من سوء حظ هذا العمود أنه يُنشر بعد أيام من احتفالات الشيوعيين العراقيين بعيد تأسيس حزبهم، ولنا في المثل الفرنسي أسوة حسنة: أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي.
تحت إلحاح ضمير لم يزل يحتفظ بنبض خارج أضلاع المثلث، محاولاً بلوغ ما هو أبعد من محيط الدائرة، وجهتُ تحيتي، عبر الفيسبوك، إلى الشيوعيين العراقيين، لأنها الطريقة الأسرع للقاء القلوب والقلوب، والأيدي بالأيدي. قد لا تكون مثل هذه التهاني بدافع آيديولوجي أو حزبي، لكنها من باب الموقف الأخلاقي من قضية العدالة التي لم تزل تشغل أفكار العالم من أقصاه إلى أقصاه، وبعد أن جرت مياه كثيرة تحت جسور العالم ثمة مياه لم تزل تبحث عن مسرب: مياه الوقوف ضد الظلم وريِّ الشجرة الغريبة في الأرض الغريبة، وهي شجرة لم تزل تجرب الظفر ضد الأنواء، بما يشبه الرسالات الكبرى، ما أخفق منها وما نجح. هل نجحنا؟؟كتبت في الفيسبوك:الشيوعيون ملح الأرض، من دونهم سيكون طعمها بلا طعم. ولأنها تهنئة لا يحتمل البروتوكول أن أقول: رغم أن هذا الملح رفع ضغط دم الكثيرين منا، مئات المرات، فرادى وجماعات!
وكتبت:"أولى المغامرات الكبرى واللذيذة ،
الكتاب الأول، الفكرة المبكرة بشأن معضلة الحرية،
حب القراءة، ثم الكتابة، الموقف من الظلم لا يتجزأ في صفوف الثوريين أم الاستبداديين.،
عبور القومية والدين والطائفة،المحاولة المستمرة للتمسك بالوطن كي أكون ابن العالم. الروح النقدي جوهر كل فكرة ثورية. التغيير الحقيقي يبدأ من الذات. الإنسان أعلى من أية راية. تلكم بعض المبادئ الأساس التي تعلمتها من الشيوعية". على أن الشيوعية، فكرة، يتخذها الناس، كما الله، كلّ يرسمه على وفق ما يفهم ويحس ويحلم. حتى أن الكثيرين قدسوها، كما الله، وهي ليست مقدسة أبداً. "مغامرة كبرى ولذيذة" نعم، لمراهق لم يجد كُوَّة غير الحزب الشيوعي ينفذ منها إلى الضوء ويستقبل الضوء، هل ثمّة أكبر من مغامرة أن يعتنق المرء "فكرة" قد تودي به إلى الموت، وأكثر لذة من اكتشاف تاريخ العالم عبر كارل ماركس؟؟
السلطات العربية، عبر تاريخها، موكّلة بقتل الشيوعيين، وأصدقائهم، والقريبين منهم، من نواكشوط إلى إلى بغداد.
شخصياً، شكلت لي "الفكرة" مثار قلق وجدل مع نفسي، دهراً، ولم تزل. لا أريد لهذا العمود الاحتفالي أن يكون نكداً ولا نقداً، فثمة طرق أخرى. هل الشيوعية فكرة خاسرة؟
نعم، فكرة خاسرة، بقياس الربح، فالظافرون هم الأباطرة والملوك والدكتاتوريون ورجال الأعمال القتلة ومن يعمل تحت إمرتهم.
لكنه ظفر عابر. أين هم الآن؟
ظفر الشيوعية قليل، لكنه كبير، لأنها الفكرة/الحلم، وأعظم مغامرات البشرية بدأت بأحلام، ومنها ما بدا أوهاماً. شيء من الخيال ضروري للعالم. هذا ما حمله لي أول الكتب وأنا مراهق.
"فكرة" خطرة؟ نعم. متى كانت الأفكار الوديعة مثار دهشة؟
أردت، مما كتبت في الفيسبوك، من أن "الإنسان أعلى من أية راية" أن لا تكون "الفكرة" يقيناً مقدساً، فتتحول إلى دين.
أطرف ما تلقيت من رسائل هو رسالة على الخاص في الماسنجر من صديقة عزيزة:عواد! أيها الخائن للبرالية. ماذا دهاك؟
فرددت: أن أكون خائناً للبرالية أشرف من أن أخون تاريخي.
أنا لست شيوعياً فالنظام الداخلي لا يتيح لي هذا، لأنني خارج شروط النظام الداخلي. ثم أنني متقاعد!
الكتب التي دسّها شيوعيون عراقيون أكبر سناً مني، مراهقاً، هي التي علمتني أن أقول ما قلت.
رغم ضغط الدم الذي يورثه ملح الأرض.. أهنئكم، صديقاً، لا أكثر ولا أقل.
تحيات عطرة.. للشيوعيين!
[post-views]
نشر في: 4 إبريل, 2016: 09:01 م
جميع التعليقات 1
kassim
أتذكر شعار آيام البعث الصدامي: كل العراقيين بعثيين وإن لم ينتموا. كثير من وجد نفسه -خارج هذا الكهف- لم يتعود شروط الحياة خارجه وبقي مثلما كان ولربما افضل ،داخل الكهف أفكاره منسجمة ومبررة ،لكن في الخارج نوع من السوريالية المضحكة،مثالكَ أولاً ثم الرفيق كا