TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > المتظاهرون المدنيّون في مواجهة أسئلة صعبة، واستحقاقاتٍ أصعب..!

المتظاهرون المدنيّون في مواجهة أسئلة صعبة، واستحقاقاتٍ أصعب..!

نشر في: 28 مارس, 2016: 09:04 م

ليس الوقت، وقتاً للتباهي، أو إظهار فضيلة المبادرة لإطلاق شرارة الحراك المدني، الذي بدأ مطلبياً، ليأخذ مساراً سياسياً، بعد أن تبيّن أنهما متلازمان. كما ليس الوقت للتأكيد على أنّ المتظاهرين لا يرتبطون بأية أجندة خارج خياراتهم الحرّة، وليسوا امتداداً لج

فخري كريم

ليس الوقت، وقتاً للتباهي، أو إظهار فضيلة المبادرة لإطلاق شرارة الحراك المدني، الذي بدأ مطلبياً، ليأخذ مساراً سياسياً، بعد أن تبيّن أنهما متلازمان. كما ليس الوقت للتأكيد على أنّ المتظاهرين لا يرتبطون بأية أجندة خارج خياراتهم الحرّة، وليسوا امتداداً لجهة أو لحزبٍ، وهم فوق ذلك ليسوا بحاجة لتأكيد تجرّدهم من انحيازاتٍ أو ولاءاتٍ طائفيةٍ أو عقائديةٍ أوجهوية. فالحراك انبعث بعد ما وجد العراقيون أنه لم تعد للصبر حدود، حيال ما يرزحون تحته من ركام العسف، والفساد المستشري، والمظالم، والتجاوز على فقراء العراقيين، والمهمشين منهم،  والمعذبين  بالفاقة تحت خط الفقر.

ومن فيوض جيش العاطلين عن العمل وأعدادهم في ازديادٍ وتكاثرٍ، تتدنى معها مطامع عراقيين أنهكهم الجوع والإذلال، ولم يعثر البعض منهم على سبيلٍ غير التقاط أرزاق أسرهم من حاويات حكام الصدفة، ومكبّات فضلات المنطقة الخضراء!
من حقهم الشعور ببهجة الوطني، إذ يرفض الصمت على إذلاله وتجريده من إنسانيته، فينتفض ويثور. ويرتقي باحتجاجه وتنديده وتمرده على الجور والبهتان، لتتحول إلى قوة تحريضٍ وتعبئةٍ ووسيلةٍ للضغط والفضح والإزاحة. من حقهم هذا وأكثر، كلما كان إلى ذلك من سبيل..
وقد خاض الحراك المدني، تجربة مواجهة القوة العاتية، بوسائل المنع والترهيب والممارسات القمعية المألوفة في الأنظمة الاستبدادية، وبتضييقاتٍ لم تقتصر على سدّ المنافذ وقطع الطرق والتهديدات الضمنية، وإنما تمّ تجريبِ " بخ " الغبار المتطاير من مروحيات رئيس الحكومة السالفة، خلافاً لبعران ميدان التحرير في القاهرة!
واستمرّ الحراك منذ شباط ٢٠١١ بين مدٍّ وجزرٍ،  يستمد العزم من منبع توثّبه ومصدر قوة عزيمته : الناس المرتهنة إرادتهم ومصائرهم.. لم ينحنِ أمام كل الصعاب، ولم تثنهِ الخيبة من طبقة حاكمةٍ تتجاهل وتغوص بتجاهلها في وحل الفساد والتعدّي والانتهاك وتبديد المال العام غير مُنصتة أو مبالية بأصوات الاحتجاج والتحدّي..
ثم تغيّر المشهد بطوفان الحشد الصدري، ليُضفي على الحراك طابعه ومتبنّياته. وهي في الاتجاه العام، بقدر تعلق الأمر بهدف الإصلاح ومكافحة الفساد تجسّد هدفاً مشتركاً للعراقيين، ولا يتردد من يستهدفهم الحراك من الطبقة السياسية المهيمنة  بإظهار التناغم معها، وادّعاء التجاوب لها.
لكنَّ الطوفان الذي شكّله النزول الجماهيري لأنصار السيد مقتدى الصدر إلى ساحات الاحتجاج، يُثير التساؤل حول مدى إمكانية الحراك المدني بالحفاظ على هويته  المدنية، وخصوصيته، والحيلولة دون أن تطمس شعاراتها. وليس في هذا قصدية من التيار الصدري، ولا انحساراً وقبولاً بتبعية من الحراك المدني، بل هي من طبيعة الأشياء والحركات. فالقوة الغالبة تتحدّد في منعطفاتٍ في موازين القوى بفيوض الحشود الجماهيرية، وليس بالضرورة بصواب الشعارات والمكالب والأهداف.
إنّ تطوراً بالغ الخطورة آلت إليه التظاهرات الصدرية التي تحولت إلى اعتصامات وقد تشهد تحولاتٍ لا سابق لأحدٍ بتحديدها أو التنبؤ باتجاهاتها ونتائجها. فالصراع بات يجري في المساحة التي تشغلها الأطراف المتنافسة على السلطة والمغانم والجاه داخل التحالف الوطني، الكتلة النيابية المقررة.
ومن حقّ السيد الصدر الانفراد في تقرير وجهة الاحتجاج والمطالبة. فهو القائد المعترف به للجماهير المنتفضة وتدين له بالطاعة والولاء. وفوق هذا هي من تشكل الغالبية  بين المتظاهرين والمعتصمين. ومن حقّ السيد الصدر فرض رؤيته وشروطه وإرادته. ومن حقه التصعيد والتهدئة. كما أنّ من حقه التقدم بالاتجاه الذي يريد في المواجهة.
ولكن أين موقع الحراك المدني ورؤيته، وفي أي اتجاهٍ يندفع ليحقق تطلعات من يريد التعبير عنهم. وهل يجد أنّ ذلك يمكن أن يتحقق في هذا الإطار الذي لا يستطيع الإفلات منه.
أيجد المتظاهرون المدنيون في المطالب المطروحة في إطار مبادرة السيد الصدر، نهاية للعملية السياسية الطائفية وما تعتمدها من محاصصة وتؤدي إليه من أزماتٍ وانحدارٍ وتفسّخٍ سياسيٍّ وفسادٍ ونهبٍ وتابواتٍ دينية ومذهبية ؟
وفي كل الأحوال، سيبقى أمام الحراك التفاعل مع تساؤلاتٍ حول الحد الأدنى والأعلى لأهدافها. وعلى قياداته التأكيد على الوسائل والأساليب والوجهة النهائية لحراكها، وتميّز هويتها والمسؤولية الوطنية التي يتحملها فيما لن يكون له من دورٍ في القرار والنتائج.
السيد الصدر، في ما يبدو مصمّمٌ على كسر التوازن في العملية السياسية، وفي التحالف الوطني أساساً. وهو بهذا يرى هدفاً مطمئناً للتصدي للفساد. وقد يكون له بعض الحقّ في ما يرى.
والسؤال : ومن هي القوى التي ستكون " مربط الفرس " في معادلة الحكم  ومصدر السلطات حتى يستقرّ التوازن ؟!
على الحراك المدني أن تكون له كلمة واضحة، تجلي أيّ غموض حول التوجّهات والأساليب والأدوار والأهداف النهائية. أو أن تُعلن بوضوح أيضاً أنها في موقعٍ ينسجم مع ما اختارته بوعيٍّ، ولا ترى بديلاً لمقتضياته..
لكنْ عليها أن تتذكر أنّ تغيير الأنظمة وتعديل موازين القوى في المجتمع يكون حيث يتواجد مَن بإرادتهم يتحقّق المستحيل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram