سعد محمد رحيم حذّر وكيل وزارة التربية للعلاقات الخارجية الدكتور نهاد الجبوري من أن السنوات المقبلة ستشهد تزايد عدد الأميين والمتسربين من مدارس العراق بحدود خمسة ملايين طالب وطالبة (جريدة المدى/ 16 كانون الثاني 2010).
ولا شك في أن هذا الرقم المخيف يشير إلى ظاهرة أخرى تُضاف إلى مجموعة الظاهرات الكارثية التي تهدد حاضرنا ومستقبلنا. ويمكن القول أن الأمية لا تقل خطورة عن الإرهاب والفساد وانتشار الجريمة والتدهور البيئي والتخلف الاقتصادي، وهي، (أي الأمية)، تعد أرضية صالحة لتفاقم وتغذية وديمومة تلكم الظاهرات. وإذا كانت أكثر التقارير الإحصائية تفاؤلاً تشير إلى أن نسبة الأمية في العراق لا تتجاوز الـ 40% من مجموع السكان فإن نسبة الـ 60% الآخرى من المتعلمين لا تعكس واقعاً تعليمياً وعلمياً وثقافياً صحياً ومفرحاً. وهنا أود استخدام اصطلاح، (الأمية المقنّعة)، ولا أدري إن كان ثمة من اجترح قبلاً مثل هذا الاصطلاح. وهو استعارة من مفهوم (البطالة المقنّعة) الاقتصادي الذي يحيلنا إلى أولئك العاملين في حقول الإنتاج المختلفة من غير أن تكون تلك الحقول بحاجة إليهم. ولكن ماذا نقصد بالأمية المقنّعة؟ نقصد بهم أولئك الذين تخرجوا طوال العشرين السنة الأخيرة، في الإعداديات الأكاديمية والمهنية، والمعاهد والكليات، ولم يحصلوا على فرص عمل تتناسب مع مؤهلاتهم، ولم يقرؤا منذ ذلك الحين كتاباً واحداً في ضمن اختصاصاتهم. ولم يتابعوا آخر المستجدات العلمية فيها، ونسوا ما تعلموه قبل عشر أو خمس عشرة أو عشرين سنة، فإذن لم يحصلوا على خبرات نظرية وعملية جديدة، وبالمعايير العلمية الدقيقة لا يمكننا الآن عدّهم ثروة عقلية احتياطية.. وهل نضيف إليهم الخريجين العاملين من الذين بقوا أسرى معلوماتهم وخبراتهم القديمة، ولم يطالعوا، منذ أمد بعيد، أي شيء يتعلق باختصاصاتهم ويطورونها؟. نقصد بهم، أيضاً، الآلاف من الخريجين الذين لم ينهلوا ما يكفي من منابع العلم خلال وجودهم في السنوات الأخيرة، في مؤسسات التربية والتعليم بسبب الظرف الأمني الصعب الذي حال دون إكمال المناهج أحياناً. ولا بد من الإشارة إلى عزوف شرائح واسعة من الجيل الجديد عن القراءة، وتثقيف الذات (خارج أطر المناهج الدراسية). كذلك نقصد بهم، أعداداً لا يستهان بها من التلاميذ والطلبة، لاسيما في المدن والقرى البعيدة، من الذين وصلوا صفوفاً متقدمة، من غير أن يتقنوا الأبجدية والإملاء، والقدرة على القراءة الصحيحة، ومن غير أن يحفظوا جدول الضرب أو يتقنوا العمليات الرياضية الأولية بشكل جيد، ناهيك عن المسائل الأوسع والأعقد. وإذ يتحدثون عن أمية قراءة وكتابة، وأمية ثقافية، وأخرى علمية، فإن الأمية العلمية لا شك هي في أعلى مستوياتها عندنا. تليها الأمية الثقافية. وأخيراً الأمية بالمعنى التقليدي للكلمة، وهو المعنى الذي تجاوزته الأمم المتقدمة منذ زمن طويل. قد تكون الظروف الموضوعية التي نمر بها هي السبب، أي جملة المشكلات السياسية والاقتصادية والأمنية المسمِّمة لحياتنا، لكن ثمة مشكلات أخرى تتعلق بنوعية المناهج ومدى ملاءمتها لضرورات عصرنا، وطرق التعليم والتدريس المتبعة، والأجواء التي نوفرها للتلاميذ والطلبة لتزداد رغبتهم بالتعلم وتطوير معلوماتهم النظرية وقابلياتهم ومهاراتهم العملية، إلى جانب استثمار طاقاتهم الإبداعية الخلاقة. ولابد من أن تكون لنا إستراتيجية واضحة وفعالة، بهذا الصدد، ينهي الأمية المتفشية بأشكالها كافة، يضعها الخبراء والمختصون، وتتبناها الدولة.. وقبل فوات الأوان.
وقفة: الأمية المقنّعة
نشر في: 20 يناير, 2010: 06:24 م