TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > قصة الخميس: الرفيق "أبو عروبة" يتحدى الاجتثاث

قصة الخميس: الرفيق "أبو عروبة" يتحدى الاجتثاث

نشر في: 20 يناير, 2010: 09:27 م

بقلم صحفييعاني فرحان صلبوخ عقدة الماضي، فهو قبل سقوط النظام السابق كان يسكن في منطقة الحسينية ، ثم اضطر إلى بيع داره هناك تحت ضغط عشائري، واستقر ومازال في أطراف حي الجهاد بجانب الكرخ من العاصمة. صلبوخ وحتى زمن قريب كان يكنى بابي عروبة ابنته الكبرى، ويفتخر بهذه الكنية ، لأنها تعبر عن تطلعاته في تحقيق الوحدة العربية بقيادة باني عز الأمة ومجدها.
 المقربون من صلبوخ يقدرون إصراره هذه الأيام على مناداته بكنية "أبي مؤمن " ولده الوحيد بعد ست بنات الذي حرف اسمه من مؤمل إلى مؤمن ، مصرا على استبدال اللام بالنون، لان ذلك ربما ، يزيح من ذاكرته بعضا من ركام ماضيه الذي مازال يحمل أعباءه. ولكن فاته، أنّ الرئيس السابق، استعار اسم عبد الله المؤمن خلال قيادته "أم المعارك الخالدة" بعد تحقيق النصر الناجز في قادسية "صدام المجيدة".! علاقتي بصلبوخ تعود إلى أيام عملي في احدى المطابع الأهلية في بغداد، وكان كثيرا ما يكلف من قبل دائرته بعدما انتسب إلى مديرية الأمن العامة برتبة مفوض بمهمة المراقبة على عمل المطابع ، فكان يطلق الأوامر والتعليمات لعمال المطبعة بإخفاء الصور والملصقات التالفة لقائده التاريخي في مكان مناسب ، ويحذر من تسريبها إلى الخارج ، وهو وراء حملة اعتقالات واسعة نفذت أواخر الثمانينات طالت العشرات من أصحاب المطابع ، وتم التحقيق معهم بسبب العثور على صور تالفة للرئيس السابق في مكب للنفايات يقع خارج منطقة الحسينية، واتضح في ما بعد أن الرفيق" أبو عروبة " كان وراء تلك الحملة الوطنية. قبل أيام قليلة التقيت الرفيق السابق في مكتب دلالية عقارات في حي الجهاد ،وتجاهلني حينما اقتربت لتحيته ومناداته بابي عروبة ، فردني غاضبا "أبو المؤمن "وانشغل بالحديث مع الآخرين، مرددا أكثر من مرة كلمات" يقينا وواقعا وعلى الأعم الأغلب" كفواصل في سياق حديثه، متجاوزا حضوري في مكتبه الذي علقت على جدرانه الآيات القرآنية ، وصور، مرّ أقل من ساعة وبعد إن غادر الآخرون خاطبني قائلا " يا أبو قند...ماذا تريد لا توجد دور أو شقق للإيجار". وبعد أن استعاد هدوءه نادى عامل المقهى المجاور، فجاءه الجواب بعبارة "تؤمر أبو مؤمن "لحظتذاك رددت كنيته الجديدة أكثر من مرة، و شعرت بأنه لا يرغب في الحديث عن الماضي، وأبديت استغرابي عندما بدأ يروي حكاية انتقاله من منطقة الحسينية إلى حي الجهاد وقال :"أثناء الحرب مع إيران كلفت من قبل المنظمة الحزبية بوصفي رجل آمن، وعضوا في الحزب بتبليغ المشمولين من سكان المنطقة بالالتحاق بقاطع الجيش الشعبي، وأخبرت جاري بان ابنه الشاب، والذي لم يحن بعد موعد التحاقه بالخدمة العسكرية مشمول، وعليه الالتحاق فورا بالشعبة الحزبية لينضم إلى معسكر تدريبي في النهروان وبعد ذلك يرسلون إلى جبهات القتال وخلال أيام التدريب لدغ ثعبان الشاب ابن جاري وبسبب عدم إجراء الإسعافات الأولية له فارق الحياة ولم يدرج ضمن قوائم شهداء القادسية فضاعت حقوق والديه "وقطع حديثه ليرد على هاتفه الجوال الذي أطلق صوت أهزوجة شائعة ، وبعد أن أنهى مكالمته تابع حديثه :" بعد سقوط النظام أخبرتني عائلة الشاب بأنني مطلوب لها، لكوني السبب في موت ابنها ، وانتهى الأمر بدفع مبلغ الفصل العشائري و قدره عشرة ملايين دينار، لقاء ذلك منحوني فرصة بيع داري ، وهكذا انتقلت إلى حي الجهاد ، واشتريت منزل احد منتسبي دائرتنا المقيم حاليا خارج القطر نعم خارج القطر". وبعد تكرار زياراتي "أبو المؤمن" علمت بأنه انضم إلى احد الأحزاب " التي وراءها خبزة " على حد وصفه ، ومهمته كما قال:" تحشيد التأييد الشعبي والجماهيري بين أهالي الحي ليمنحوا أصواتهم في الانتخابات لمرشحي الحزب ". وأوضح الرفيق السابق بأنه أصبح قياديا حزبيا في منطقته وهذا الموقع منحه العديد من الامتيازات ومنها حصوله على عدة مقاولات في حي الجهاد كمرحلة اولى مضيفا:" الموقع القيادي الحزبي الجديد منحني أيضا امتيازا بانجاز معاملاتي بكل سهولة عندما أراجع الدوائر الرسمية ويستقبلني الموظفون بحفاوة وتقدير واحترام" ، معربا عن أمله في انه يتطلع للحصول على عقد من المجلس البلدي لتنظيف حيه السكني. واختتم حديثه بالقول:" بجهودي الشخصية تحديت الاجتثاث وتركت أبا عروبة ورائي ولكن حينما أقابل شخصا مثلك استحضر كل الماضي ". وطلب مني بلهجة حادة :"يا أخي لا أريد أن أراك ابتعد عني"فاستجبت لرغبته ، وبعد خطوات سمعت صوت هاتفه يردد نشيد موطني، ويبدو بموقفه هذا كأنه تبني "الاجتثاث" ولكن على طريقة، وأسلوب الرفيق السابق فرحان صلبوخ أبو عروبة سابقا " أبو مؤمن"حالياً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram