TOP

جريدة المدى > عام > قصة قصيرة: السيد خردل والسيدة نمنم

قصة قصيرة: السيد خردل والسيدة نمنم

نشر في: 27 مارس, 2016: 09:01 م

الكلمةبغداد..هي أم الدنيا وطينهاوهي بستان كل الدنياانا اسميته خردل ، ولو كان ثمة شيء اصغر منه لأسميته...كان ذلك للنيل من كرامته وكبريائه . الحقيقة كان اسمه فاخر وهو جد لزوجي..هذا الجد الذي ماتت زوجته وثلاثة من اولاده واثنتان من بناته دون ان يرف له جف

الكلمة
بغداد..هي أم الدنيا وطينها
وهي بستان كل الدنيا
انا اسميته خردل ، ولو كان ثمة شيء اصغر منه لأسميته...كان ذلك للنيل من كرامته وكبريائه . الحقيقة كان اسمه فاخر وهو جد لزوجي..هذا الجد الذي ماتت زوجته وثلاثة من اولاده واثنتان من بناته دون ان يرف له جفن او تهتز له شعرة من شاربه..وهو طيلة الوقت يتباهى امام الضيوف بقوته وقدرته على الزواج وبحفيده ،الذي هو زوجي، ولا اعرف الربط بين هذا وذاك ..وكان الأخير يغسل له ويحلق له ويغطيه ويدثره حين يبرد. والآن ارى من الطابق الثاني منظرا ألفته من المسلسل الذي لايقبل ان ينتهي,سيارة الإسعاف وعشرات من الصبية يلتفون حولها والسيارة تطلق الأصوات والأضوية والصافرات,كل هذا بات مألوفا لدي في هذا الليل الغارق في الظلمة وهم ينقلون السيد خردل ويضعونه على < سدية > وسخة ملطخة بالدماء وببقع غريبة أخرى.. وكان زوجي قد اتفق مع سائق سيارة الاسعاف على مبلغ من المال لنقلهما من البيت الى مدينة الطب واعادتهما للبيت مرة اخرى ..وحين أتى له  ببطانية  في الخامسة مساء لم يقبلوا ان يدخلوها الى العجوز الذي يرتجف الا مقابل 3000 دينار كأن الاشياء قد وضعت لها أسعار مسبقا اذ ان كل من كان يحمل في يده شيئا كان يحمل في اليد الاخرى مبلغا من المال : المخدة 2000 دينار ، دوشك لمرافق المريض4000 دينار......
المسلسل يبدأ حين يشعر ان علاقتي بزوجي جيدة أو صارت جيدة فيروح يوشك على الموت..كنت مستلقية أقرأ قصة خرافية بطلها يذكرني بهذا الخردل الخرافي..الذي لم اره يوما مستقيما او عادلا او منصفا ، القصة تحكي عن عاشقين يتيهان في صحراء موحشة . وحين يشتد بهما العطش يوغز اصبعها ويشرب من دمها وهي  تفعل ذلك  ايضا حين تعطش ، وكنت خلال قراءتي للقصة اتذكره بوضوح خاصة حين يقترح على حبيبته ان يأكل جزءا من جسدها وهو يضيف بخبث:
- حبيبتي، علينا ان نقترع من سيأكل اولا.
كرهته بعنف ارهقنى واتعبني هذا الكره منذ ليلة دخلتي اذ سمعته يقول  لزوجي الحاضر:
- قل لها ان تذهب الى غرفتها وتخلع ثيابها وتتهيأ لما هو آت.
 كرهته واحترقت بكرهه..كان أول كره في حياتي.. قلبي الذي في صدري لم يسبق له ان مر بهذا الموج الأهوج ولا بهذا  الانفعال الأغبر ، وحين سألت عمتي عن ليلة دخلتها ذات مرة قبل وفاتها قالت:
-  < يبو عزه وصخام> لقد ضربني لأني لم اخلع ملابسى بينما كنت انتظر منه ان يخلع لي ملابسي ، هكذا هو حال الازواج  في ليلة عرسهم .
حينها   لابد أن اتذكرالسيد خردل ...فعندما  تأتي صديقاتي الى بيتي ، كان ينظر اليهن بشراهة ونهم وجوع وكان يتحدث بإيحاءات جنسية مريبة:
- كلنا من رحم هذه الارض
وحين يريد ان يمتدح احدهم يقول
- رحمة على ديس الرضعته
ومرة اخرى
- من كان في عمري عاجز تماما – لكنني مازلت قادرا على الزواج.
فرحت اتخيله ذلك الذي اراد ان يأكل حبيبته .
كان ينظر الى صدورهن برعونه ووقاحه , فقلت لزوج المستقبل ان يمنعه من ذلك ويسأله ان يحترم صديقاتي.
وكان قد اجاب بسخرية قبل مجيء سيارة الاسعاف بأربعة اشهر:
- اثداؤهن مثل سمك ( يلبط ) لا أستطيع ان امنع نظري عن متابعته.
في القصة نظرت اليه العاشقه:
- الحب هو ان تضحي من اجلي لا ان تأكل جزءا مني.
- حبيبتي هذه هي الحياة ، مجرد صراع من اجل البقاء وحبي لك وحبك لي هو صراع من اجل البقاء السعيد ولكي نبقى أحياء ونجتاز المحنة على ان آكل  منك  وانت تأكلين مني.
تخيلتها وهي تصرخ:
- خردل ايها الحقير
كنت ارى بعلي الحاضر والمستقبل وهو يترجل من سيارة الاسعاف ..وإمارات الحزن والانكسار والانهيار بادية على مشيته ورأيت الشارع المظلم والأضوية الصفر المتسربة من اسفل ابواب المحال والمقاهي المغلقة ، وكانت تأتيني اصوات القطط والكلاب والمارة الذين كانوا يبدون مثل اشباح طويلة وهم يحملون ( السدية ) الوسخة. وحين ولج الى غرفتي لم يستطع الضوء الخافت ان يخفي علامات الحزن والمرارة المرسومة على وجهه لكن ذلك لم يمنعه من القول:
- نمنم حبيبتي ، يبدو ان جدي سيغادرنا فأراد ان يراك انزلي اليه ارجوك.  
هو من اطلق علي هذا الاسم بعد ان عرف حكاية الخردل .....
كان يتمدد على فراشه باستقامة..ولأول مرة أراه مستقيما وعادلا ومنصفا على الرغم من الابتسامة الخبيثة التي خطت على شفتيه كأنما خطت  بقلم رصاص اسود فاقع لونه .. لم يكن حليق الذقن ، كان يشبه بطل القصة الذي مات بعد ان التهم جزءا من صدرها البض.
رأيته جيدا .. وكيف كان كسمكة  (تلبط) آخر انفاسها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: "معركة" المغنيات

"مُخْتَارَات": <العِمَارَةُ عند "الآخر": تَصْمِيماً وتَعبِيرًاً> "كِينْزُو تَانْغَا"

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

"الشارقة للفنون" تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة

مقالات ذات صلة

الصدفة والحظ.. الحظ الوجودي والحظ التكويني في حياتنا
عام

الصدفة والحظ.. الحظ الوجودي والحظ التكويني في حياتنا

ديفيد سبيغنهولتر*ترجمة: لطفية الدليميقريباً من منتصف نهار التاسع عشر من آب (أغسطس) عام 1949، وفي محيط من الضباب الكثيف، عندما كانت طائرة من طراز DC-3 العائدة لشركة الخطوط الجوية البريطانية في طريقها من بلفاست...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram