TOP

جريدة المدى > سينما > غاتسبي العظيم.. انحطاط وعيب الحلم الأميركي

غاتسبي العظيم.. انحطاط وعيب الحلم الأميركي

نشر في: 24 مارس, 2016: 12:01 ص

1-2
حين ظهر فجأة فيلم باز لورمان الاستعراضي وهو آخر اقتباس عن الرواية الكلاسيكية لسكوت فتزجيرالد على شاشاتنا، ليس من الصعب أن نرى لماذا عادت تلازمنا اليوم هذه الحكاية عن انحطاط وخيبة وعيب الحلم الامريكي. تكتب ساراتشرتشويل:وصفوه بكاتب (( مغالٍ في الح

1-2

حين ظهر فجأة فيلم باز لورمان الاستعراضي وهو آخر اقتباس عن الرواية الكلاسيكية لسكوت فتزجيرالد على شاشاتنا، ليس من الصعب أن نرى لماذا عادت تلازمنا اليوم هذه الحكاية عن انحطاط وخيبة وعيب الحلم الامريكي. تكتب ساراتشرتشويل:
وصفوه بكاتب (( مغالٍ في الحداثة ))، ورفضوا كتابه بوصفه مبالَغاً في تقديره وممكن نسيانه، تماما (( مثل السفر في الدرجة الأولى غير الضروري وسريع الزوال )).

