تسلل كارلو هارتيون ذات ليلة باتجاه الغربة، مثلما تسلل قبل أيام باتجاه الموت الذي كان ينتظره في بغداد قبل سنوات على يد مجموعة مسلحة أرادت ان تسلب منه الحياة، لأنه لا ينتمي الى عالمها " المؤمن "، شعروا بالغيظ أن مواطنا مسيحيا يرفض الهجرة، ويصر على ان يقضي اوقاته في مقاهي بغداد يلعب " الطاولي " مع الاصدقاء، لم يسأل نفسه يوما هل الغالب سني ام المغلوب شيعي، لم يسمعوا صوته وهو يجر حقائبه، ولم يدركوا انه انتصر عليهم، صادروا بيته، وحفروا قبورا لآماله وطموحاته، كانوا يهتفون، هذه بلاد المقدسات كيف يدنسها المسيحيون والصابئة والايزيديون، قال لي ذات يوم بأسى انه سمع احد اصدقاء ابنه يقول له: "شعدكم هنا متروحون يم اقاربكم بالسويد لو باميركا " لم يشأ ان يقل للشباب ان اقاربه جميعاً، عضامهم في بغداد!
كارلو كان مغرما بما يقدمه، يعتقد ان الفن ومعه صدق المسعى سيصنعان بلداً يكون ملكاً للجميع، و مجتمعاً آمناً لا تقيد حركته خطب وشعارات زائفة، ولا يحرس استقراره ساسة يتربصون به كل ليلة، كان حائرا في سنواته الاخيرة ببغداد، يسألني كلما التقينا : هل يعقل ان سياسيين جاءوا من اجل رفع الظلم عن الشعب نراهم أول من يمارس الظلم والخديعة باسم النضال والمنفى وسنوات الجهاد! في ذلك الوقت لم أستطع ان اجد إجابة لتساؤلاته، فأنا مثله كنت أتساءل: هل سنعود مرة اخرى الى ان نناقش قضية الاحزاب التي تجد أنها وحدها القادرة على قيادة الدولة والمجتمع، لأننا اعتقدنا ان المجتمع العراقي بعد عام 2003 لن يُقاد، ولكن الساسة كانوا يطالبون الشعب بأن لايتسرع، ففي العجلة الندامة.
نشرت جميع الاحزاب ومنها حزب الدعوة شعارات خلاصتها، أنهم طلاب عمل ومسؤوليات لا طلاب سلطة، وأنهم مع هموم الناس لا مع مشاكل الكراسي . لكن جاء الوصول الى السلطة سريعا مرّ بالجعفري ثم المالكي واخيرا العبادي، وأول مشهد شاهدناه كان الجثث التي لا يعرف احد هوية أصحابها، وأول ما فعلوه انهم سلموا مؤسسات الدولة لأحزابهم، توقعت الناس أن يهزم حزب الدعوة خصومهم، باحتضان الخصوم، وبإقامة المصالحة، وبجعل العراق دولة للجميع وليست لحزب واحد، وإذا بالجميع يعلنون "ما ننطيها "، واذا بحزب الدعوة يصرّ على ان منصب رئاسة الوزراء لن يخرج من عباءته،. وإذا العراق يتفتت . وإذا جدران من السمنت تُبنى بين المسؤول والناس.
كارلو.. وسؤال حزب الدعوة!
[post-views]
نشر في: 27 مارس, 2016: 07:22 م