، وهذا يعني أنه يقصد هذا الشعب، مع أعطاء حرية التصرف في تفسير النص للمتلقي بشكل أعمم  وأوسع خارج  الاطار المحلي الى العالمي.
واشار في مكانين ولربما اكثر الى هذه الهوامش، وهذان المكانان جاءا في الصفحة (321)....هكذا.....
في النص اشارات ولفتات ينبغي ان تفهم على ضوء تاريخ تأليف المسرحية وهو 3/10/1967_19/1/1968 والصفحة (335)...هكذا....:حين تقدم المسرحية في الوقت الحاضر لابد من أضافة نماذج من بطولات شعبنا العربي والشعوب المناضلة الأخرى.
لطالما  لم يتجاوز النص المسرحي حدود القراءة، سيبقى مرهونا ضمن أطاره الأدبي، ولايأخذ موقعه الفني الا أذا عرض على خشبة المسرح، فاذا عرفنا هذه الحقيقة، والحال هذا فلا تبقى قيمة تذكر لتذييلات المؤلف في هوامش النص، لقطع صلتها بمتلقي العرض، ما يعني أن المؤلف بالرغم من أنه يأتي على ذكر الشعوب المضطهدة، فإنه لايشتغل عليها بشكل مباشر وانما عن طريق الرمز، ولكنه في معالجته لها يطرق باب المباشرة، وتأتي هذه الازدواجية بفعل ما تمخض عن تزاوج المضمون والشكل اللاواقعيين الى معالجة تقليدية... تنتمي الى المسرح الواقعي، وليس الى مسرح اللامعقول.
صحيح أن المؤلف يذهب بالحكاية الى طريق مسدود لخلو الصندوق من الكعكة والثوب طبقا للتزاوج بين الموروث الشعبي للحكاية العبثي وبين الفكر المعاصر الذي يسير بنفس الاتجاه، ولكن تعزيز هذه المعالجة بمعالجة اخرى يتسم بقدر من الأمل، وهي حركة الطفل في أحشاء حيرة، أضعفت توازن تقنية النص على حساب المضمون، على الرغم من ان هذه المعالجة جاءت من داخل بنية الحدث (الحكاية الشعبية) وليس من خارجه، وذلك بعد أن يصيب الهلاك والدمار بالبستان ويهطل المطر.
حيرة: أردت أن أقول لك،لكن المطر هطل،فأخذتني الفرحة،وقلت لن أكشف السر الا حينما نقفل الصندوق...
أقول أضعفت توازن تقنية النص على حساب المضمون، لأن المعالجة الأولى أكثر اتساقا وانسجاما مع شكل ومضمون النص،  وبالتالي مسوغاتها أكثر اقناعا، بينما المعالجة الثانية تبدو أقرب الى تحقيق الأمنيات، بانجاب الطفل، منها الى عبثية انجابه...
وأن لم يخل الجزء الأول من النص بالرموز، الا أن الجزء الثاني منه يفيض بشكل متميز، ولو تابعنا حوارات هذا الجزء، ابتداء من جملة (استغليتم الزوبعة)الموحية الى استغلال العدو للخلافات القائمة بين الدول العربية، لوجدنا العديد من الحوارات الدائرة في هذا الاطار كالجملة التي يطلقها الراعي وهو يقول :الثيران راحت لكنها لم تهرب،مستخدما المؤلف كلمة الثيران القريبة من كلمة الثوار، وهي المعنى المقصود منه،ذلك (أن الثيران لم تهرب التي كانت تدور وتدور لتوصل الماء للزرع وللناس)أي أنها كانت تحارب الاعداء، (دون أن تدري أن الناعور كان يدور ولا قطرة ماء كانت في الساقية ).وكانت تحارب بسلاح قديم بدون دعم وخيانة الدول العربية ومؤامرات القادة العسكريين وتوحي جملة: (لم يسقط المطرعندكم؟)الى ما معناه:(ألم يصلكم الدعم ؟)
ويرد الراعي على نوار :سقط بعد فوات الأوان...بلل السطح وجرف التراب ورماه في البحر....
أي أن الدعم وصل متأخرا ولم يجد نفعا..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الرافدين يطلق رواتب المشمولين ضمن شبكة الحماية الاجتماعية

بالوثيقة.. التعليم توضح بشأن توسعة مقاعد الدراسات العليا

العدل تعمل على خطة تجعل من النزلاء يكملون دراستهم الجامعية

ارتفاع بمبيعات الحوالات الخارجية في مزاد المركزي العراقي

رسمياً.. أيمن حسين يوقع على كشوفات الخور القطري

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

المكتبة المسرحية: ثلاثة أعمال مسرحية للكاتب أحمد إبراهيم الدسوقي

سلطة المسرح ومسرح السلطة في العراق

المخرج المسرحي وخلفيته الثقافية

نقد الرياء الديني في مسرحية طرطوف لموليير

حول مسرحية تشيخوف الكوميدية (الدب)

مقالات ذات صلة

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته
مسرح

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته

فاتن حسين ناجي بين المسرح الوطني العراقي ومهرجان الهيئة العربية للمسرح في تونس ومسرح القاهرة التجريبي يجوب معاً مثال غازي مؤلفاً وعماد محمد مخرجاً ليقدموا صورة للحروب وماتضمره من تضادات وكايوسية تخلق أنساق الفوضوية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram