TOP

جريدة المدى > سينما > الإنسان حين يكون مبصراً وهو يقود مجتمعاً يفتقد البصيرة

الإنسان حين يكون مبصراً وهو يقود مجتمعاً يفتقد البصيرة

نشر في: 20 يناير, 2010: 05:51 م

صباح محسن لم تكن مهمة المخرج البرازيلي فرناندو ميرليس يسيرة، حين انيطت به مهمة اخراج فيلم العمى والمأخوذ من رواية الكاتب البرتغالي خوسيه سارامغو الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1998، حيث اوكلت شركة ميراماكس للأفلام مهمة اخراج هذا الفيلم وذلك لخبرته المتفردة في إدارة مثل هذه الاعمال وقد سبق ان قام بإخراج فيلم المؤامرة عن دبلوماسي بريطاني قتلت زوجته في كينيا وتعقبه لتلك الجريمة،
 وفيلم آخر مثير ومهم أنتج عام 2003 مدينة الرب والذي اثار الدهشة حين عرضه، مما أدى الى الانتباه للمخرج البرازيلي فرناندو ميرليس. ان رواية العمى والتي أحدثت ضجة حين صدورها، لم تكن عملا تقليديا على مستوى إنتاج الأدب الروائي، وذلك لان المؤلف قدم اشتغالات قرائية لأحداث تغلب عليها حالة الفنطازيا، والطريقة المفترضة لإنشاء الأحداث، حيث هناك طاعون من نوع آخر يضرب الناس ويحيلهم الى عميان، ضمن انتقالات سردية، عرف بها الكاتب البرتغالي خوسيه ساراماغو، ولان الاشتغال الروائي اخذ منحى فكرياً عميقاً لما يؤول اليه الإنسان حين يفقد البصر، والإحالات التي تنتج عن ذلك الفقدان، وتفجير مكنونات وغرائز اكثر خطورة حين صعودها على سطح الحياة لتكون امتدادا عدائيا مضافا لما يمتلكه الإنسان من صفات متراكمة من الاستحواذ والهيمنة والدافع الجنسي الحيواني، وبلوغ حالات اكثر فتكا ساعة امتلاكه أدوات هيمنته ليبطش بكل ما يعيق امتداده الوحشي واستبداده المطلق والإطاحة بكل ما يعيق اندفاعه الأهوج حتى من بني جنسه!. ابتكار أدبي مذهل واشتغالات فكرية مدهشة واستحداث فذ لتناولات الرواية في طروحاتها الجديدة، حيث أخذت تتجه الى الابتكار في نبش مواضيع وأحداث مغايرة لذلك تبدو مهمة المخرج فرناندو ميرلس صعبة، في نقل أحداث رواية العمى الى السينما وإسقاط العنصر البصري عليها لمعالجة سينمائية جمالية تستخدم روح النص الروائي في تسلسل أحداثها وفك خطوطها المتشابكة للوصول الى شيفراتها ودلالاتها الفكرية. كتب السيناريو دون ماكيلار، بعد ان قام المخرج فرناندو ميرلس بشراء حقوق الرواية، وانتظر عدة سنوات لاخراجها للسينما بعد ان اعتذرت اكثر من شركة للانتاج بتمويله، وتم انتخاب مكان التصوير في كندا وتحديدا في مدينة تورنتو وفي البرازيل في مدينة سان باولو حيث أنتج هناك. الثيمة التي اشتغل عليها المخرج، ذات مستويات متقاربة، المكان اولا، والأبطال ثانيا، اذ تحرك على متقاربين، المصح الذي يزج به أولئك الذين أصيبوا بهذا الوباء بعد أن أصاب واحدا ومن ثم انتشر وقيام السلطات باحتجازهم في مكان اقرب ما يكون للمعتقل، حيث تجري الأحداث بين فريقين للاستحواذ على الطعام بعد ان نفد من الفريق الأول، والذي تتزعمه زوجة الطبيب ادت الدور الممثلة المتألقة جوليانا مور والتي ترشحت لثلاث جوائز اوسكار قبل القيام ببطولة هذا الفيلم، لتكون المبصرة الوحيدة وسط مجموعة من العميان، لتبدأ الأحداث ضمن رؤية اخراجية محكمة يتم تسليط الاشتغال على مستويين الداخل والخارج الإنساني بعد ان يصيب الخلل احد اكثر العناصر الطبيعية لدى الكائن البشري وهو البصر، حين يتحول ذلك الفقدان الى فقدان البصيرة ايضا. نجح المخرج كثيرا في اختيار مكان المصح او المعتقل وهو عبارة عن قاعة طويلة ومتداخلة، ليقوم بتقسيمها الى اكثر من رواق وزاوية ليبدأ باصطياد تلك الانتقالات لفريقي العميان وكأن تحرك الكادر التمثيلي ضمن هذه البقعة والتي يحرسها جنود مدججون بالأسلحة، كان اقرب الى العرض المسرحي، ليتحرك اغلب الكادر بوعي هائل ونافذ لإيصال فكرة العمل بطريقة مقبولة، والملاحظ ان الطريقة التي ادار بها المخرج ذلك الكادر بتقديم شخصيات عمياء تدور في فلك مظلم يشبه الى حد ما التناول البريشتي بالمسرح الملحمي، حيث هناك ادراك متداخل بين الممثلين والمشاهدين على ان الذي يجري انما هو عمل درامي تقوم به شخصيات بشرية لتقديم مظهر من مظاهر الدراما بالاتفاق. المسار الثاني الذي اشتغل عليه المخرج، حين تحرر العميان من قبضة المعتقل، بعد اكتشاف البطلة المبصرة الوحيدة بينهم انسحاب الحراس بطريقة غريبة، وان امر اختفائهم من حراسة المصح ظلت من دون تفسير، حينها تفتح الباب الرئيسي الكبير الى الخارج لتدخل منطقة ظلام دامس ولم يظهر منها أي شيء وهي تصرخ بأعلى صوتها الى العميان بأننا احرار، وهذه إشارة ذكية من المخرج للدلالة على دخولهم عمى جديد بانتقالهم الى المدينة. كانت إدارة المخرج داخل المصح صعبة للغاية بوجود اكثر من ممثل في تقديم شخصيات مأزومة تتحرك وفق تطور وتأثير ذلك الوباء، ونرى كيف يستحوذ الفريق الأقوى على الطعام ويجبر الفريق الآخر على تقديم جميع النساء لديه أمام اعطائهم جزءا من الطعام، لينتقل المخرج الى الإحالة الايروسية لإظهار تطور الصراع في اكثر الحاجات مساسا للوجود الانساني، وكانت المشاهد البارعة للنماذج المهيمنة، وهي تقوم بالممارسات الجنسية الوحشية لنساء الفريق الآخر، وبأداءات اكثر وساخة، من مثل إجبار أولئك النسوة اللواتي يدخلن الحيز المخصص الذين يستولون على الطعام، بشكل نسقي واحدة تلو الأخرى بطريقة مستقيمة وتضع كل واحدة يدها على التي قبلها، وكأنهن أسيرات حرب، استطاع المخرج ان يفعّل هذا الجانب لدى اغلب النماذج النسائية، ليستقرئ من خلال ذلك بشاعة الإنسان في اكثر نزواته قرفا، وليشكل لوحة اقرب الى تلك ال

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم (أنورا).. ذروةُ مُهَمَّشي سينما بيكر

ترشيح كورالي فارجيت لجائزة الغولدن غلوب عن فيلمها (المادة ): -النساء معتادات على الابتسام، وفي دواخلهن قصص مختلفة !

تجربة في المشاهدة .. يحيى عياش.. المهندس

مقالات ذات صلة

فيلم (أنورا).. ذروةُ مُهَمَّشي سينما بيكر
سينما

فيلم (أنورا).. ذروةُ مُهَمَّشي سينما بيكر

علي الياسريمنذ بداياته لَفَتَ المخرج الامريكي المستقل شون بيكر الانظار لوقائع افلامه بتلك اللمسة الزمنية المُتعلقة بالراهن الحياتي. اعتماده المضارع المستمر لاستعراض شخصياته التي تعيش لحظتها الانية ومن دون استرجاعات او تنبؤات جعله يقدم...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram