من يقرأ ؟ من يكتب ؟ من يمارس عادة شراء الكتاب ؟
اسئلة تمتلك شرعيتها في لحظتنا المعاصرة الشاحبة جدا، وربما تؤشر خللا عميقا في ستراتيجيات مستقبل البناء الثقافي، لأن هذا البناء لايأتي من فراغ ولايؤسس على اوهام، واحسب ان السعي الى صناعة عادات فاعل
من يقرأ ؟ من يكتب ؟ من يمارس عادة شراء الكتاب ؟
اسئلة تمتلك شرعيتها في لحظتنا المعاصرة الشاحبة جدا، وربما تؤشر خللا عميقا في ستراتيجيات مستقبل البناء الثقافي، لأن هذا البناء لايأتي من فراغ ولايؤسس على اوهام، واحسب ان السعي الى صناعة عادات فاعلة للقراءة والكتابة وشراءالكتب وبناء المكتبات هو مقدمة تجاوز التصحر الثقافي، التماس اسباب تكريس هذه العادات في البنيات العميقة للوعي الانساني، وبالتالي تأمين شروط تحويلها الى ممارسات وبرامج يمكن ان تتبناها الدولة الرسمية في سياق تخطيطها للعمران الثقافي، فضلا عن ضرورة تفعيلها من قبل مؤسسات المجتمع المدني، اذ ترتبط هذه التبديات الرسمية والمدنية من خلال ماتعكسه من فاعلية على مستوى تنمية وعي الرأي العام، وعلى مستوى تنمية الوعي داخل المدارس والأسر والمنتديات وغيرها من الحلقات المجتمعية.
التشكيك باهمال ظاهرة القراءة وانحسار الكثير من اثارها، تؤشره مجموعة كبيرة من الاستبيانات ومجموعة اخرى من الظواهر التي ترتبط باعداد طبع الكتب ومحدودية اقتناء هذه الكتب خاصة الكتب التي تعنى بالثقافات المعرفية والفكرية والادبية والسياسية. قد يقول البعض ان هذه الظاهرة اصبحت شائعة وان انماط تلقي الثقافات باتت مختلفة وغير خاضعة لقياس معين، والبعض الاخر يقول ان تأثير الفضائيات وتأثير(الميديا) بات واسع الاثر ايضا في اعادة انتاج علاقة المتلقي بمصادر ثقافاته ومعلوماته. والبعض قد يتهم مصادر انتاج الكتاب وانحيازها الى اشاعة انماط معينة تحت ضغط توجهات تجارية او اجتماعية او ربما سياسية!! مقابل اهمالها نشر الكتاب الثقافي وتعزيز طرائق اعلانه والتقليل من اسعاره الباهظة ليتمكن العديد من الناس من شرائه بسهولة. والبعض الاخر ايضا يتهم جهات رسمية بضعف سياستها الثقافية واهمالها جوانب مهمة تتعلق بانتاج الكتاب وتسويقه وعقد الاتفاقيات الدولية والاقليمية والعربية التي يمكن ان توفر مصادر اضافية لتوريد الكتاب الجديد، وبالتالي التعرف على مصادر معرفية جديدة، وربما هناك بعض آخر يتهم الجهات الحكومية في اهمالها للمناهج الدراسية التي تشكل اللبنة الاولى لتعريف الطفل بمصادر القراءة والمعرفة، وضرورة الحرص على ان تكون هذه المناهج ذات فعالية تربوية وثقافية وتعليمية في آن واحد وبالطريقة التي تسهم في تعزيز الوعي المبكر للطالب، فضلا عن اهمال المدارس ذاتها لتكريس عادات ثقافية كانت مألوفة، مثل المكتبة المدرسية والحرص على ادامتها، والمسرح المدرسي والعمل على تنشيطه وايجاد فرص حقيقية لمنافسات سنوية بين المدارس وتقديم مكافآت مجزية للفائزين، تنمية النشاط المدرسي بعيدا عن انماطه التقليدية ووضع سياقات فاعلة للنهوض به، وكذلك التنسيق مع وزارات مثل الثقافة والسياحة والاثار لاعداد برامج واسعة تبدأ من تأمين نشاطات ثقافية مشتركة الى تأمين الكتب ولاتنتهي عند القيام بزيارات منظمة للاثار لتعريف الطلاب بهويتهم التاريخية.
ان تبرير تدني ظاهرة القراءة لايمكن قبولها تحت اية حجج كانت، لانها تعكس خللا في اصول البناء الحضاري اساسا، مثلما تعكس وعيا قاصرا في التعاطي مع شروط وديناميات صناعة المستقبل، اذ ان هذا المستقبل يبدأ من المعرفة، والمجتمعات التي تنمو فيها المعارف والثقافات الحرة تتدنى فيها مظاهر التخلف والعنف والحروب، مقابل صعود قيم الوعي والنماء والرفاهية وتكريس قيم المواطنة والحقوق والعدل والمساواة. واحسب ان هذه الصورة تضعنا جميعا امام مسؤولياتنا، واهمية ان نضع صناعة الثقافة في سياق انتاج عالم جديد تنهض فيه الممارسات والبرامج التي ترفع من شأن المعرفة والثقافة واهمية تعلمهما، وهذه الصناعة تبدأ من التشريع الذي يعطي للبرنامج قوة القانون، وانتهاء بالجهد التنفيذي الذي ينبغي ان تنهض به المؤسسات الرسمية لتشييد اطر جديدة فاعلة تسهم في خلق تنميات حقيقية، ووعي جديد، ومسؤوليات جديدة تكون الثقافة الانسانية المنفتحة على الحياة وقيمها مصدرها الاساسي الذي يقف بوجه ثقافات الموت والارهاب والعنف والخراب..