حين نُشِرت روايته الثالثة، في 10 نيسان 1925، تذمّر بعض النقد المميّز: (( هذا الفتى هو ببساطة خالي الوفاض. لابأس إن كان الأمر لهوا بالنسبة له، ربما... لكن لماذا يجب أن ندعوه مؤلفا، أو لماذا ينبغي أن يتصرف الواحد منّا كما لو كان كذلك... لم يفسَّر لي هذا أبدا على نحو مرضٍ. )) في آخر لحظة، سأل ناشره إن كان بإمكانهما تغيير عنوان الرواية الجديدة الى " تحت اللون الأحمر، الأبيض والأزرق " لكن ذلك كان متأخرا جدا. رواية سكوت فتزجيرالد المغالية في حداثتها، التي تدور حول امريكا في عصر الجاز، حملت عنوان " غاتسبي العظيم "، واحد من النقّاد المجهولين أعرب عن رأي أغلب قرّائها الأوائل في وصفها بأنها (( واحدة من آلاف الروايات الحديثة، التي لا بد أن تكون معالَجة بوجهة نظر شخص عادي، ضجِر، حول الفيلم الذي يُعرَض في الجوار، بفكر فاقد الحيوية، بتنازل سارّ عن الاهتمام، وبعاقبة الدهشة التي تكون  حصيلة أشياء مثل هذه )).
فيلم " غاتسبي العظيم " سيخلق حقا عاقبة دهشة – بطرق لا يمكن لمشاهديه الأولين تخيّلها. بعد 90 عاما تقريبا، توصَف " غاتسبي " بانتظام بأنها واحدة من أعظم الروايات التي كُتِبت يوما بالانكليزية، ويباع منها سنويا ملايين النسخ في أنحاء العالم. هذه الرواية الضئيلة، التي تبلغ أقل من خمسين الف كلمة، والتي هي قصة خيالات سرية وعربدة مبهرجة، قصة عنف مفاجئ وحسد دائم، تومض بسحر لا يلبث القرّاء أن يدركوه. لكن في العامين الماضيين، شهدت " غاتسبي العظيم " ومؤلفها معا إنبعاثا ملفتا من الاهتمام. في الأشهر الاثني عشر الأخيرة في بريطانيا وحدها، ظهرت نسخ من مسرحية في ’’ الولتونز ميوزيك هول ‘‘ وفي ’’ الكنغز هيد ثياتر ‘‘ في لندن، وعُرِضت " غاتز " مسرحيا من قبل ’’ الامريكان اليفاتور ريبير كومباني ‘‘ العام الماضي وقوبلت بإطراء النقد، واقتباس ’’ النورثن باليه ‘‘ سيفتتح قريبا على ’’ السادلرز ولز ‘‘. بعض من قصائد ورسائل وقصص فتزجيرالد المهملة زمنا طويلا، صارت تُنشَر فجأة ويتم تداولها أونلاين. عدة كتب جديدة في طور العمل، واحد حول الجاذبية الدائمة لـ " غاتسبي العظيم "، واثنين آخرين حول زمن فتزجيرالد في هوليوود، بينما كتابي أنا، الذي يتعقب نشوء " غاتسبي العظيم "، هو في سبيله للنشر. كانت " غاتسبي " تعرضت للفحص والنقد القاسي في كل مكان، رُفِعت ونُفِضت حتى آخر تفصيل يمكن أن يسلم نفسه لقرّائها المفتونين، لكن هذه الرواية خلّفت بعض المفاجآت.
في غضون ذلك، زوجة سكوت، زيلدا، التي كانت غالبا ما تدعى بـالـ ’’ flapper ‘‘ [ (في سنوات العشرينات) صفة تُطلَق على المرأة الشابة التي تتبع الموضة والعازمة على إمتاع نفسها والتسيّب من معايير السلوك التقليدية ]، كانت تتمتع هي أيضا بولادتها الجديدة، مع مسرحية، في ستوديو الترافلغار العام الماضي، حول حياتها، وستصدر عدة كتب حول سيرتها هذا العام. عندما تُسلَّط ثانية الأضواء على شخصية أيقونية، يمكنك المراهنة على أن التجارة ستتبع لاحقا: نحن محاطون بملابس " غاتسبي " للهوت كوتور [ الخياطون الشهيرون ] والهاي ستريت [ شارع محال الموضة ]، حانات غير مرخص بها وحفلات كوكتيل محرّمة، عقود وأغطية رأس، دروس عن جاز العشرينات ورقصة الشارلستون.
كل هذا، وباز لورمان، أيضا: نسخة لورمان السينمائية الجديدة عن " غاتسبي العظيم "، التي ستكون فيلم الافتتاح في مهرجان كان، قبل أن يدور في رقصة شارلستون حول العالم، وسيُعرض هذا الشهر على شاشات السينما. يؤدي ليوناردو ديكابريو دور الفتى الواعد ذي الماضي المشبوه، وكيري مولنغان هي ديزي، المرأة الجوفاء التي يعشقها. يلعب جول ادجرتون بشكل رائع دور زوج ديزي،  المتنمّر توم بوكانان، بينما ينجح توبي ماغواير في خلق شخصية ذات صوت محيّر، نيك كاراواي البعيد عن الأضواء، الراوي في الرواية، الذي يمثّل ربما الجانب الأكثر تطلبا للبراعة في البناء الدرامي في " غاتسبي العظيم "، أصعب حتى من بعث الحياة في الجذّاب، المتناقض ظاهريا، الميّال الى الخيال جَي غاتسبي.
نُقِل غاتسبي الى السينما أربع مرّات حتى الآن، لكن مضت أربعون عاما على آخر اقتباس للشاشة الكبيرة، مع فيلم جاك كلايتون عام 1974، الذي كتب له السيناريو فرانسيز فورد كوبولا ولعب فيه روبرت ردفورد دور جَي غاتسبي. كانت هذه أول نسخة تؤفلم عن الرواية بالألوان. مَيْل لورمان للاستعراضية تبدو لمعظم الناس ملائمة لـ " غاتسبي العظيم " تماما، برغم أنها في الواقع رواية مكبوحة على نحو محكم أكثر بكثير مما تبدو عليه، ولورمان غير معروف بتحفظه.
توحي العروض التمهيدية بأنه فيلم مغال في الانحلال، الابيقورية والفجور. برغم سمعتها بالقصف والعربدة، رواية فتزجيرالد في الواقع تُظهِر فقط ثلاث حفلات، وواحدة فقط من هذه تقدّم أناشيد نصر بعظمتها. الحفلة الأولى هي التجمع الصغير في شقة ميرتل ويلسون، عشيقة توم بوكانان، عندما يكسر توم أنف ميرتل لأنها فقط ذكرت اسم زوجته ديزي. الحفلة الثالثة والأخيرة في قصر غاتسبي، لكن فتزجيرالد يستخدمها  ليغير بشكل حاسم الجو العام للقصة من الساحر الى المحرر من السحر: ديزي وتوم حاضران، واحتقارهما لعالم غاتسبي يفضح عن نفسه، عن غطائه المبهرج. الحفلة الثانية، مع نيك كشاهد وجداني على أمجادها، تُظهِر النثر الساحر الذي يتلبث في أذهان القرّاء – الفتيات يطفن وسط الهمسات والفراشات الليلية  والشمبانيا، وموسيقى كوكتيل صفراء تحلّق فوق الحدائق الزرقاء، أوبيرا من أصوات تحطّ بأعلى طبقة – وحتى ذلك الحفل له قليل من اللهو المعربد الذي يبدو أنه يميّز رؤية لورمان.
برغم ان اللون هو عنصر رئيسي في الرواية، فإن نسخة الفيلم الأول الناجية هي فيلم نوار [ نوع من فيلم الجريمة أو الخيال يتميّز بالكلبية، الجبرية، والغموض الأخلاقي ] بالأبيض والأسود من عام 1949، بطولة الان لاد. في الإسلوب الواقعي لهوليوود منتصف القرن،  يغدو الفيلم غير مريح بعمق مع سلوك شخصياته الجدير بالشجب والذي يدفعهم جميعا في نهاية القصة الى الندم؛ اللحظات النهائية من الفيلم يرافقها سيل من التغيرات في العواطف. حتى توم يشعر بالإثم ويحاول إنقاذ غاتسبي، بينما يلقي غاتسبي خطبة مشوّشة على نحو ملحوظ حول إنقاذ شباب مثله من رجال أكبر عمرا مثله ( (( ترى ماذا سيحدث لفتيان مثل جيمي غاتز لو ان أشخاصا مثلي لا يقولون لهم أننا على خطأ؟ )) ). قبل عشرين عاما من الفيلم نوار " غاتسبي "، كانت اول نسخة سينمائية عن الرواية هي فيلم صامت من عام 1926، لكنه فُقِد، برغم ان الاكاديمية مرغريت دانييل كشفت حديثا في الهوفنغتون بوست عن رسالة في أرشيفات فتزجيرالد تُظهِر أن سكوت وزيلدا حضرا عرضا للفيلم عام 1927. كتبت زيلدا الى ابنتهما عنه: (( كان عفنا ومروّعا ورهيبا، فغادرنا القاعة. ))
ما إذا كان فتزجيرالد سيستمتع بأي من النسخ المتعاقبة، مسرحية وسينمائية، هي مسألة فيها نظر. " غاتسبي " هي رواية حول تفوّق الخيال على الواقع، ما يجعلها صعبة جدا على تحويلها دراميا بشكل جيد. إنها رواية من إسقاطات مركّبة: غاتسبي يُسقِط خيالاته على ديزي، ولا يمكننا أن نتأكد ما إذا كان نيك يُسقِط خيالاته على غاتسبي، او انه بدلا من ذلك الشخص الوحيد الذي سيرى المظهر الكاذب الماضي لغاتسبي ملازما لعظمة الرجل الحقيقي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الأنواء الجوية: ارتفاع في درجات الحرارة الاسبوع الحالي

الكويت تنفي تدهور الحالة الصحية لسلمان الخالدي الذي تسلمته من العراق

ترامب: نريد 50% من ملكية تطبيق تيك توك

القوانين الجدلية على جدول أعمال البرلمان يوم غد الثلاثاء

هل أخطأ البرلمان بعدم حل نفسه مبكراً؟

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

"إرنست كول، المصور الفوتوغرافي".. فيلم عن المصور المنفي الجنوب أفريقي

مقالات ذات صلة

فيلم أسامة محمد
سينما

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

علي بدرالحكاية تُروى بالضوء والظلعرض أمس في صالون دمشق السينمائي فيلم "نجوم النهار" للمخرج السوري أسامة محمد، بحضوره الشخصي بعد غيابه عن بلاده ١٤ عاما، الفيلم الذي منع من العرض في زمن النظام السابق...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram