اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مسرح > هل تسمعني؟ أجب .. حين يقتل الأبرياء وتختل الموازين الاجتماعية

هل تسمعني؟ أجب .. حين يقتل الأبرياء وتختل الموازين الاجتماعية

نشر في: 29 مارس, 2016: 12:01 ص

كلمة الإخراج: "لم يعد يؤلمني فقط انهم يذبحون العصافير ، بل هم – أيضا – يتركون سكاكينهم بدون غسل، تتقطر منها البساتين فوق مجلي روحي شجرة بعد شجرة ."في محاولة " تنظيرية " ، يسمي ماجد درندش، نصه (بالنازح) ، عن قانون أرسطو!. أعتذرمن أرسطو، فل

كلمة الإخراج: "لم يعد يؤلمني فقط انهم يذبحون العصافير ، بل هم – أيضا – يتركون سكاكينهم بدون غسل، تتقطر منها البساتين فوق مجلي روحي شجرة بعد شجرة ."في محاولة " تنظيرية " ، يسمي ماجد درندش، نصه (بالنازح) ، عن قانون أرسطو!. أعتذرمن أرسطو، فلم يعد حسب رأيه للقانون من معنى ، حين يقتل الابرياء ،وتختل الموازين الاجتماعية ، كزواج الشيوخ من القاصرات ، أو بيع النسوة في سوق النخاسة ..أو عمالة الاطفال. ثم يعلن الكاتب أنه متمرد على أسس وشروط فن "الكتابة" والابتعاد عن النص " المطبوع " الذي يود أن يضعه في صندوق زجاجي ، ويودعه " المتحف !".

