يمكن القول ان التوصيفات والتوقعات السابقة التي طرحها الناقد الدكتور حاتم الصكر وصنّف بها تجربة النحات العراقي المقيم في قطر احمد البحراني بأنها لم تغير جوهرها الذي وصفها به بأنها تجربة "مهووسة بالشخوص، وبالإنشائية المتجسدة في بناء (الـ) موضوعات..."،
يمكن القول ان التوصيفات والتوقعات السابقة التي طرحها الناقد الدكتور حاتم الصكر وصنّف بها تجربة النحات العراقي المقيم في قطر احمد البحراني بأنها لم تغير جوهرها الذي وصفها به بأنها تجربة "مهووسة بالشخوص، وبالإنشائية المتجسدة في بناء (الـ) موضوعات..."، كما نعتقد ان (حكمنا) على التحول الذي حدث في اخر معارضه كان لا يخرج عما قلناه عنه سابقا بأننا نراه الآن كما كان سابقا: متحرراً وليس معنياً بأية قيم تراثية، أو قواعد ماضية سنّها النحت العراقي طوال ثلاثة آلاف عام، باعتباره نحتا كان يشتغل على (موضوع) الجسد الإنساني الذي بسببه لم يجد اندريه بارو بداً من وصف ذلك النحت بما يشبه جيشاً من الدمى التي تحدق باتجاه عالم مجهول؛ لذا يجد احمد البحراني نفسه، كما وجد النحاتون العراقيون الذين يشتغلون بمتجهات مخالفة للتراث، ينفض التقاليد التي جثمت، بفعلها تلك الدمى، (مشخصات الجسد البشري) على تجارب نحتية عراقية مهمة: إسماعيل فتاح الترك،، طالب مكي، وتجارب أخرى؛ فبدت رؤيته، محاولة لتأسيس واحدة من أكثر تجارب النحت العراقي الجديد تعارضا مع التراث.
ان ما يقدمه ليس إلا مادة مهملة أعاد تشكيلها في موضوعات كانت مهملة من النحت، وانه يفرض بذلك نمطا من التلقي المستند على شكل، وصورة غابرة، وربما تحديدا (لقطة) تلبست بفضل جرأة احمد البحراني طبيعة نحتية، فغالبية منحوتاته تقف بقوة خلفها لقطة فوتوغرافية، قد يتمادى النحات احيانا في تكرارها بطريقة فوتوشوبية واضحة، وهو ما قد يشكل جوهر فهم (بصَري) مختلف للسائد من موضوعات النحت، ولكن، ورغم احترامه لكلاسيكية منحوتاته فإن بعض تكنيكاته اقرب ما تكون إلى تجربة النحات صالح القرة غولي في تجردها من معطيات واشتراطات المرجع الذي استمدت منه لتعيش حيواتها دون قوانين مفروضة عليها مستمدة من الواقع وليس من النحت..
فاذا كان هيجل يميز بين الرسم (التصوير بالمعنى الأوسع) وبين النحت، معتمدا على ثنائية السامي والارضي، مفردا النحت باعتباره كما يؤكد (د. علي شاكر نعمة)، لا ينظر إلى الروحي، وهو موضوعه بالذات، في مظهر شخص فرد أو في مظهر الداخلية الذاتية. ورغم انه يستخدم كالعمارة مادة ثقيلة، ولكنه يخالفها بأن يصوغ المادة الثقيلة بغية تحويلها إلى جمال كلاسيكي مطابق للروح ولتشكيلته، وهو ما يبدو لنا بأن النحات العراقي احمد البحراني منغمس به الان، فقد بدأ منذ مدة بالاتجاه الى موضوعات يومية قد لا يتخيل الكثيرون بصلاحيتها للنحت، ولكنه يغامر باتخاذها موضوعات له، رغم انه يعترف في مرحلة لاحقة بعدم صلاحية تلك الموضوعات للنحت مالم تكتسي بغرائبية في الانجاز أي في التقنية، او غرائبية بالتكوين، (سريلة) التكوين، وبذلك يتم تاهيل اليومي و(المبتذل) من الموضوعات لتكون صالحة للنحت، فقد بدأ النحت في معرضه الاخير (ماذا لو؟)، يختص بموضوعات يمكن وصفها بالمبتذلة، أي التي تخلت عن ابهتها الكلاسيكية (الصالحة) للنحت وفق الفهم التقليدي المكرس: كارتون البيض، كف الملاكمة، بالون الاطفال، يطقٌ او يطغٌ (فراش بسيط مرزوم بحبل)، وبطله الاثير كان الحمار الذي اعاد نحته مرارا في موضوعات واوضاع شتى، ولكنه يعيد تاهيل تلك الموضوعات عبر تغييرات صادمة و(انزياحية) قد تصل احيانا الى محاولة شعرنة المنحوتة بالغرابة التكوينية..
يتصف معرض احمد البحراني بواحدة من اهم السمات المفصلية في التاريخ البشري وهي مرحلة تطويع الحديد ولكن بهدف توفير اشكال وامكانات تعبيرية اضافية، تتعلق بالفعل المدمر الذي مارسته الصلابة الحديدية كعامل مساعد على القتل وكتطوير لوسائل القتل فشكلت بذلك تحولات مؤثرة في مجرى الحضارة البشرية. وهي هنا تتصف بنفس المتجه حينما يعتبر البحراني الحديد المادة الاقدر على التعبير عن الحروب والقتل الذي تمارسه البشرية تجاه بعضها بعضا.
