في الطاعون يصف لنا كامو كيف كان بطل الرواية ، ريوكس يعجز عن تقديم وصف لما تمر به مدينته من خراب ، فيكتفي دائما بعبارة واحدة " غثيان " ربما سيقول بعض القراء الاعزاء ، انتم معشر الكتاب تنتقدون دون ان تقدموا حلولاً ، ولانني مجرد كاتب أعيش من هذه المهنة ، لا املك سوى هذه السطور التي أتمنى من خلالها أن أستيقظ ذات يوم ، فلا أجد في نشرات الاخبار ، خبراً يتعلق بالاستحقاق الطائفي ، ولا أشاهد عباس البياتي يقفز من فضائية الى اخرى بسرعة الصاروخ ، ليس عندي ياسادة من مقترحات غير التمني ، وهي بضاعة المفلسين في عصر يستمد معارفه وعلومه من مكتبة إبراهيم الجعفري ، لذلك تجدني احيانا أهرب الى الماضي ، وأتذكر جعفر أبوالتمن وأتغنى بخصال ساسون حسقيل ، لأن الحاضر ياسادة اصبح مجرد استعراض لخطب ساسة بلا لون ولا طعم . نكتب عن محمد حديد الذي سمّاه عبد الكريم قاسم بصاحب العفّة الوطنية ، الاستقراطي الموصلي الذي وقف تحت قبة البرلمان يطالب بتشريع قانون لمحاسبة رجال الحكم والموظفين الذين يستغلون مناصبهم لتحقيق منافع مادية ، لكي يكونوا عبرة في الحاضر والمستقبل. وحين يعترض بعض النواب ن يقف حديد خطيباً : لايمكن ان تقوم دولة متعافية ، وهناك من يستثمر نفوذه لنهب ثرواتها ، نريد ان يعرف الجميع وأولهم اصحاب المناصب ، ان هناك محاسبة، وان من يستخدم وظيفته لمنفعته الشخصيه سينزل عليه أشد العقاب".
تمرّد محمد حديد على طبقته المالية ، وعلى الحزبية الضيقة ، ووقف في وجه كامل الجادرجي دفاعاً عن قرارات عبد الكريم قاسم ، بإنصاف الفقراء ، وحين سمع همساً داخل أروقة الحزب أنه ينحاز للحكومة ،لأنه وزير فيها ، قدّم في اليوم التالي استقالته من الحزب والوزارة .
عندما يأفُل زمن محمد حديد ، يظهر زمن حسين الشهرستاني ومحمد الكربولي وصالح المطلك وبهاء الاعرجي والمعتصمة مها الدوري .
لم يخطر ببالي يوماً أنني سوف أكتب عن محمد حديد ، ، ولكن خبر وفاة ابنته المعمارية زها حديد ، أعادني الى صوت محمد حديد الذي حذّرنا يوما من الديمقراطية الزائفة :" إن الاحوال المؤسفة في العراق يجب القضاء عليها بالديمقراطية الصحيحة ، وليس بديمقراطية تغيير الوجوه "! .
ماتت زها حديد التي قدّمت من خلال اعمالها لغة أرفع من لغة الشعر ، كلّ بناء إيقاع ، كلّ فكرة قصيدة ، كلّ انحناءة حجر قافية لبيت شعر مميز، ظلت تعزف عزفا منفردا على الفن وعلى الحياة. عاشت في حلم بغداد جميلة وأنيقة ، مثلما تمنّى محمد مكية وأراد رفعت الجادرجي ، لكنّ إرادة الساسة وتوازناتهم الطائفية كانت هي الاقوى .
: زمن " حديد " .. وزمن " الشهرستاني "
[post-views]
نشر في: 1 إبريل, 2016: 06:47 م
جميع التعليقات 1
د عادل على
لو لو زرعوه لا يعطى الثمر ولكن لو قارننا اعضاء الحكومه الحاليه بوزراء عبدالكريم قاسم وعلى سبيل المثال المرحوم محمد حديد لتوصلنا الى نتيجه تقول ان المرحوم محمد حديد كان حديدا بكل معنى الكلمة وادا قارننا وزراء العبادى بوزراء البعث لقلنا اللى شاف المو