ويصر على " أحادية " الصراع ، ليحذف "الإرهاب" طرفه الثاني، حتى يبقي نصه خاليا من الدنس، بعد احتلال الموصل.يعود الكاتب بمفارقة صارخة، ليطلب من النقاد، والاكاديميين، تضييف نصوصه "نظريا"، وإقرار صلاحية "طباعتها" وهي (ن) و(هل تسمعني؟ أجب) و(بانودراما) .والاخيرة التي لم يفرغ من كتابتها بعد!.هذا "مزاج" فنان تغرب في كندا، مغادرا مدينته العمارة ، ليتعرف هناك على وجوه بيضاء كالاقمار، وتقوده تراتيل الكنائس الى ذاكرته الاولى ، وجيرانه المسيحيين العراقيين ، الانقياء مثل ورود بيض / بخلاف وجوه صفر، كالحة ، دهمت بلدنا على حين غرة ، متمثلة بغزاة مرتزقة.
يدرك ماجد أن أرسطو نظر الى "حرفية " مسرحية متماسكة ليتخلص من لا إرادية " سقراط" ، الذي وجد أن الشاعرالمسرحي نفسه، لا يدرك أسرار نصه المكتوب، ومن "وعظية" افلاطون ، التي وجد المسرح خاليا منها، وهو الذي يتطلب " أخلاقا " حتى لا يفسد الناس!
نص المؤلف: يقدم لنا (النص) نماذج من النازحين ، اولهم ، يعود الى مسقط رأسه، ليرى حديقة جيرانه ، وابنتهم، وعصافيرها قد تلاشت من الوجود. والثانية شابة، أجبرت بالقوة على مغادرة منزلها ،والثالث شاعر، يرى أجانب قد احتلوا بيت (سرجون) المسيحي، بوجوههم الكالحة. والرابعة ، حبيبة صامتة ، تنتظر الغائب ، وهي تغزل. والخامس، يبحث عن " خيمة " ، والسادس " جندي" محاصر في خطوط التماس مع داعش، في تقاطع الثرثار ، و(أم) توزع الخبز، ثوابا على أرواح الشهداء، وهي تنشد شعرا شعبيا في حواراتها مع نفسها لتخاطب إبنها المفقود.
ينتمي النص الى " المشجاة"، ويخرج عن نظم" شكل" المأساة الأرسطية، و"وظائفها"، التي أرادها أرسطو في (فن الشعر)330 ق.م. ولم يجد أبطاله،يقعون بين نهايتين متناقضتين من الخير والشر.فالكل يتصف بالخير، والحبكة معروفة منذ البداية ، ولا تكشف لنا عن شيء غامض، ولا يحدث فيها انقلابا ، ولا سقطة للبطل وهو يقدم على خطوة خاطئة يعرف تبعاتها المأساوية.
نص المخرج: أعد المخرج ( خالد علوان) خطته الاخراجية على وفق الاسلوب نفسه ، الذي اعتمده التأليف الدرامي، بتصعيد الوتيرة العاطفية المشحونة بالأسى والبكاء والالم الذي يفوق المستوى العياري للتحمل البشري.نفوس مضطربة  هائمة ، مروعة النفس، لم يتساوق مع عنفوانها ، التعبير الجسدي، للشخصيات الرئيسة ، التي لعبت دور (الجوقة) المتجانسة ، الخالية نسبيا من درامية الصراع، والمكتفية بغنائيتها وهي تسرد لنا حكايتها، باسلوب انفعالي متطرف، وأفراد يبوح كل واحد منهم، بخبايا نفسه مباشرة.
إذاً ، توزعت الشكوى على ألسنة الممثلين، وهم يطلقون "احكاما" أخلاقية تارة، وأخرى بنبرة سياسية متفجرة ضد من اتهومهم بسبب كل هذه البلوى والدمار الذي جعل من الوطن، خيمة مصنوعة من خرق. هم مقطوعون عن الارتباط، بالرب، حتى أن لفقوا خلاف ذلك ! لانهم أخلوا بنظام الكون، والمجتمع، وذهبوا مع مغريات السلطة والنفوذ الى مديات موغلة بالغرابة، والجنون، والسرقة، والجريمة. لذلك برزت الكوارث ، بعد المشهد الاستهلالي ، نجد منصة ، ستصبح شجرة خضراء، تتشكل من خمسة افراد ، بينهم " فتاة" وهم يؤدون حركات تعبيرية على نغمات العود. ( كان بودنا لو رأينا هذا المبدع ، عازف العود في قلب هذه الشجرة ، لا خارج المنصة) تهتز الشجرة، فيخرج الممثلون، ليبقى الشاب والفتاة ، يتبادلان مشاعر المودة، ثم يخرجان.
من الخلف يبرز النازح الاول ، تتماهى هذه الشخصية مع " الكاتب" نفسه، وكأنها تأتي من غربتها الى مدينها، بملابس عصرية ، وحقيبة كتف معلقة. وتستمر ضربات العود، واللون الاحمر، يغلف المشهد. تنفرد الفتاة، حاملة قنديل مضاء (بخمس ) شموع، ثم يتسيد المشهد رجل بملابس بيض يبحث عن العم (بولص) المسيحي ، وهو يحمل صليبه ، ثم يتزامن مع دخول " شيخ" بوشاحه الابيض، وعصاه، وكذلك يظهر (جندي) أمام القنديل. وتتبع ذلك (امرأة) بعباءة سوداء توزع الخبز ثوابا عن ابنها الشهيد،وهي تلعن الظروف الحمر،والخضر، في إيماءة الى الصراعات الداخلية بين السياسيين.
