شاكر لعيبيأزيح الستار يوم 4 كانون الاول 1923 عن تمثال الجنرال ستانلي مود الذي أحتل العراق، وكان موقعه امام بوابة السفارة البريطانية في الشواكة من جانب الكرخ في بغداد. وهو واحد من ثلاثة أعمال نحتية كانت موجودة في العاصمة حتى صبيحة الرابع عشر من تموز عام 1958،
عندما هجمت عليها الجموع المنفعلة وحطمتها. يُعزى إنجاز التمثال في بعض الكتابات إلى فنان إيطالي، وهذا خطأ جسيم. فقد نفذ الإيطالي بييترو كانونينكا، كما أوضحنا في كلمة سابقة، عملين، الأول للملك فيصل والثاني لعبد المحسن السعدون، رئيس الوزراء السابق. والأخير تعرّض للسرقة بعد احتلال العراق عام 2003. تمويل تمثالي الغازي ستانلي مود والملك فيصل قام بها الشعب العراقي نفسه، مباشرة أو مُداوَرة. يذكر السياسي ناجي شوكت الجهود التي سبقت قيام تمثال فيصل قائلا: "عندما دخلتُ وزيراً للداخلية في حكومة نورى السعيد الثانيه رفع إليّ وجهه وسألني قائلاً: ولكن من أين ستأتي بالمال اللازم؟. فأجبته: إنكم إذا استصوبتم الفكرة فإن إيجاد المال سيكون سهلا وبعد أن رجعت إلى ديوان الوزارة اتصلت بمتصرفي الألوية كافة وطلبت إلى كل متصرف أن يبعث بمبلغ يوازى خمس ميزانية البلدية كمساهمة لإقامة النصب. فلما تمّ جمع الأخماس أضافت أمانة العاصمة ما لزم من المبالغ لإكمال الكلفة التي بلغت حوالي خمسين ألف روبية". استغرق العمل فيه ثمانية عشر شهرا في إيطاليا وارتفع في ساحة الملك فيصل الأول آنذاك في الصالحية بجانب الكرخ. أما تمثال الجنرال مود فقد وقع جمع المال اللازم له من الجباية التعسفية لتمويله في جميع أنحاء العراق، حتى أنه يًذكر ان لوحة منحوتة من الصخر كانت موجودة على أحد جدران بناية ثانوية العمارة للبنات، تحطمت عند هدم البناية مكتوب عليها (جمع من أهل العمارة مبلغ من المال لبناء تمثال للجنرال مود) ولكن أهل المدينة رفضوا دفع المبلغ للتمثال وبنوا به تلك المدرسة. إن تمثال الجنرال مود هو في الحقيقة من أعمال البريطاني السير كوسكومب جون GOSCOMBE JOHN (1860-1952) وقد أنجزه عام 1921. وهو السير وليام كوسكومب جون Sir William Goscombe John. ولد في كارديف Cardiff، ويلش في بريطانيا. في شبابه كان يساعد والده، وهو نحات على الخشب، في ترميم قلعة كارديف. ذهب الى لندن عام 1882 ليدرس في مجمع ونقابات مدرسة الفن اللندنية بأشراف جول دالو ووليام سيلفر فريث، وبعدئذ في المدارس الأكاديمية حيث فاز بالميداليا الذهبية وسافر في منحة دراسية عام 1887. عام 1890-91 درس في باريس. وتزوّج من سيدة سويسرية المَوْلِد، مارث وايس. انتدب كوسكومب لتنفيذ عدّة أنصاب عامة وتماثيل لشخصيات معروفة مثل جون كاري John Cory. عام 1921 أنجز النصب التذكاري في بوابة سونلايت لموظفي شركة المقتولين في الحرب العالمية. ونحت بوتريه لورد وسيدة ليفير Lever. استلم ميدالية ذهبية في باريس عام 1901، كان عضوا في الاكاديمية الملكية عام 1909، وفارسا عام 1911 وصار عضوا مراسلا للمعهد الفرنسي . يسعى فنه، كما يقول النقاد، لملامسة السمو الصارم للأسلوب القوطي ويتميّز بالبراعة وبالنموذج الدقيق. بين أفضل أعماله يُذكر "مورفيوس" و"القديس يوحنا المعمدان" الموجودين كليهما في كاريف غاليري، و"الجنيّ الصغير" (غلاسكاو غاليري)، و"طفل يلعب" (تيت غاليري)، و"دراسة لرأس" (ليفيربول غاليري). من بورتريهاته التي هي صور مخلصة لنماذجها: دوق دوفونشاير، الملك أدوارد السابع، الأمير كريستيان فيكتور، المؤرخ ليكي، وتمثال فروسية لشخصيات عدة. ومن بين أنصابه التذكارية هناك نصب ماركيز سالزبوري، والسير أرثور سوليفان... ألخ. من الصور النادرة الملتقطة للمثال صورة ما زالت موجودة بعدسة المجنّد البريطاني يومها هيربرت ميرسير. مَنْ كان في العراق يعرف، بل يأبه لمنجزات هذا النحات البريطاني؟ من يعرف اسمه اليوم؟ من قرأ أسمه على تمثال الجنرال الغازي مود بالأمس؟ لا أحد تقريباً.
تلويحة المدى: تحطيم التماثيل فـي العراق الحديث
نشر في: 22 يناير, 2010: 05:29 م