تزداد اللوعة ، حين يخبر الشاب أمه، [أن تتذكره،حينما يزف شاب الى عروسه. وهو رهن مجموعة من القتلة، ليسقط مع أربعة من المغدورين، ثم يدهم الارهابيون، الشباب الثلاثة ، ليضعوا " البسطال" بيد أحدهم، ويقومون بمشهد استفزازي منفر، بالوضوء من دم ضحيتهم، ليفرغوا الى الصلاة! تضج المؤثرات الموسيقية، بتوترها الصاخب، وعويل المجموعة، ليرقص الارهابيون،رقصة الموت..يوظف المخرج هنا إغنية  كريم منصور ، " بس تعالوا" ليرصع العرض، بدلالات مدينته (العمارة) ، ثم يرش " النازح" الاول ، بذور الحنطة للعصافير ، معلنا عزمه في التخلي عن نفط الوطن، مقابل عودة الطيور الى اعشاشها . ثم ينضم مع الممثلين على المنصة، ليلقي "موعظة" باسلوب ساخر من المنافقين، وهو يطلب من الله، الأمان في الأوطان. وبعد رقصة ارهابية ، ترش المرأة الام الماء على جثامين قتلى سباكر، الثرثار، الصقلاوية، وتفجيرات بغداد. ونوع المخرج تكويناته الدالة،حين يحمل " الجندي" على كتفيه المنصة، وهو يتصل بزوجته، التي تخبره بأنهم قطعوا الكهرباء عن بيته!، هذا التكوين يجسد ثنائية المواطن الذي يفدي روحه قربانا للوطن، لكي يستأثر سواه بالجاه والمنصب والسطوة .
يلتهب الجو العام ،بعد تسرب مشهد الفتاة والشاب ، وهي تحمل قنديلها، لنصل الى ضربة ختامية موجعة ينجزها " طفل" يحمل شهادته المدرسية، باحثا عن أبيه المقتول.
تخرج الرصاصات ، والمطر والبذور، لتتحول شجرة "الاستهلال" الخضراء، الى وعد جديد بسعادة الوطن في" الختام"، يشكلها الشباب الابطال، بملابسهم العسكرية ، بينما يكبر العازفون بالأذان ، لنرقب الفجر الجديد.
حاول المخرج تعميق ذلك  "الغياب" لطرف الصراع الشرير، الذي أبعده "النص" ، بحركات جسدية تعبيرية، وايمائية مركزة ، ومدروسة ، لتصبح هذه "المشجاة" الانفعالية الهائجة، حافزا مثيرا للمتلقين من الطبقة الوسطى ،وعموم المتفرجين المكلومين بعذابات الوطن ، والمؤمنين بأن المسرح يعالج انحراف الاخلاق ، ويقوم بانتصار الخير على الرذيلة ، من خلال تقنيات فضاء النص الاحادي ، كما أراده " الكاتب" مع فضاء المسرح، بزمانه ، وايقاعه، وهندسة حركة الممثل ، كما اشتغل عليه " المخرج".
هامش:
• الممثلون : مكي حداد – جبار مشجل – ابو الحسن صلاح – عبد القدوس قاسم – طيبة أحمد – لمياء كرار – حيدر – أثير مخلد – زين العابدين.
• الاضاءة: ابراهيم فريح- مرتضى عبد الكريم .
• الموسيقى والمؤثرات: محمد جاسم الرسام- أوس رعد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الرافدين يطلق رواتب المشمولين ضمن شبكة الحماية الاجتماعية

بالوثيقة.. التعليم توضح بشأن توسعة مقاعد الدراسات العليا

العدل تعمل على خطة تجعل من النزلاء يكملون دراستهم الجامعية

ارتفاع بمبيعات الحوالات الخارجية في مزاد المركزي العراقي

رسمياً.. أيمن حسين يوقع على كشوفات الخور القطري

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

المكتبة المسرحية: ثلاثة أعمال مسرحية للكاتب أحمد إبراهيم الدسوقي

سلطة المسرح ومسرح السلطة في العراق

المخرج المسرحي وخلفيته الثقافية

نقد الرياء الديني في مسرحية طرطوف لموليير

حول مسرحية تشيخوف الكوميدية (الدب)

مقالات ذات صلة

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته
مسرح

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته

فاتن حسين ناجي بين المسرح الوطني العراقي ومهرجان الهيئة العربية للمسرح في تونس ومسرح القاهرة التجريبي يجوب معاً مثال غازي مؤلفاً وعماد محمد مخرجاً ليقدموا صورة للحروب وماتضمره من تضادات وكايوسية تخلق أنساق الفوضوية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram